أندرية زكى بقداس عيد القيامة: قيامة المسيح تدعو لعدم الاستسلام وكسر الجمود

الدكتور القس أندريه زكي
الدكتور القس أندريه زكي
كتب محمود راغب
ألقى الدكتور القس أندريه زكي، رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر، ورئيس الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية، كلمته بمناسبة عيد القيامة، وجاءت نص الكلمة كالآتى :
 
 

القيامةُ والتجديدُ الروحيّ 

 
نفرحُ اليومَ إذْ نحتفلُ بقيامةِ السيدِ المسيحْ، وننظرُ إليها كحدثٍ فريدٍ غيَّرَ مسارَ التاريخِ، ونستلهمُ منها أفكارًا خلاقةً تجاهَ حياتِنا وكنيستِنا ومجتمعِنا. تدعونا قيامةُ السيدِ المسيح إلى عدمِ الاستسلامِ وإلى كسرِ الجمودْ، إلى التطويرِ والتجديدِ المستمرّ لحياتِنا وأذهانِنا وأفكارِنا وروحانيَّاتِنا. نتجدَّدُ ونتغيَّرُ إلى تلكَ الصورةِ عينِها، صورةِ السيدِ المسيحْ؛ فلقدْ كانتْ حياتُه بمثابةِ ثورةٍ ضدَّ جمودِ وفسادِ النخبةِ الدينيَّةِ، ضدَّ المظهريةِ والروحانيَّةِ المترهلةِ والزائفةِ التي تفصلُ بينَ العقيدةِ والسلوكْ. 
اهتمَّ السيدُ المسيحُ بقضيةِ التجديدِ الدينيّ، وكانَ في حياتِهِ نموذجًا فريدًا لهذا التجديدْ. فلقدْ كانتْ حياتُهُ وتعاليمُهُ بمثابةِ نقلةٍ جديدةٍ وقفزةٍ إلى المستقبلِ بأسلوبٍ غيرِ مسبوقْ. 
ولعلَّ كلماتِهِ في إنجيلِ متى 9: 16 بأنهُ “لا يَصلُحُ أنْ نضعَ رُقْعَةً مِنْ قِطْعَةٍ جَدِيدَةٍ عَلَى ثَوْب عَتِيق” ، تلخِّصُ هذهِ الرؤيةَ الثوريةَ للمسيَّا المبدعْ، والذي جعلَ من شخصِهِ رجاءً جديدًا، لذا فإن إعادةَ القراءةِ لدورِهِ التجديديّ هي بمثابةِ شمعةٍ تضيءُ لنا الظلامَ وطاقةِ نورٍ لإعادةِ فهمِ المسيَّا المقامْ. 
سأحاولُ في هذه الدقائقِ القليلةِ قراءةَ الدورِ التجديديِّ للسيدِ المسيحْ، وكيفَ أَعَدَّ جماعةَ التلاميذِ للحظةِ القيامةْ، والتي من خلالِها تحولتْ هذهِ الجماعةُ من جماعةٍ يهوديةٍ لديها أسئلةٌ متعلقةٌ بهويتِها وثقافتِها إلى جماعةٍ منتصرةٍ غيرتِ التاريخَ البشريَّ كلَّه. 
 
 

أولًا: التطورُ التدريجيُّ في إعلانِ الرسالةْ

استخدمَ السيدُ المسيحْ مفاهيمَ قائمةً في عصرِهِ لإعلانِ رسالتِهِ؛ فتحدَّثَ كثيرًا عنْ ملكوتِ السماواتِ دونَ شرحٍ موسَّعٍ؛ إذْ قدَّمَ فكرةَ الملكوتِ بنفسِ المفهومِ السائدِ في عصرِهِ. كمَا تجاوبَ السيدُ المسيح معَ النظامِ الدينيّ في عصرِهِ، متفاعلًا معَ المجمَعِ ومشاركًا في الحواراتِ الدينيةِ، لهذا جاءتْ رسالتُهُ في مرحلتِهَا الأولى متجاوبةً بشكلٍ كبيرٍ مع البيئةِ التي نشأَ فيها. 
أعلنَ السيدُ المسيحُ تدريجيًّا أنَّ رسالتَهُ تتخطَّى حدودَ الديانةِ والقوميةِ اليهوديةِ إلى نطاقِ العالميةِ؛ فبعالميةِ الرسالةِ أسقطَ السيدُ مفاهيمَ كثيرةً سائدةً كتميُّزِ شعبِ إسرائيل بأنَّهُ شعبُ الله المختارْ، أو كارتباطِ الدينِ بالقوميةِ والأنسابْ. إنَّ الانتقالَ التدريجيَّ في إعلانِ الرسالةِ ساعدَ على نشرِهَا بقوةٍ وثباتْ. 
 

ثانيًا: دقةُ المصطلحِ ودلالةُ الحدثِ

استخدمَ السيدُ المسيح تعبيراتٍ تميزتْ بدقةِ المصطلحِ ودلالةِ الحدثِ؛ فمثلًا لم يستخدمِ السيدُ لفظةَ "المسيا" لِمَا لهَا من حساسيةٍ سياسيةٍ لدى المستعمرِ الرومانيّ وموقفٍ دينيٍّ لدى اليهودْ. استطاعَ السيدُ المسيحْ تجاوزَ المصطلحِ في مدلولِهِ العاديّ، واستخدَمَ بدائلَ تُعطِي نفسَ المعنى والدلالةْ، منْ أجلِ استمرارِ رسالتِهِ وتحقيقِ هدفِها. استخدمَ السيدُ كلماتٍ لهَا دلالاتٌ في الفكرِ الدينيّ اليهوديّ ليشيرَ إلى مسيانيَّتِه دونَ أنْ يستخدمَ تعبيرَ "المسيا". واحدةٌ منْ هذه المفرداتِ الهامةِ هي كلمةُ "الراعي" حيث إنَّ سمةً منَ السماتِ الأساسيةِ للمسيا أنه الراعي. كما استخدمَ مواقفَ عمليةً لتأكيدِ نفسِ المعنى مثلَ الدخولِ الانتصاريّ إلى أورشليم، وكذلكَ تطهيرِ الهيكلْ، كلُّ هذهِ مواقفُ عمليةٌ بارزةٌ أكدتْ مسيانيتَهُ وسلطانَهُ.
تحتاجُ الكنيسةُ اليومَ لإعادةِ النظرِ في المفرداتِ التي تستخدِمُها والمواقفِ التي تتبنَّاها، كما نحتاجُ اليومَ لمفرداتٍ لاهوتيةٍ يفهَمُها الجميعُ؛ أنْ تَخرُجَ الكنيسةُ منْ لُغَتِها الخاصةِ إلى لغةٍ مفهومةٍ. كما أنَّ المواقفَ التي نتَّخذُها لها دلالاتٌ وتأثيرٌ.
 

 ثالثًا: تعدُّدُ البدائلِ وقيمةُ التغييرِ

استخدمَ السيدُ المسيحْ بدائلَ كثيرةً تتجاوزُ النماذجَ التقليديةَ؛ ففي مجالِ العقيدةِ قدمَ نموذجًا يتجاوزُ جمودَ الشرائعِ إلى فاعليةِ شخصِ اللهِ وقوتِهِ، إذْ قالَ: "مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ". في مجالِ الطقوسِ الدينيةِ أعلنَ عن تحوُّلٍ جذريٍّ يعترفُ بالقديمِ لكنَّه لا يقفُ عندَه. 
وهنا نرى قيمةَ التغييرِ؛ فالنظامُ اليهوديُّ تمَّ تأسيسُهُ على الشريعةِ وطقوسِهَا، وأدى دورَهُ التاريخيَّ في حياةِ البشريةِ، أمَّا النظامُ الجديدُ فهو مؤسَّسٌ على فاعليَّةِ شخصِ المسيحِ وديناميكيتِه في الأحداثِ والزمنِ، إذْ إنَّه مُؤسَّسٌ على الإنسانِ وأهميتِه "السَّبْتُ إِنَّمَا جُعِلَ لأَجْلِ الإِنْسَانِ، لاَ الإِنْسَانُ لأَجْلِ السَّبْتِ"، فكلُّ الشرائعِ والطقوسِ هي لخيرِ الإنسانْ.  
لقدْ طرحَ السيدُ بدائلَ عديدةً تشملُ التوبةَ الصادقةَ والاهتمامَ بالقريبِ وعملَ الرحمةِ وقبولَ الآخرِ وكلُّها بدائلُ تتجاوزُ تقليديةَ الناموسِ وطقسيتَهُ، إلى عقلٍ حرٍّ متجدِّدٍ يتعاملُ معَ الله والآخرين. 
 

رابعًا: سماحةُ النصِّ وجمودُ التفسيرِ

بالرغمِ منْ مرورِ ما يزيدُ على عشرينَ قرنًا منَ الزمانِ على حياةِ السيدِ المسيح، إلا أنَّ الإنسانَ لا يستطيعُ أنْ يُنكِرَ أنَّ الطريقةَ الإبداعيةَ التي تعاملَ بها السيدُ المسيح معَ النصِّ الدينيّ والمؤسسةِ الدينيةِ في عصرِه لا يمكنُ إعادةُ إنتاجِها اليومْ. فمعَ أنَّ النصَّ الدينيّ يتميزُ بالسماحةِ، ويمكنُ قراءتُه من عدة زوايا، فلقدْ أنتجَ الكتبةُ والفَريسيونَ تفسيرًا جامدًا متصلِّبًا، وفي بعضِ المراتِ، أصبحَ التفسيرُ أكثرَ قداسةً منَ النصِّ ذاتِهِ. حاولَ بعضُ المفسِّرين أنْ يتوحَّدوا مع النصِّ الدينيّ، ويجعلوا من قراءتِهم للنصِّ ما يشبِهُ وحيًا جديدًا؛ فعقَّدوا الحياةَ الروحيةَ للناسْ. 
تحتاجُ الكنيسةُ اليومَ إلى مواجهةِ أيِّ فئةٍ تضعُ تفسيرَهَا في مكانةٍ أعلى منَ النصِّ، كما تحتاجُ لمواجهةِ أصحابِ القراءةِ الوحيدةِ للنصِّ الدينيّ.
أخيرًا: القيامةُ وإعادةُ صياغةِ رؤيةِ الجماعةِ وهدفِها.
 
 القيامةُ إذًا طاقةُ نورٍ استطاعَ التلاميذُ والجماعةُ الأولى من خلالِها العودةَ لقراءةِ حياةِ المسيا وفهمِ تعاليمِه والإدراكِ الجديد لرؤيتِه. لقد غيَّرتِ القيامةُ حياةَ هذهِ الجماعةِ تغييرًا جذريًّا. 
 
والكنيسةُ اليومَ تحتاجُ أن تعيشَ بروحِ القيامةِ، فتعيدُ قراءةَ حياةِ سيدِها وفهمَ رسالتِهِ بعمقٍ جديدْ؛ فالتطورُ التدريجيُّ لإعلانِ الرسالةِ كانَ رِفقًا بسامعيه لينقِلَهُم من أرضٍ جامدةٍ متحجرةٍ إلى فاعليةٍ جديدةٍ هو بشخصِه أساسُ تفاعلاتِها. حرصُهُ في استخدامِ مصطلحاتٍ تحملُ المعنى العميقَ لرسالتِهِ دونَ الصدامِ أو التهورِ، لَعِبَ دورًا كبيرًا في وصولِ رسالتِهِ إلى الجميعْ. قدرتُهُ في تقديمِ بدائلَ جديدةٍ فتحتْ آفاقًا جديدةً ومساحاتٍ غيرَ تقليديةٍ أمامَ تابعيه. 
 
تدعونا القيامةُ إلى فعلِ التوبةِ؛ فحديثُ السيدِ عنِ الملكوتِ ارتبطَ ارتباطًا وثيقًا بالتوبةِ؛ فالتوبةُ انكسارٌ أمامَ اللهِ وتغييرٌ في الاتجاهِ ورفضٌ للخطيةِ، التوبةُ تَعنِي قيامةً منَ الموتِ؛ فالخطيةُ موتٌ والاستمرارُ في الخطيةِ يفصِلُنَا عن الله. 
إنَّ رسالةَ السيدِ المسيحِ في جوهرِهَا كانتْ ببساطةٍ شديدةٍ الدعوةَ إلى الحريةِ منَ الموتِ، ولقدْ واجَهَ بنفسِهِ الموتَ، ولكنَّه هَزَمَ الموتَ بالموتِ والقيامةِ وهذَا هو جوهرُ رسالتِهِ، هو الحياةْ. 
 
واليومَ ونحنُ ننظرُ إليهِ نتطلعُ بشوقٍ إلى هذهِ الحريةِ، حريةِ الأعماقِ، حريةِ التجديدِ. هذهِ الحريةُ الروحيةُ هي جوهرُ القيامةِ، كانَ الموتُ قوةً فاصلةً بينَنَا وبينَ الله، وتأتي قيامةُ المسيحِ جسرًا جديدًا يربِطُنا بالأبديةِ.
هذا التأثيرُ الغنيُّ للقيامةِ لا يمكنُ حصرُه، لذَا فإنِّي أصلِّي أنْ تعيشَ الكنيسةُ حياةَ القيامةِ، التي تربطُ العقيدةَ بالفعلِ، وتؤمنُ بهزيمةِ الموتِ وتثقُ في سيدِها. 
 
أصلِّي أنْ تغيِّرَنا القيامةُ، إذْ نراها بعيونٍ فاحصةٍ متأملةٍ في معانيها، وتقيمَنا من قبورِ الجمودِ ورفضِ التجديدِ، وتُطلِقَنَا لمفاهيمَ أعمقْ تجاهَ مقاصدِ اللهِ الجليلةِ لحياتِنَا ورسالتِنَا، تجاهَ كنائِسِنَا ومجتمعاتِنا، تنفتحُ عيونُنا لترى نورَ الحياةِ في ظلِّ الخيرِ والمحبةِ والسلامِ. 
أتطلَّعُ لكنيستي وهي تنتقلُ منْ مفهومِ البقاءِ إلى مفهومِ الانتصارِ، وإلى بلادِي وهي تنطلقُ في رحلةِ التجديدِ من خلالِ العملِ والوعيِ والجَهدِ الشاقِّ والرغبةِ في العبورِ إلى المستقبلِ، والحرصِ على سلامةِ المجتمعِ، وذلكَ في إطارِ منظومةِ القِيَم الإنسانيةِ المبدعةْ. 
وكل عام وحضراتكم بخير،،
 
قداس-عيد-القيامة-(1)
 

قداس-عيد-القيامة-(2)
 

قداس-عيد-القيامة-(3)
 

قداس-عيد-القيامة-(4)
 

قداس-عيد-القيامة-(5)
 

قداس-عيد-القيامة-(6)
 

قداس-عيد-القيامة-(7)
 

قداس-عيد-القيامة-(8)
 
 
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

ضد ترامب.. احتجاجات أمام القنصلية الأمريكية فى البرازيل تضامنا مع غزة.. فيديو

مصر تحذر من تبعات توسيع العمليات العسكرية الإسـرائيلية فى غـزة

التعادل السلبى شعار غزل المحلة بعد 3 جولات فى الدورى.. لا سجل ولا استقبل

4 رسائل تطمئن الجمهور على الحالة الصحية للفنانة أنغام.. صور

انقلاب سيارة نقل محملة بمواسير بالطريق الدائرى


نيويورك تايمز: إسرائيل تتحدى الغضب العالمى بتحركاتها فى غزة والضفة الغربية

موعد مباراة الزمالك ومودرن سبورت فى الدورى

استشهاد 10 فلسطينيين و إصابة آخرين فى قصف بمناطق متفرقة بقطاع غزة

ذكرى رحيل عملاق الطرب محمد عبد المطلب.. عاش بفنه رغم الغياب

سفاح الإسماعيلية.. "دبور" ذبح جاره وسط الطريق منذ 4 سنوات وتم إعدامه اليوم


دعوات إيطالية لتعليق مشاركة إسرائيل فى الفيفا واليويفا بسبب غزة

القبض على البلوجر نورهان حفظى لنشرها فيديوهات منافية للآداب

مفاجأة فى عينة تحليل المخدرات لسائق حادث كورنيش الشاطبى بالإسكندرية

قفزة غير مسبوقة بالحزمة الاجتماعية: علاوة الحد الأدنى تتضاعف 5 مرات بـ4 سنوات

الزمالك يصطدم بمودرن سبورت الليلة في الدوري

تنفيذ حكم الإعدام فى دبور "سفاح الإسماعيلية"

تفاصيل إطلاق السلاحف "على" و"فرح" بمياه البحر المتوسط فى بورسعيد (صور)

محكمة جنايات دمنهور تصدر حكمها اليوم على توربينى كفر الدوار

النائب العام الليبى يقرر حبس صاحب مزرعة أطلق أسده على عامل مصرى

الإسكندرية ضمن التأمين الصحى الشامل قريبا.. استعدادات تنفيذية مكثفة لإسراع الانضمام للمنظومة.. المحافظ: تشمل 169 قرية ونجعا.. والتأمين الصحى يؤكد: نستهدف رفع جودة الخدمات الطبية ودمج القطاعين العام والخاص.. صور

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى