الصيام فريضة وليس صيدلية 3/2

حازم حسين
حازم حسين
بقلم حازم حسين
فى مسألة الصيام التى يخوض مئات الملايين على امتداد العالم موسمها السنوى حاليًا، يُصرّ رجال الدين على أنَّنا بصدد عبادةٍ وصيدليَّة أدويةٍ فى وقت واحد، وأن التكليف الإلهى بمجافاة المأكل والمشرب شطرًا كبيرًا من اليوم يحمل فى أحد جوانبه فُرصًا عظيمة ومضمونة لمداواة العِلَل والأمراض، بينما على الجانب الآخر يقف الطبّ موقفًا مُغايرًا، مُقدِّمًا أدلّة وبراهين حيويّة وفسيولوجية على عدم دقّة هذا الطرح، ويظلّ الأمر مُعلّقًا، فى حاجة إلى «العَقلَنة» والتحرير من تبعات تلك الدائرة الاستقطابية.
 
يقول رجال الدين إن الصيام يُنقّى الجسم ويُحسِّن وظائف الأعضاء، ويحاولون تعزيز خطابهم بالاستناد إلى نظرية طبية حول تقنية الالتهام الذاتى للخلايا، بينما يقول الطبُّ إن الصيام، وإن لم يكن ضارًّا فى الانقطاع عن الطعام، فإن حرمان الجسم من السوائل والماء «الذى يُشكِّل حوالى 80% من بنيته» ينطوى على خطورة وتهديدٍ احتمالىٍّ للجسم ووظائف الأعضاء، وإن تلك العملية تزيد تركيز الأملاح والباولينا «تركّز اليوريا فى الدم» بشكل يُهدّد الكُليتين والمنظومة الحيوية للتخلُّص من الترسُّبات والعناصر الضارّة، فضلاً عن أنه يرفع لُزوجة الدّم بشكل يزيد معدلات ترسُّبه ويُهدّد بحدوث جلطاتٍ مُفاجئة.
 
 تقنية الالتهام الذاتى «أوتوفاجى» التى يتَّكئ عليها الفريق الأول فى طرحه تتحدَّث عن أثر التجويع المُتقطِّع فى تنشيط قدرة الجسم على التخلُّص من الخلايا المعطوبة، وبالنظر إلى تلك التقنية التى صكّ مُصطلحها العالم الدنماركى «كريستيان دو دوف» خلال ستينيات القرن الماضى، وحصل عنها على جائزة نوبل فى الطب عام 1974، وطوّر فيها اليابانى يوشينورى أوهسومى، ليقتنص بإضافاته نوبل أخرى فى الطب قبل ثلاث سنوات، سنجد أنها تتحدَّث عن آليَّات تحفيز داخل الخلايا للتخلُّص من محتوياتها القديمة، وتجديد نفسها، عبر إحاطة تلك المحتويات بغلاف سَميكٍ، وتوجيهها إلى مَسارٍ داخل الخليَّة لتفكيكها وتحليلها ثم طردها خارجًا، عبر وحدة خلويَّة تُعرف باسم «لايسوزوم»، ولكن تلك التقنية لا تخص عملية الصيام فى ذاتها، وإنما هى آلية ذاتية دائمة ضمن بنية الخليّة الحيّة، تتضافر مع ظاهرة «الموت المُبرمَج». 
 
ما تحدَّث عنه «يوشينورى» وغيره هو أثر التجويع القصير المُتقطِّع فى تنشيط ظاهرة تجديد الخلايا وتعزيز قدرتها على التخلُّص من نفاياتها، دون اقتراب من فكرة الصوم الطويل المنتظم، ودون عبور بأيّة صورة على مسألة التعطيش والحرمان من السوائل، بل إن الأبحاث المتاحة فى هذا الباب تشير إلى أثر الصيام الطويل فى تثبيط قدرات الخلايا على تنظيف نفسها، أو إنجاز عملية الالتهام الذاتى، ربما بفعل دوره المباشر فى تعزيز البروتينات والمكوِّنات الخلويّة الضارّة، وزيادة قدرتها على مقاومة التكسير والظروف الحيوية التى قد تلجأ إليها الخلايا لإصلاح أعطابها. 
 
الخلاف الدينى العلمى حول مسألة الصيام، وأُطروحات الفقه والطب فيها، يفتحان بابًا قديمًا على السؤال المُتجدِّد بشأن الخطاب الدينى المُستقرّ، وحاجته للتجديد، ورُبّما التغيير وإعادة الإنتاج، فى ضوء قصوره الواضح عن استيعاب التطوّرات والقفزات المحيطة به فى مستويات شتّى، وعجزه فى الوقت ذاته عن الحفاظ على مراكزه المعنوية القديمة كخطاب تأسيس وتوجيه روحى فى المقام الأول، ما وصل به الآن للوقوف فى مُفترق طُرق، عاجزًا عن ترقية الروح، وقاصرًا عن استيعاب المادة.
 
قضية تجديد الخطاب الدينى ليست دعوة مُحدَثة، ولا يفرضها الخلاف حول مسألة الصيام فقط، فبدءًا من تنامى المدّ الراديكالى المُتطرِّف للخطاب الإسلامى خلال سبعينيات القرن الماضى، ودخول دائرة العنف المُباشر للإسلاميين منذ الثمانينيات والتسعينيات، وتجدُّدها بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو، لا ينقطع التفتيش عن التجديد، ولا يتوقف الحديث عن محنة الخطاب الدينى وحاجته للفرز والاستبعاد والتحديث وإعادة الفهم، وقد نادى بالأمر مُثقَّفون ومُفكِّرون وأكاديميُّون وشخصيات عامة، وحتى بعض رجال الدين والأزهر، ونادت به القيادة السياسية فى مواقف عدّة، بينما ما زال الخطاب القديم على حاله، يستند فى وجهٍ لنصوص فقهيّة وتفاسير تجاوزها الزمن، ويتعسَّف فى وجهٍ آخر مع العلم والعقل ومنطق الأمور وأهل اختصاصها.
 
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

موضوعات متعلقة

الصيام فريضة وليس صيدلية 3/1

الصيام فريضة وليس صيدلية 3/1 الأربعاء، 15 مايو 2019 10:00 ص

حرب مؤجَّلة منذ 40 سنة

حرب مؤجَّلة منذ 40 سنة الثلاثاء، 14 مايو 2019 10:00 ص

ثغرة إيرانية  فى المشهد العربى

ثغرة إيرانية فى المشهد العربى الإثنين، 13 مايو 2019 10:00 ص

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

مدحت عبد الهادى صخرة دفاع الزمالك السابق يحتفل اليوم بعيد ميلاده الـ"51"

التنقيب عن الآثار.. جريمة تخنق التاريخ والداخلية تلاحق لصوص الحضارة

تنسيق الجامعات 2025.. استمرار إتاحة التقدم لحجز اختبارات القدرات

اتحاد الكرة يستقر على إقامة السوبر المصري بمشاركة 4 فرق

ميلود حمدى يطالب مجلس الإسماعيلى بتعديل لائحة فريق الكرة قبل الموسم الجديد


مى فاروق تحيى سهرة خاصة لأم كلثوم بمهرجان قرطاج الدولى 16 أغسطس

هزيمة مشتركة.. مشوار تشيلسي وباريس سان جيرمان إلى نهائي كأس العالم للأندية

تعرف على موعد صرف تكافل وكرامة بالزيادة الجديدة

بالأرقام.. مودريتش يودع ريال مدريد بعد مسيرة أسطورية

غادة عبد الرازق تكشف عن تعرضها للإصابة وتجلس على كرسى متحرك


هل سيتم تخفيض تنسيق الثانوي العام بالقاهرة ؟.. اعرف التفاصيل

موعد مباراة تشيلسي ضد بي إس جي فى نهائى كأس العالم للأندية 2025

العراق يرحب بإعلان "حزب العمال الكردستانى" بدء عملية تسليم السلاح

فات الميعاد الحلقة 21.. أحمد مجدي يرفض عرض محمد أبو داود حفاظًا على حضانة ابنته

الهيئة الوطنية تطلق تطبيق استعلم عن لجنتك فى انتخابات مجلس الشيوخ.. صور

ماكينات حفر الخط الرابع للمترو لا تتوقف.. طاقم مصرى يصل الليل بالنهار لإنجاز المشروع.. المكينة تحفر 22 مترا يوميا والنفق حلقات خرسانية يتم تركيبها وتصنيعها محليا.. وهذه طرق تأمين العمال تحت الأعماق.. صور وفيديو

الهيئة الوطنية تنشر آلية استعلام المواطنين عن مقر اللجان بانتخابات مجلس الشيوخ

الخارجية الفرنسية: نجدد رفضنا القاطع لأى تهجير قسرى لسكان غزة

سر تجدد اشتعال النيران في سنترال رمسيس.. مدير الحماية المدنية الأسبق يوضح

الدفع بـ4 خزانات مياه استراتيجية لإخماد حريق مصنع مدينة بدر.. صور

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى