حكايات وطرائف فى مذكرات كوكب الشرق «أم كلثوم».. لقب «الست» منذ السابعة.. وأصبحت هرم مصر الرابع وصوتها الخالد.. سيد قطب طالب بمحاكمتها بعد ثورة يوليو.. وبسبب عبد الوهاب كادت تعتزل الغناء

أم كلثوم
أم كلثوم
كتب - محمد عبد الرحمن

- سومة صحفية من أجل عيون «هيكل» وتؤكد: جمهورى عصبى وعاطفى ومهرج والتلحين عندنا «شاذ»

«ما من جحود أن نقارن أى صوت من الأصوات المصرية المعاصرة بهذا الصوت المتعالى، فقل فى غناء أسمهان وليلى ونور الهدى ما تشاء إلا أن نقارنه بصوت أم كلثوم فتضره من حيث أردت أن تنفعه، وتهينه من حيث أردت أن تكرمه وتمرغه فى التراب، وقد أردت أن تسمو به إلى السماء».. هكذا وصف الأديب العالمى الراحل نجيب محفوظ، فى مقال له نشر بمجلة «الأيام» عام 1942، صوت كوكب الشرق أم كلثوم، وتفردها الفنى وتفوقها الكبير فى إمكانياتها عن باقى مطربات جيلها.

أم كلثوم «31 ديسمبر 1898م - 3 فبراير 1975م»، ذلك الصوت الإلهى العظيم، صاحبة الحنجرة الذهبية، المرأة التى أصبحت هرم مصر الرابع، وصوتها الخالد، ورمزها الفنى الأبدى، فلا أحد أتى فى مكانة سومة، ويصعب أن يأتى من يأخذ مكان ومساحة تلك المرأة الفريدة، التى جاءت بصوتها كهبة ربانية ومنحة من السماء إلى الوطن العربى.
 
كوكب الشرق، لم تكن فقط مطربة القرن العشرين، والاسم الأبرز فى الغناء المصرى والعربى على الإطلاق بفضل صوتها وأغانيها فقط، فكانت «صاحبة العصمة» صاحبة مواقف وآراء قوية، بنت من خلالها شخصيتها التى ميزتها على جميع نجوم جيلها والأجيال التى سبقتها ومن جاءوا بعدها أيضًا، ولعل ذلك ما يظهر من خلال كتاب «مذكرات الأنسة أم كلثوم» إعداد الكاتب الصحفى الكبير محمد شعير، حيث يقدم الكتاب العديد من الوثائق والشهادات والمقالات لكوكب الشرق، تكشف جوانب عدة خافية عن أم كلثوم، من خلال 120 صفحة من القطع المتوسط «حجم الكتاب».
 
من الطريف من ذكريات كوكب الشرق أم كلثوم، هو أن لقب «أنسة» لم يطلق عليها إلا بعد قدومها إلى القاهرة، وعملها فيها، فقد كانت تعرف باسم «السيدة أم كلثوم» حتى وهى دون السابعة من عمرها، ولقب «سيدة» من ألقاب الاحترام والتبجيل فى ريف مصر، حيث لا يفرقون بينه وبين «أنسة» التفريق الذى يفهمه أهل الحضر. وكان ممن اتصلت بهم سومة فى القاهرة فى أول عهدها صاحب العزة محمد بك زكى، مدير مدارس الأوقاف سابقًا، فأهمها الفرق بين اللقبين واقترح عليها أن تلقب نفسها بلقب «الأنسة أم كلثوم» ومن يومها أبدلت سومة لقبها وجرى على منوالها كثير من المطربات والممثلات فصرن يعرفن بلقب الأنسة حتى المتزوجات والسيدات منهن.
 
فى طفولتها انقطعت أم كلثوم عن الذهاب إلى الكُتاب فى طماى لفداحة المصاريف، إلا أنها ما لبثت أن عادت إليه بعدما توفر لدى والديها البارين مصروف الكتاب من كسب الصغيرة المتواضع فاستأنفت تعليمها من عرق جبينها مع قيامها بإحياء الحفلات التى تدعى إليها فنشأت عصامية بكل معانى الكلمة.
 
ولم تكن الرغبة فى التعلم وحدها هى الدافعة لبلبل الشرق الموعود للعودة للكتاب بل كان ولعها باللعب و«الشقاوة» من أكبر المرغبات لها فى الوجود وسط أترابها من صبية وبنات. لكن رغم كسبها رضى عريف شيخ الكُتاب بسبب كسبها القليل، غير أن رشوة سومة للشيخ وعريفه لم تشفع أمام شقاوتها التى تتجلى فى حادثة حدثت ذات خميس ذهبت مبكرًا لا لتذاكر درسها، بل عمدت إلى تقصيف أقلام خصومها وتقطيع كراريسهم وتكسير ألواحهم ووضع التراب فى محابرهم بدل «الليفة»، وهنا جاء المفتش ما جعل الفتاة الصغيرة تضطرب وتبدأ فى تلاوة بعض  آيات القرآن، وما أن يسألها المفتش عن الشيخ، فتقول له إن الشيخ لا يحضر يوم الخميس هو والأولاد، وكان ذلك فى خصومة طويلة بين الفتاة والشيخ الذى هدف للانتقام منها وتعسيفها ضربًا، وظلت العلاقة هكذا رغم قيام سومة بزيادة هداياها للشيخ.
 
 وكان أول أجر تحصل عليه أم كلثوم لإحياء سهرة فى إحدى القرى النائية، وكان الفصل شتاء والشقة بعيدة والطريق متعبًا، لكن ذلك لم يقعد سومة الصغيرة من مشقة السفر والتنقل من أجل 150 قرشًا، حيث كانت تركب القطار ثلاث ساعات، وأربعة أخرى لتصل إلى المكان التى تغنى فيه، حتى أن فى إحدى الليالى اضطرت أم كلثوم  إلى الغناء فى سرادق خال تمامًا إلا من الكراسى المصفوفة إذ هرب المدعوون من شدة البرد وتبعهم أصحاب الفرح أنفسهم وتركوا سومة تغنى للهواء الطلق.
 
فى «مذكرات الأنسة أم كلثوم» يحكى عن الكاتب الكبير مصطفى أمين، أن صاحبة «الأطلال» كان لها نصيب فى مؤسسة «أخبار اليوم» فقد تبرعت بـ18 ألف جنيه «قد تعادل ملايين بأسعار اليوم» لتأسيس الجريدة، وطلبت من «أمين» أن يظل الأمر سرًا، ولكن الراحل أباح بالسر بعد سنوات، وهو ما أغضب أم كلثوم التى خشيت أن يطالبها بعض أصدقائها من الصحفيين تمويل جرائدهم أيضًا. ومن الحكايات الطريفة التى جمعت الصحفى الكبير والمطربة الأولى، هو «مقلب» أوقعت فيه صاحبة «أنت عمرى»، مصطفى أمين، حيث كان سافر بصحبتها إلى أمريكا عام 1953م، ودعاها إلى مطعم فاخر، فاخذت تختار الأصناف ذات الأسعار المرتفعة، ومجاملة لها اختار نفس الأسعار، وفى نهاية العشاء، عندما جاءت الفاتورة رأت أم كلثوم الارتباك على وجه مصطفى أمين، لكن أراد أن يحرمها من الشماتة، وتمالك نفسه وتظاهر بأن المبلغ المطلوب بسيط، ومد يده يخرج محفظة نقوده، لكنه لم يجد أثرا لها، وكانت أم كلثوم تراقبه بسعادة، وبين كل حين وآخر تعلق بنكتة عن المفلس الذى دعا ضيوفه على العشاء، ورجاها «أمين» أن تبقى فى المطعم من أجل الوصول للفندق ويعود بالنقود، فخشيت ألا يعود، فطلب منها أن تقرضه ثمن العشاء، لكنها ادعت أنها نسيت النقود أيضًا، ليقول لها ساخرًا: «معنى كده أن مدير المطعم هياخدنا إلى نقطة البوليس وهيحطنا فى السجن»، وضحكت أم كلثوم وهى تتخيل المانشتات الصحفية فى مصر عندما تتحدث عن القبض عليها ومصطفى أمين بتهمة النصب على صاحب مطعم، لكن أبو رزق صاحب أكبر محل أزياء فى واشنطن الذى ما أن رأى أم كلثوم فأصر على أن يدفع الحساب.
 
فى بدايات ثورة يوليو طلب سيد قطب القيادى الإخوانى الشهير، بمحاكمة كوكب الشرق أم كلثوم لأنها غنت للملك فاروق السابق، وقرر الضابط المشرف على الإذاعة منفردًا وقف إذاعة أغنياتها، وطردها من منصب «نقيب الموسيقيين» وهو ما جعل الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر يغضب ويقول فى أحد اجتماعات مجلس قيادة الثورة للضابط المشرف على الإذاعة «ما رأيك أن تهدموا الهرم الأكبر لأنه من العهد القديم!».
 
وعلى أثر خلاف حول انتخابات نقابة الموسيقيين، تم إلغاء الانتخابات وتعيين عبد الوهاب نقيبًا، ما أغضب أم كلثوم وقررت اعتزال الغناء، وعندما أبلغ مصطفى أمين عبد الناصر بغضبها، ذهب إليها لإقناعها عن العدول عن قرارها، كما تدخل «ناصر» نفسه من أجل أن يجمع أم كلثوم «الفلاحة» مع عبد الوهاب «القاهرى» فى أغنية «أنت عمرى» والتى قدمت إعلاميًا بأنها «لقاء السحاب».
 
فتحت أم كلثوم حوارًا سياسيًا مع الأستاذ محمد حسنين هيكل، حول أحداث الساعة وتطورات الموقف فى المنطقة، ووقفت أم كلثوم لأول مرة فى موقع الصحفى، ووجهت أسئلتها إلى هيكل حول مؤتمر القمة العربية فى الرباط، وعن دور الأمم المتحدة فى أزمة الشرق الأوسط، وقد جرى الحوار بدون إعداد سابق وكانت أم كلثوم توجه أسئلتها، وكان هيكل يجيب مباشرة، وقد قالت أم كلثوم بعد انتهاء الحوار: إن هيكل كان واضحًا وصريحًا كعادته دائمًا.
 
فى مقال لها نشر فى مجلة الكواكب، صنفت سومة جمهورها وقسمته إلى عدة أنواع، فكان بينهم الرومبو وهو الشخص الرقيق جدًا، الذى ما تكاد تبدأ الأغنية حتى يضع يده على خده، ثم يستمع فى شرود عميق، وبين كل مقطع وآخر يرتفع صدره وينخفض فى تنهيدة تعبر عن مبلغ أساه، وهناك العاطفية وهى إنسانة تراها تجلس فى مقعدها قبل أن تبدأ فى الغناء وقد راحت تصلح توالت وجهها، وبعد قليل تجدها أثناء الأغنية تخرج منديلًا لتجفف دموعها، وهناك العصبى وهو المستمع الذى كثيرًا ما كان يضحك سومة بتصرفاته، فهو عادة هادئًا جدا قبل أن تغنى، ثم يطرب فتهتاج أعصابه ويصيح بين كل مقطع وآخر بكلمات «أعد» و«كمان يا ست»، وهناك المهرج وهو المتستمع الذى ينفرد بأسلوبه الغريب فى إبداء الإعجاب، فهو لا يصفق بيديه بل يأتى بقطعة خشب ليدق بها على الأرض أو على المقعد كلما انتشى طربًا، وهو لا يقول «أعد» بل يطلق «زغرودة» طويلة تثير الضحك فى جنبات المسرح.
 
فى مقالة أخرى نشرت بجريدة الأهرام فى أكتوبر 1959، قالت أم كلثوم: «إن فن الباليه، لابد أن يتجه نحو قصصنا، فالباليه يعتمد على القصص المستمدة من الأساطير والتاريخ ومن الماضى والحاضر، ومستقبل فن الباليه عندنا يجب أن يعتمد على حياتنا، وعلى تاريخنا، وألا نعيش على غيرنا، ولا نقلد سوانا، وإلا كان الباليه العربى اسمًا لا فعلًا». وعن التلحين قالت سومة: «يدفعنى الحديث عن التوزيع الموسيقى إلى القول بأن بلادنا الوحيدة الشاذة التى يعتمد فيها الملحنون على غيرهم عندما يوزعون ألحانهم، فى الغرب يعتمد كل ملحن على نفسه فى توزيع ألحانه، لأن العلم قد فتح له أبواب الموسيقى، فليس أقدر على الملحن من نفسه على التوزيع الموسيقى لإنتاجه.
 
فى مقال لأم كلثوم بمجلة «صباح الخير» قالت سومة: «إن الغناء المسرحى فى مصر، لم يكن أوبرا ولا أوبريت ولا غناء مسرحى بالمعنى المفهوم، كان مجرد أغان فوق المسرح، لا تنسجم مع القصة المسرحية، بل هى تقطع سياق القصة وتقف المغنية أو المغنى ليؤديا دورهما.. ولم أكن أرضى عن هذا الأسلوب، فإما أن تكون لدينا أوبرا وأوبريت بطريقة فنية سليمة، أو أمتنع عن الظهور على المسرح لأغنى خلال مسرحية أعتقد أن الغناء لا يتفق معها».
 
p.6
 

 

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

ناشئات الطائرة أمام ألمانيا فى بطولة العالم

المصرى يستأنف تدريباته بعد انتهاء راحة الـ24 ساعة

تريلا تحطم وتدهس 7 سيارات على الطريق الدائرى بالمعادى.. صور

دليل الناخب.. كل ما تحتاج معرفته عن إجراءات التصويت فى الانتخابات

التحقيقات: دجال الإسكندرية أوهم ضحاياه بعلاجهم روحانيا


3 يوليو.. ذكرى سقوط أعداء الوطن وبداية مرحلة جديدة عنوانها "الوطن فوق الجماعة والمواطن قبل التنظيم".. بيان القوات المسلحة أسقط مشروع الجماعة الذى استبدل الوطنية بالولاء للتنظيم وأسدل الستار على عام من الفشل

حر لا يُطاق.. الأرصاد تحذر: طقس شديد الحرارة اليوم الخميس 3 يوليو 2025

‏محمد شريف يوقع للأهلى لمدة 5 سنين رسميا

تحذير عاجل من الأرصاد بسبب الرطوبة: تجنبوا الأماكن المغلقة سيئة التهوية

بعد حسم البرلمان.. كيف يتم إخلاء الايجار خلال 7 سنوات للسكنى و5 لغير السكنى؟


الزمالك أبرزهم.. 3 أندية ترغب في ضم دغموم بعد انتهاء عقده مع المصري

5 لاعبين من الهلال مهددون بالغياب عن نصف نهائى كأس العالم للأندية

بعد جدل حذف أغانى أحمد عامر.. هل الغناء حلال أم حرام؟.. الدكتور على جمعة: لا يوجد حكم مطلق وهناك موسيقى تهذب الروح.. الشيخان محمد الغزالى وعبد الحليم محمود يفتيان ياسمين الخيام.. وهذا ما قاله الشعراوى لـ شادية

تشيلسى فى صدارة المرشحين للتتويج بمونديال الأندية 2025 متفوقا على سان جيرمان

المعاينة فى حادث الطريق الإقليمي: انفجار الإطار واختلال عجلة القيادة بيد السائق

تعرف على أرباح أندية ربع نهائى كأس العالم للأندية 2025

أحمد وأحمد.. السقا وفهمى ثنائية ممتعة جمعت بين الأكشن والكوميديا

مروان عطية يترقب إجراء جراحة الفتاق للحاق ببداية الموسم الجديد

اعتقال يوسف بلايلى نجم الترجى فى مطار شارل ديجول.. فيديو

النص الكامل لقانون الإيجار القديم بعد موافقة مجلس النواب

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى