ترامب وإيران.. الصراع على طريقة هوليوود (1)

حازم حسين
حازم حسين
حازم حسين
تراصَّت الطائرات والقطع البحرية، وحُشِد الجنود، ورفعت منصَّات الصواريخ رؤوسَها، كأنها تتأهَّب للاشتباك. كُلّ التفاصيل تشى بأن دقّات الطبول تتصاعد، ورُبّما تُوشك الحرب أن تضع أوزارها، بينما تتحوَّل مياه الخليج زيتًا وبارودًا، وتتبارى طهران وواشنطن فى قَدح زناديهما، وإطلاق الشرارة المُقدَّسة لإشعال المنطقة!
 
يبدو المشهد ساخنًا إلى الذروة. زادت الولايات المتحدة حزمة عقوباتها بحقّ طهران، وردَّت الأخيرة بتعليق التزاماتها بمُوجب الاتفاق النووى، ومُضاعفة تخصيب اليورانيوم 400%. حشدت الأولى جُندَها وعَتادَها، وردَّت الثانية بدوريَّات بحريّة وصواريخ على زوارق وإطلاق لأذرعها فى اليمن وسوريا والعراق. أصبحت أسباب الحرب حاضرة، وتجهيزاتها مُكتملة، ولا تحتاج إلا رصاصة أولى.. لكنّها رغم ذلك قد لا تندلع أبدًا!
 
بدأ مسار التصعيد فى مايو الماضى، عندما قرَّر الرئيس الأمريكى إنهاء ربيع فارسى امتدّ ثلاث سنوات، بتوقيع إدارة أوباما، وخلفها أربع دول كبرى، اتفاقًا نوويًّا مع إيران، تتحرَّر الأخيرة بموجبه من العقوبات الاقتصادية والقيود المفروضة على السوق المصرفية وصادرات النفط والمعادن، مُقابل التزامها بعدّة اشتراطات فنية فى برنامجها النووى، أبرزها تقليص أجهزة الطرد المركزى بنسبة 75%، والهبوط بمستوى تخصيب اليورانيوم من 20 إلى 3.6%، مع تقليص الكميات المنتجة من 15 طنًّا إلى 300 كيلو جرام.
 
لم تتصوَّر طهران وقتها أن خروج «ترامب» على أجندة الإدارة الديمقراطية التى ورثها ليس نهاية المطاف، وإنما مُقدّمة لموجات تصعيد تُخفى وراءها أهدافًا عدّة، سيخوض البيت الأبيض السباق باتجاه تحقيقها، واضعًا نصب عينيه تحصيل أكبر قدرٍ منها، وراضيًا فى الوقت نفسه بفقدان قدرٍ آخر، لكنه أيًّا كانت الاحتمالات، ومستويات الربح التى يُمكن الوصول إليها، فلن يُغامر بالتورُّط فى عملية عسكريّة تُطيح بما يتطلَّع إليه، وتطال نيرانها ما يملكه بالأساس، أو يُحقّقه من عوائد يتكبّدها شركاؤه فى المنطقة!
 
رغم يمينيّة الرئيس الأمريكى، وموقفه الحادّ من سياسات «أوباما» المُتساهِلة مع إيران وقوى اليمين الدينى، فإنه فى أسوأ الفروض يظلّ فى مساحة وُسطى بين حِدّة الجمهوريين ورماديّة الديمقراطيّين. لا يسعى إلى الحرب كخيارٍ أوّل، ولا يُسلِّم للخصوم بالتمدُّد وتحصيل المكاسب دون تَحمُّل الأعباء. الأقرب للواقع أن «ترامب» جُمهورىّ هذَّبت التجارة حِدَّته، أو ديمقراطى شَحذت الأرباح أظافره، فأصبح يُدير أمور السياسة بذهنيّة رجل الاقتصاد، ويُدير التجارة بسطوة السلاح وتوازنات القوى.. وفى الحالين يبدو المشهد مصنوعًا وفق حسابات دقيقة، ومعايير غير قابلة للخَرق، وكأنّه لقطة فى فيلم على طريقة هوليوود!
 
يعمل «ترامب» كما لو كان فى مهمّة لإصلاح عَطبٍ موروث، ومداواة اختلالات قديمة. والحقيقة أن بداية الخلل كانت فى توقيع «أوباما» اتفاقه النووى مع إيران فى ربيع العام 2015، بينما كان يستعدّ لمغادرة البيت الأبيض خلال ثمانية عشر شهرًا، لذا كان الأوفق ألا يُبرم اتفاقًا بهذا الحجم والتأثير، ويُلزم إدارة أمريكية جديدة بمواقف مُسبقة التجهيز تجاه طهران. أما عن آثار التوقيع فى هذا التوقيت بالتحديد، فقد سمح للنظام الإيرانى بمواصلة مشروعه النووى والصاروخى طوال 4 سنوات، بقدر من الهدوء والأريحيّة، استغلالاً للشهور الأخيرة فى إدارة «أوباما»، ثم شهور «ترامب» الأولى، التى استهلكها فى ترتيب الأوراق وفهم الملفّات المفتوحة!
 
ما تُمارسه الإدارة الأمريكية الآن من تصعيد محسوبٍ تجاه إيران، وتوزيعٍ للأدوار بين «ترامب» وكبار معاونيه، بمثابة محاولة لتدارك آثار السنوات الأربع الفائتة، أو تكبيد طهران خسائر تُعادل ما حقَّقته من مكاسب طوال تلك الفترة، إمَّا لحصار مشروعها النووى والباليستى مَنعًا لتطوّره، أو حرمانه من الوفرة المالية التى يُمكن أن تضمن له تطوّرًا مُتسارعًا فى وقت قياسى.. المفارقة أن البيت الأبيض لا يُخفى أهدافه، ويخوض اللعبة بوجهٍ مكشوف لا يُداريه قناع، مُعلنًا منذ اللحظة الأولى أنه لا يريد الحرب ولا يسعى إليها!
 
يتحدّث دونالد ترامب ورجاله عن الحرب بين وقت وآخر، يُلوّحون بالقوة، ويُهدِّدون إيران بدوّامة من الدمار غير المُحتمل لبلدٍ يُواجه أزمة اقتصادية وغضبًا شعبيًّا داخليًّا، لكنهم فى الوقت نفسه يُتبِعون كل تهديد بتهدئة، وكلَّ توعّد بالحرب بتأكيد مُغلَّظ أنها ليست خيارًا مطروحًا.. المشهد بكامله يبدو مشهدًا هوليووديًّا، تحتشد فيه الأسلحة والمقاتلون فى فريقين مُتواجهين، بينما لا يتجاوز الأمر تلك الصورة المحسوبة بصريًّا، وحتى لو انطلق الرصاص، سيظلّ الأمر تمثيلاً، وسيعود المُمثّلون جميعًا إلى بيوتهم سالمين!
 
المؤكَّد- رغم موجات التصعيد الكلامية- أن إيران لا تريد الذهاب إلى الحرب، ولا تملك ما يكفى لسداد فاتورتها، والأمر نفسه على المحور الأمريكى، سينحاز «ترامب» لأىّ خيار إلا الاشتباك العسكرى، ولو كان هناك 1000 احتمال تقود كلها إلى الحرب، سيخترع سيد البيت الأبيض احتمالات جديدة للهروب، فوفق كل الحسابات الاقتصادية والسياسية، تتحقَّق مصالح الرئيس الأمريكى باحتواء إيران، أو الإبقاء على التوتّر المحسوب فى حدّه الصوتى.. الذهاب إلى المعركة يُكبّده خسائر فادحة فى النفط والتجارة وسعر الدولار والولاية الثانية، أما الإبقاء على الجمرة مُتّقدةً تحت الرماد فإنه يُحقِّق أرباحًا ضخمة، ويضع الفيلم الهوليوودى فى صدارة شباك التذاكر! 
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

القانون ينظم ضوابط فحص الطلبات بعد غلق باب الترشح بانتخابات الشيوخ

اتحاد الكرة يستقر على إقامة السوبر المصري بمشاركة 4 فرق

بالأرقام.. مودريتش يودع ريال مدريد بعد مسيرة أسطورية

باراك: واشنطن لا تدعم إنشاء دولة لـ"قسد" فى سوريا

غادة عبد الرازق تكشف عن تعرضها للإصابة وتجلس على كرسى متحرك


انفجارات عنيفة تدوي في مدينة جبلة السورية

طلاب الهندسة الحيوية بالإسكندرية ينجحون فى تصميم ذراع روبوت بـ6 درجات حرية.. "6-DOF" يُستخدم كمساعد لأطباء الجراحة فى المستشفيات.. تنفيذه يكلف نحو 22 ألف جنيه.. وأعضاء هيئة التدريس يشيدون بالمشروع.. صور

مانشستر سيتي: هالاند يستمع إلى ألبوم عمرو دياب الجديد

تسونامى المخدرات يهدد أمريكا اللاتينية.. الكوكايين ينتشر فى البرازيل ويضرب 11 مليون متعاطى.. السباق التكنولوجى للتجار فى كولومبيا يؤجج المخاوف.. "مخدر الزومبى" يثير الرعب فى المكسيك.. والفنتانيل ينتشر فى تشيلى

هل سيتم تخفيض تنسيق الثانوي العام بالقاهرة ؟.. اعرف التفاصيل


موعد مباراة تشيلسي ضد بي إس جي فى نهائى كأس العالم للأندية 2025

السيطرة على حريق مصنع منظفات وكيماويات مدينة بدر وبدء عمليات التبريد

عداد صفقات الميركاتو الصيفى.. الأهلى الأكثر حضورا والزمالك وبيراميدز "اختفاء"

25 سيارة إطفاء تكافح حريق مصنع منظفات وكيماويات مدينة بدر

الأسترالي علي رضا فغاني حكما لنهائي كأس العالم للأندية

الهيئة الوطنية تنشر آلية استعلام المواطنين عن مقر اللجان بانتخابات مجلس الشيوخ

وادى دجلة يهزم غزل المحلة 3 - 0 وديا استعدادا للموسم الجديد

محمد ثروت يهنئ ابنته داليا بعد حصولها على درجة الماجستير من بريطانيا

سر تجدد اشتعال النيران في سنترال رمسيس.. مدير الحماية المدنية الأسبق يوضح

أحمد الرافعى يستعد لتصوير دوره فى حكاية ديجافو بهذا الموعد

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى