آخر ضِباع الأناضول (4/ 1)

حازم حسين
حازم حسين
بقلم: حازم حسين
«مساجدُنا ثكناتُنا/ قِبابُنا خوذاتُنا/ مآذننا حِرابُنا/ والمُصلّون جنودنا/ هذا الجيش المُقدَّس يحرس ديننا».. بهذا المقطع الشعرى افتتح رجب طيب أردوغان أحد المؤتمرات الجماهيرية خلال العام 1998، إبان توليه رئاسة بلدية إسطنبول، وبسببه عُزل من منصبه، وقضى عدّة شهور فى السجن، ومن تلك المحطة بدأت رحلة المناورة.
 
فتىً فقير وُلد فى إسطنبول شتاء العام 1954، يحكى لاحقًا عن نفسه أنه اضطُرَّ لبيع البطيخ و«السميد»، لمساعدة والده، لا أحد يعرف مدى صدقه، لكنَّ مهنة أبيه كجندىٍّ فى خفر السواحل، وحياته بين محافظتى «ريزة» وإسطنبول بمستواهما الاقتصادى المرتفع، ولعبَه كُرة القدم بشكل شبه احترافىّ لصالح نادى «قاسم باشا»، وتخرُّجه فى جامعة مرمرة، ثم انخراطه فى العمل السياسى بشكل مُبكِّر، كُلّها أمور قد تدحض رواية المعاناة المُبكِّرة، وربما لا تختلف عن مسار الدراما المُرتبكة لدى «أردوغان»، والمُتراوحة دائمًا بين الشىء ونقيضه.
 
هكذا يمضى الرئيس التركى ويُناور طوال الوقت، بخطاب يتلمَّس شعارات المدنية والتحضُّر، فى الوقت الذى يفخر فيه بتاريخ الدولة العثمانية المرسوم بالدَّم والجماجم، ويُناضل فى سبيل إنكار مذابح الباب العالى فى مصر والعراق والشام وأرمينيا وشبه الجزيرة العربية. يدّعى أنه يقود نظامًا علمانيًّا ينخرط فى مُعادلة دولية قائمة على احترام القانون والأُطر الشرعية، بينما يتدفَّق بكامل طاقته وإمكاناته فى شرايين اليمين الدينى وتيارات العُنف المُسلَّح، مُخلصًا للمقطع الشعرى الذى ردّده فى مفتتح ترقِّيه السياسى، أكثر من إخلاصه لتركيا وشعبها!
 
مُنذ اللحظة الأولى لدخوله عالم السياسية، أفصح الشاب «أردوغان» عن ميل إسلامى واضح، فى بلد يعتمد العلمانية قيمة فوق دستورية حاكمة للمجال العام، منذ أسَّس مصطفى كمال أتاتورك تركيا الحديثة بثورته الإصلاحية بدءا من نوفمبر 1922، وغسل وجه البلد العجوز من أوحال الدولة العثمانية وما جنته على نفسها والعالم بالشعارات الدينية، لهذا كان طبيعيًّا أن يرتمى السياسى الناشئ فى أحضان «أربكان». 
 
مسار طويل قطعه الإسلاميون منذ عشرينيات القرن الماضى، لاختراق جدران الأتاتوركيّة المُخلصة للعلمانيّة، لكن نجم الدين أربكان أول من نجح فى هذا الاختراق، أسَّس حزب «الخلاص الوطنى» وانضمّ له أردوغان، وسرعان ما استعاد الجيش التركى دفّة الأمر بانقلاب كنعان إيفرين وتجميد الحياة السياسية فى 1980. ثلاث سنوات وعادت الحياة للأحزاب، فعاد «أربكان» مرة ثانية بحزب «الرفاه الإسلامى»، ومن خلاله وصل أردوغان لمنصب عُمدة إسطنبول فى العام 1994، قبل أن يُعزل منه بعد أربع سنوات بتهمة التحريض على الكراهية الدينية.
 
مأزق «أردوغان» المُبكِّر كان درسًا قاسيًا، وربما كان حافزًا لتنشيط طاقات المناورة لدى السياسى البراجماتى، الذى أخفى تلك البراجماتية خلف وجه إسلامى مُحافظ، سيتَّضح لاحقًا أنه لم يكن أكثر من خطوة على طريق المناورة الشخصية، لتأسيس قاعدة سياسية يُمكن توظيفها لاحقًا كرافعة لطموحات الرجل وتطلُّعاته.
 
كعادة تجارب «أربكان» المصطدمة بالدولة العلمانية، تعرّض حزب «الرفاه» للتجميد، فانتقل برجاله وتابعيه إلى حزب «الفضيلة»، الذى تعرض بدوره للتجميد فى وقت لاحق، فانشقّ «أردوغان» ومعه عبدالله جول، وخرجا ساحِبَين خلفهما مئات من تلاميذ أربكان وكوادره، أسَّس المُنشقّون حزب «العدالة والتنمية» فى العام 2001، وأسَّس «أربكان» بمن تبقّوا من الكوادر المُخلصة له، أو المُتشكِّكة فى أردوغان وصديقه، حزب «السعادة»، الإسلامى أيضًا.
 
فى أول ظهور للوجه البراجماتى. قال «أردوغان» إن حزبه الوليد سيُحافظ على أُسس النظام الجمهورى، ولن يدخل فى مُماحكات مع الجيش التركى، وحاول أن يكون أكثر طمأنة لحُرَّاس العلمانية الأتاتوركيَّة، فقال وقتها: «سنتبع سياسة واضحة ونشطة، من أجل الوصول إلى الهدف الذى رسمه كمال أتاتورك، لإقامة المجتمع المُتحضِّر والمعاصر».. ترشَّح «العدالة والتنمية» وفاز بـ363 مقعدًا فى انتخابات 2003، وكان صعبًا على «أردوغان» تشكيل الحكومة بسبب تبعات الحكم القضائى ضدّه، فترك المنصب لصديقه المُقرَّب عبدالله جول عدّة شهور، ومع سقوط الحكم تولَّى رئاسة الحكومة، وبقى فيها 11 سنة وخمسة شهور، قبل أن يلعب لعبة التبديل مع «جول» مرّة ثانية، ويقفز مكانه على كرسىّ الرئاسة.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

موضوعات متعلقة

آخر ضِباع الأناضول (4 /4)

آخر ضِباع الأناضول (4 /4) الجمعة، 10 مايو 2019 03:00 م

آخر ضِباع الأناضول (4/ 3)

آخر ضِباع الأناضول (4/ 3) الخميس، 09 مايو 2019 03:00 م

آخر ضِباع الأناضول (4/ 2)

آخر ضِباع الأناضول (4/ 2) الأربعاء، 08 مايو 2019 06:59 ص

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

بدء مؤتمر الهيئة الوطنية لإطلاع الرأي العام على أحداث أول أيام إعادة المرحلة الثانية بانتخابات النواب

الأهلى يتوج بلقب أفريقيا لسيدات السلة بعد الفوز على فيروفيارو الموزمبيقى

عمر متولى ينعى والدته ويطالب الجمهور بالدعاء لها

صور نادرة لـ إيمان شقيقة الزعيم عادل إمام وأرملة الراحل مصطفى متولى

7 معلومات عن شقيقة عادل إمام أرملة مصطفى متولى


نقابة الصحفيين تطالب بعدم تصوير جنازة أو عزاء شقيقة عادل إمام احتراما لرغبة الأسرة

ترامب يشيد بالبطل الأسترالي أحمد الأحمد: أنقذ أرواحا كثيرة في هجوم سيدني

عصام إمام لـ اليوم السابع باكيا: موعد جنازة شقيقتى لم تحدد وادعوا لها

السلاح الناري يعيد قضية شاكر محظور للتحقيق قبل إحالتها

وفاة شقيقة الزعيم عادل إمام أرملة الراحل مصطفى متولى


تحذير عاجل.. نوة الفيضة الصغرى تضرب الإسكندرية غدا والأمواج ترتفع 3 أمتار

أحمد الأحمد المسلم بطل اليوم في أستراليا بعد تصديه للهجوم الإرهابى.. فيديو

نتيجة كلية الشرطة كاملة لعام 2025/ 2026 ثانوية عامة ومتخصصين.. فيديو

كل ما تريد معرفته عن قتل وإصابة 42 شخصا بهجوم استهدف عيد حانوكا بأستراليا

جنايات المنصورة تحيل أوراق عربي الجنسية للمفتي لقتله صديقه وقطع جزء من جسده

الطقس غدا.. انخفاض بالحرارة وأمطار وشبورة والصغري بالقاهرة 13 درجة

نتيجة كلية الشرطة 2026 كاملة لجميع التخصصات.. بالأرقام

سعد الصغير ينتقد غياب المطربين عن عزاء أحمد صلاح: مهنتنا مناظر أمام الكاميرات

قبول 1550 طالبًا من خريجي الحقوق بأكاديمية الشرطة

اعرف الرابط الرسمى للاستعلام عن نتائج اختبارات كلية الشرطة

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى