سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 9 مايو 1950.. وفاة الشيخ محمد رفعت بعد سبع سنوات على ليلة البكاء والحزن لاحتباس صوته أثناء تجويده للقرآن الكريم

الشيخ محمد رفعت
الشيخ محمد رفعت
ضج الحاضرون فى المسجد بالبكاء، ولطم بعضهم الخدود حزنًا وأسفًا.. كان الحدث جللًا، لا يصدقه أحد، ووقع فى عام 1943، وبطله هو مقرئ القرآن الكريم الشيخ محمد رفعت الذى يصفه الكاتب محمود السعدنى، فى كتابه «ألحان السماء»: «فريدًا غريبًا، باهرًا، وسر غرابته أنه استمد طبيعته من جذورالأرض.. صوت الشعب.. فمن أصوات الشحاذين والمداحين والندابين والباعة الجائلين، استمد صوته فخرج مشحونا بالأمل والألم، مرتعشا بالخوف والقلق، عنيفا.. عنف المعارك التى خاضها الشعب، عريضا عرض الحياة التى يتمناها».
 
«هو خير من رتل القرآن وخير من تلاه فى زماننا وإلى أن يشاء الله، كان هذا هو رأى الشيخ المراغى شيخ الأزهر الأسبق فى الشيخ محمد رفعت قيثارة السماء الذى ولد بحى المغربلين بالقاهرة فى مايو عام‏1882»،حسبما تذكر سناء البيسى فى مقالها «محمد رفعت قيثارة السماء - الأهرام 21 فبراير 2009».. أما الدكتور نبيل حنفى محمود فيراه فى كتابه «نجوم العصر الذهبى لدولة التلاوة»، صاحب أوجه إعجاز كثيرة فى تلاوة القرآن الكريم، «ولكنه يمكن القول بأن الأهم بل والنادر من تلك الأوجه يتبلور فى وجهين.. أولهما فى نفاسة الصوت، بينما يجىء ثانيهما من فهم الشيخ لما يقرأ من آيات الذكر الحكيم».
 
كان الكاتب والناقد والمؤرخ الفنى كمال النجمى واحدا من شهود «الحدث الجلل»، ويرويه فى كتابه «أصوات وألحان عربية»، قائلًا: «كان يتلو سورة الكهف فى مسجد «فاضل باشا» يوم الجمعة كعادته منذ 30 عامًا، فلما بلغ الآية «واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا»، غص صوته واحتبس فى كلمتين أو ثلاث، فسكت قليلًا يقاوم ما ورد عليه من الغصة والاحتباس، ثم عاد يتلو تلاوة متقطعة حتى ملأت الغصة حلقه وحبست صوته تمامًا، هنا حنى الشيخ العظيم رأسه جريح القلب لا يدرى ماذا يصنع، ثم أخرج من جيبه زجاجة صغيرة فيها سائل أحمر يبدو أنه دواء أحضره له بعض الصيادلة، فاحتسى قليلًا ثم انتظر برهة وعاد يحاول التلاوة، فأطاعه صوته فى آيتين أو ثلاث، ثم قهرته الغصة وكسرت شوكة الدواء الأحمر، فتوقف الشيخ العظيم حائرًا بعض الوقت ثم غادر مجلسه تاركًا إياه لشيخ آخر يتلو ما تيسر من السور. كانت لحظة قاسية عنيفة اهتزت لها أعصاب الحاضرين فى المسجد فضجوا بالبكاء ولطم بعضهم الخدود حزنًا وأسفًا، وارتفع صراخ المقرئين الشبان الذين كانوا يلتفون حول الشيخ العظيم كل جمعة يحاولون أن يتلقنوا بعض أسرار صناعته وفنه وطريقته، وبعد الصلاة خرج الناس وعيونهم فيها الدموع، وقلوبهم تحف بالشيخ الحزين، لايدرون أيواسونه أم يواسون أنفسهم؟».
 
احتبس صوت «رفعت»، «بمرض الفواق بعد سنوات عمت شهرته البلاد وطبقت الآفاق»، حسبما يذكر «حنفى»، مؤكدًا: «رفعه حب الناس والتفافهم حول صوته ليصبح القارئ الأول فى مصر.. وانطلق يتلو عند افتتاح محطة الإذاعة الحكومية فى 31 مايو 1934 ما يتيسر له من سورة «الفتح»، فكان بذلك أول من تلا القرآن فى تاريخ الإذاعة الحكومية».. يضيف «حنفى».
 
«كان مرضه ابتلاء أكبر مما ابتلى به الشيخ بفقده بصره».. و«اشتد عليه وتقبله راضيًا، وأبت عليه عزة نفسه أن يمد يده لأحد طالبًا العون فى مصاريف العلاج الباهظة»، وفقًا للكاتب الصحفى أيمن الحكيم فى مقاله «المتحدث باسم الله–رسائل العشاق»، «الدستور 19 سبتمبر 2018»، مضيفا: «باع بيته وقطعة أرض يملكها ولم يقبل التبرعات التى جمعها المحبون له ووصلت إلى ٢٠ ألف جنيه، وبضغط وإلحاح تلميذه وصديقه الشيخ أبوالعينين شعيشع وافق على قبول المعاش الشهرى الذى خصصه له وزير الأوقاف الدسوقى باشا أباظة، وقبل وفاته بأقل من عام، وفى يوليو ١٩٤٩نشرت مجلة «المصور» تحقيقين عن مرض الشيخ ومعاناته، فتبنى الكاتب الصحفى أحمد الصاوى محمد، حملة لعلاج الشيخ من خلال اكتتاب شعبى، ونجح فى جمع ٥٠ ألف جنيه، ولما علم الشيخ كتب إليه: «أنا مستور والحمد لله ولست فى حاجة إلى هذه التبرعات، والأطباء يعالجوننى ولكنهم لم يستطيعوا وقف هذا المرض ومنعه، كما أن هذه المبالغ أصحابها أولى بها منى، فهم الفقراء والمحبون لصوتى حقا، لكنى الحمد لله لست فى حاجة إلى هذا المال، لأن الشيخ رفعت غنى بكتاب الله ولا تجوز عليه الصدقة، وأعتذر عن عدم قبول هذه التبرعات، ومرضى بيد الله سبحانه وتعالى وهو القادر على شفائى، وإنى أشكر الأستاذ الصاوى وأشكر كل من أسهم فى هذه التبرعات على روحهم الطيبة وحبهم لى».
 
يضيف الحكيم: «بعد ١٠ أشهر رحل فى ٩ مايو- مثل هذا اليوم-١٩٥٠، اليوم نفسه الذى ولد فيه سنة 1882، الفارق فقط أنه ولد لحظة أذان الظهر ومات لحظة أذان الفجر».. وينقل «حنفى» عن الأهرام فى عددها 10 مايو 1950: «كان آخر مانطق به لسانه قبل أن يلقى وجه ربه: الحمد لله.. «وفى اليوم التالى ظهرت الصحف تتحدث عن الشيخ، فماذا قالت؟».
 
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

رئيس البرازيل يقترح إنشاء عملة تجارية بديلة للدولار خلال قمة بريكس

عودة حركة القطارات على خط القاهرة ـ الإسكندرية عقب إعادة العربات لمسارها

الأجواء شديدة الحرارة.. تفاصيل حالة الطقس والظواهر الجوية المتوقعة اليوم

شلبي والزناري ونيمار مقابل أحمد ربيع.. الزمالك ينهي اتفاقه مع البنك الأهلي

غادة عادل بعد خضوعها لعملية شد وجه.. ماذا تغير فى شكلها قبل وبعد؟


الإسماعيلى يعدل موعد اختبارات الناشئين.. اعرف التفاصيل

استشهاد 3 فلسطينيين إثر قصف الاحتلال الإسرائيلى خان يونس

الطرق البديلة قبل غلق الطريق الإقليمى لتنفيذ أعمال إصلاحات لمدة 7 أيام

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 7يوليو 1977 العثور على الشيخ الذهبى وزير الأوقاف السابق مقتولا برصاصة فى عينه اليسرى من خاطفيه الإرهابيين أعضاء «التكفير والهجرة»

المديريات التعليمية: بدء التقديم على تنسيق الثانوى العام عبر هذا الرابط


الخارجية الفلسطينية ترحب بما تضمنه بيان قمة "بريكس" بشأن القضية الفلسطينية

وزير العمل يعلن 178 فرصة عمل فى الإمارات براتب 1800 درهم شهريا

الأهلي يستعجل كريم نيدفيد لتحديد وجهته بالموسم الجديد

الإسماعيلي يفتح اليوم باب الترشح على المقاعد الشاغرة بمجلس الإدارة

الإمارات: لا صحة لمنح الإقامة الذهبية للمستثمرين فى العملات الرقمية

البنك الأهلي يخوض سلسلة وديات في المرحلة الثانية من الإعداد بالإسكندرية

أساطير ارتدوا قميصي ريال مدريد وباريس سان جيرمان قبل موقعة مونديال الأندية

تشكيل منتخب الولايات المتحدة ضد المكسيك فى نهائى الكأس الذهبية

اعترافات المتهمين بالتنقيب عن الآثار بحثا عن الثراء فى بولاق الدكرور

136 ألف مشجع إجمالى جماهير مباريات الأهلى فى كأس العالم للأندية

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى