تفسير القرآن.. ما قاله الإمام القرطبى فى "يكاد البرق يخطف أبصارهم"

قرآن كريم
قرآن كريم
كتب أحمد إبراهيم الشريف
نواصل اليوم الوقوف مع كلام الإمام القرطبى فى تفسيره المعروف بـ"الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآى الفرقان"، ونقرأ ما قاله فى تفسير سورة البقرة فى الآية العشرين "يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ".
 
يكاد البرق يخطف أبصارهم
 
قوله تعالى: (يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ) ... (يَكادُ) معناه يقارب، يقال: كاد يفعل كذا إذا قارب ولم يفعل. ويجوز فى غير القرآن: يكاد أن يفعل، كما قال رؤبة:
 
قد كاد من طول البلى أن يمصحا
 
مشتق من المصح وهو الدرس. والأجود أن تكون بغير أن، لأنها لمقاربة الحال، وأن تصرف الكلام إلى الاستقبال، وهذا متناف، قال الله عز وجل: (يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ) [النور: 43]. ومن كلام العرب: كاد النعام يطير، وكاد العروس يكون أميرا، لقربهما من تلك الحال. وكاد فعل متصرف على فعل يفعل. وقد جاء خبره بالاسم وهو قليل، قال: وما كدت آئبا. ويجرى مجرى كاد كرب وجعل وقارب وطفق، فى كون خبرها بغير أن، قال الله عز وجل: (وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) [الأعراف: 22] لأنها كلها بمعنى الحال والمقاربة، والحال لا يكون معها أن، فأعلم.
 
قوله تعالى: (يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ) الخطف: الأخذ بسرعة، ومنه سمى الطير خطافا لسرعته. فمن جعل القرآن مثلا للتخويف فالمعنى أن خوفهم مما ينزل بهم يكاد يذهب أبصارهم. ومن جعله مثلا للبيان الذى فى القرآن فالمعنى أنهم جاءهم من البيان ما بهرهم. ويخطف ويخطف لغتان قرئ بهما. وقد خطفه بالكسر يخطفه خطفا، وهى اللغة الجيدة، واللغة الأخرى حكاها الأخفش: خطف يخطف. الجوهري: وهى قليلة رديئة لا تكاد تعرف. وقد قرأ بها يونس فى قوله تعالى: (يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ) وقال النحاس: في: (يَخْطَفُ) سبعة أوجه، القراءة الفصيحة: يَخْطَفُ. وقرأ على بن الحسين ويحيى بن وثاب: يخطف بكسر الطاء، قال سعيد الأخفش: هى لغة. وقرأ الحسن وقتادة وعاصم الجحدرى وأبو رجاء العطاردى بفتح الياء وكسر الخاء والطاء. وروى عن الحسن أيضا أنه قرأ بفتح الخاء. قال الفراء: وقرأ بعض أهل المدينة بإسكان الخاء وتشديد الطاء. قال الكسائى والأخفش والفراء: يجوز (يخطف) بكسر الياء والخاء والطاء. فهذه ستة أوجه موافقة للخط.
 
والسابعة حكاها عبد الوارث قال: رأيت فى مصحف أبى بن كعب (يتخطف) ، وزعم سيبويه والكسائى أن من قرأ (يخطف) بكسر الخاء والطاء فالأصل عنده يختطف، ثم أدغم التاء فى الطاء فالتقى ساكنان فكسرت الخاء لالتقاء الساكنين. قال سيبويه: ومن فتح الخاء ألقى حركة التاء عليها.
 
وقال الكسائي: ومن كسر الياء فلان الألف فى اختطف مكسورة. فأما ما حكاه الفراء عن أهل المدينة من إسكان الخاء والإدغام فلا يعرف ولا يجوز، لأنه جمع بين ساكنين. قال النحاس وغيره.
 
قلت: وروى عن الحسن أيضا وأبى رجاء (يخطف) . قال ابن مجاهد: وأظنه غلطا، واستدل على ذلك بأن (خَطِفَ الْخَطْفَةَ) لم يقرأه أحد بالفتح. (أَبْصارَهُمْ) جمع بصر، وهى حاسة الرؤية. والمعنى: تكاد حجج القرآن وبراهينه الساطعة تبهرهم. ومن جعل (البرق) مثلا للتخويف فالمعنى أن خوفهم مما ينزل بهم يكاد يذهب أبصارهم.
 
قوله تعالى: (كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ) ... (كُلَّما) منصوب لأنه ظرف. وإذا كان (كُلَّما) بمعنى إذا فهى موصولة والعامل فيه (مَشَوْا) وهو جوابه، ولا يعمل فيه (أَضاءَ) ، لأنه فى صلة ما. والمفعول فى قول المبرد محذوف، التقدير عنده: كلما أضاء لهم البرق الطريق.
 
وقيل: يجوز أن يكون فعل وأفعل بمعنى، كسكت وأسكت، فيكون أضاء وضاء سواء فلا يحتاج إلى تقدير حذف مفعول. قال الفراء: يقال ضاء وأضاء، وقد تقدم. والمعنى أنهم كلما سمعوا القرآن وظهرت لهم الحجج أنسوا ومشوا معه، فإذا نزل من القرآن ما يعمون فيه ويضلون به أو يكلفونه (قامُوا) أى ثبتوا على نفاقهم، عن ابن عباس.
 
وقيل: المعنى كلما صلحت أحوالهم فى زروعهم ومواشيهم وتوالت النعم قالوا: دين محمد دين مبارك، وإذا نزلت بهم مصيبة وأصابتهم شدة سخطوا وثبتوا فى نفاقهم، عن ابن مسعود وقتادة. قال النحاس: وهذا قول حسن، ويدل على صحته: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ) [الحج: 11].
 
وقال علماء الصوفية: هذا مثل ضربه الله تعالى لمن لم تصح له أحوال الإرادة بدءا، فارتقى من تلك الأحوال بالدعاوى إلى أحوال الأكابر، كأن تضيء عليه أحوال الإرادة لو صححها بملازمة آدابها، فلما مزجها بالدعاوى أذهب الله عنه تلك الأنوار وبقى فى ظلمات دعاويه لا يبصر طريق الخروج منها. وروى عن ابن عباس أن المراد اليهود، لما نصر النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببدر طمعوا وقالوا: هذا والله النبى الذى بشرنا به موسى لا ترد له راية، فلما نكب بأحد ارتدوا وشكوا، وهذا ضعيف. والآية فى المنافقين، وهذا أصح عن ابن عباس، والمعنى يتناول الجميع.
 
قوله تعالى: (وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ) ... (لَوْ) حرف تمن وفيه معنى الجزاء، وجوابه اللام. والمعنى: ولو شاء الله لاطلع المؤمنين عليهم فذهب منهم عز الإسلام بالاستيلاء عليهم وقتلهم وإخراجهم من بينهم. وخص السمع والبصر لتقدم ذكرهما فى الآية أولا، أو لأنهما أشرف ما فى الإنسان. وقرى (بأسماعهم) على الجمع، وقد تقدم الكلام فى هذا.
 
قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) عموم، ومعناه عند المتكلمين فيما يجوز وصفه تعالى بالقدرة عليه. وأجمعت الامة على تسمية الله تعالى بالقدير، فهو سبحانه قدير قادر مقتدر. والقدير أبلغ فى الوصف من القادر، قاله الزجاجي.
 
وقال الهروي: والقدير والقادر بمعنى واحد، يقال: قدرت على الشيء أقدر قدرا وقدرا ومقدرة ومقدرة وقدرانا، أى قدرة. والاقتدار على الشيء: القدرة عليه. فالله عز وجل قادر مقتدر قدير على كل ممكن يقبل الوجود والعدم. فيجب على كل مكلف أن يعلم أن الله تعالى قادر، له قدرة بها فعل ويفعل ما يشاء على وفق علمه واختياره. ويجب عليه أيضا أن يعلم أن للعبد قدرة يكتسب بها ما أقدره الله تعالى عليه على مجرى العادة، وأنه غير مستبد بقدرته. وإنما خص هنا تعالى صفته التى هى القدرة بالذكر دون غيرها، لأنه تقدم ذكر فعل مضمنة الوعيد والإخافة، فكان ذكر القدرة مناسبا لذلك. والله أعلم. فهذه عشرون آية على عدد الكوفيين، أربع آيات فى وصف المؤمنين، ثم تليها آيتان فى ذكر الكافرين، وبقيتها فى المنافقين. وقد تقدمت الرواية فيها عن ابن جريج، وقاله مجاهد أيضا.
 
 

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

الهلال يغري كريستيانو رونالدو بعرض غير متوقع للمشاركة في كأس العالم للأندية

موعد وصول حسام البدري وباقي الرياضيين المصريين من ليبيا الليلة

أغلى من الصفقات.. أمير قطر يهدى ترامب قلما فاخرا من طراز مونت بلانك (صورة)

إحالة أوراق متهم ادعى النبوة وقتل مدرسا إلى المفتى

وزارة الرياضة: وصول الرياضيين من ليببا خلال ساعات إلى مطار القاهرة


"لا أعداء دائمين".. ترامب يقدم غصن زيتون إلى إيران ويكتب نهاية 46 عاما من عقوبات سوريا فى أول أيام زيارته للخليج.. واشنطن بوست: إشارة تحول بسياسة واشنطن الخارجية فى الشرق الأوسط.. وغضب نتنياهو يزداد بعد تجاهله

حصاد أول دورى لكرة القدم النسائية بمشاركة الأهلى والزمالك وبيراميدز.. مسار الأقوى

البحوث الفلكية: الهزات الارتدادية الناجمة عن زلزال أمس في "اضمحلال" مستمر

تشييع جثمان الضحية منة أيمن إحدى ضحايا حادث انفجار خط غاز أكتوبر.. صور

هيئة الأرصاد تكشف حقيقة تعرض مصر لـ العاصفة شيماء


وزير التعليم يعلن إعادة إطلاق اختبار "SAT" رسميًا فى مصر بداية من يونيو 2025

Watch it تروج لبرنامج "فضفضت أوى" للمخرج معتز التونى والعرض قريبا

وزارة التعليم: إضافة 20% من درجات العربى والتاريخ بالثانوية الدولية للمجموع

الأوبرا تعلن نفاد تذاكر حفل فيروز قبل إقامته غدا بالمسرح الكبير

بعد زلزال كريت.. تقرير لمعهد الفلك يكشف أسباب الهزات الأرضية.. التقرير يوضح كيفية قياس قوة الزلزال وتحديد شدته.. يستعرض أكبر الزلازل قوة فى التاريخ.. ويؤكد: لا أحد يستطيع التنبؤ بحدوثها فى العالم حتى الآن

اليونان تصدر تحذيرا من احتمال حدوث تسونامى عقب الزلزال

الاتحاد الأوروبى يوافق على الحزمة السابعة عشرة من العقوبات ضد روسيا

الإدارية العليا تلغى حكم أول درجة بشأن تابلت طلاب الثانوية: عهده ويجب إعادته

تفاصيل معركة "الخوى" بين الجيش السودانى والدعم السريع.. مقتل 800 من الميليشيا

محمد صلاح يتصدر هدافي الدوريات الخمس الكبرى ومبابى يطارد بقوة

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى