أحمد الصغير يكتب: قراءة فى قصص "السرب" لـ الكاتبة إيمان سند

الناقد أحمد الصغير
الناقد أحمد الصغير
يظل الحكى القصصى تحديدا أداة من أدوات الحياة التى يمارس الإنسان صخبها كل لحظة، مشتبكا معها فى صراعاتها الداخلية التى تحاول أن تنهش بقايا روحه التى صارت بلا مأوى، تجلت هذه النزعات النفسية من خلال قراءة المجموعة القصصية "السرب" للكاتبة إيمان سند التى طرحت الكثير من أعمالها الأدبية وأنشطتها الثقافية الخاصة بالأطفال، وهذا هو ما يميز إحساسها بالإنسان بشكل عام. 
 
السرب
 
جاءت المجموعة التى بين أيدينا (السرب) فى إحدى عشرة قصة قصيرة، تشكلت من خلال عناوين رومانسية لا فتة، بل تمتح من جراحاتها الذاتية الغائبة عن إحساس الآخرين بها، وهى (زهور اللبلاب ــ يحيى ـ الألم ــ بوح الصباح ــ فوات الأوان ــ آلهة لا تسكن الأوليمب ــ خلف النافذة ــ الحب تفاصيل صغيرة ــ طعم الحزن ــ قصتنا).  ونلاحظ فى بنية العناوين السابقة انشغال الكاتبة بلحظات الحزن التى تكشف عن الحقيقة التى تبحث عنها فجاءت زهور اللبلاب التى تستدعى من ذاكرتنا الجمعية رواية شجرة اللبلاب للكاتب الكبير محمد عبد الحليم عبد الله، وتستدعى صورة الموت فى زوايا الحزن المقيم بأحلامنا. كما يكشف عنوان القصة عند سند عن علامات سيميائية تخفى وراءها أسرارا سردية كثيرة تصبح القصة فى متنها الكلى علاقة غامضة أحيانا. 
أحمد الصغير
 
ارتكزت إيمان سند فى عملية بناء هذه القصص على لغة سردية ذاتية ـ وهى لغة داخلية تكشف عن أطوار الذات وآلامها وملامحها الحاضرة و المسكوت عنها، فقط تمارس حياتها الحقيقية فى الخيال مبتعدة عن زيف الواقع وقسوته داخل العالم الذى تحيا فيه الذات بشكل حقيقى، فتقول "سند" مستدعية قول فرجينيا ساتير فى تصديرها لقصة زهور اللبلاب: " أقوى غريزة لدى البشر، هى غريزة جعل الأشياء مألوفة" تتجلى غريزة الكشف عن ما وراء الحياة، وكيف تصبح الحياة نفسها مألوفة يمكن للإنسان أن يتعايش بمحبة داخلها. ففى القصة الأول زهور اللبلاب تكشف الذات الساردة عن لحظات حزينة تهيمن على طريقة السرد القصير الذى تجلى من خلال بنية الجملة نفسها فتقول فى مطلع القصة: "تفر الأيام، وهى تبحث عنه، بداخلها طفلة بمقاييسها، تنهر نفسها دائما:  لا تصلح معايير الأطفال لخوض الحياة".
 
تبدو حركة السرد داخل فضاء القصة، حركة مشتبكة مع روح الذات فجاءت مرتبكة، حائرة، قلقة لا تعرف لها هدفا واضحا فى الحياة، هى فقط تستمتع باللحظات التى تعيشها فقط. كما يحمل المقطع الفائت مفارقة واقعية واضحة أن معايير الأطفال لا تصلح لخوض معارك الحياة القاسية، تحاول إيمان سند فى قصصها بعامة أن تقبض على جوهر الألم الداخلى الذى يأكل خلايا المحبة للآخرين، فتقطع مسافة بعيدة كى تخلو بوحدتها. 
 
إيمان سند
 
ترتكز "سند" فى القصة الثانية بعنوان (يحيى) وهى قصة صوتية بالأساس بمعنى أنها تتحدث بصوت يحيى فتخلق تناصا واضحا ومربكا مع الشاعر العربى الكبير نزار قبانى فى قوله: 
"كل الجنائز تبتدى من كربلاء، وتنتهى فى كربلاء، لن أقرأ التاريخ بعد اليوم، فأصابعى اشتعلت وأثوابى تغطيها الدماء"، إن استدعاء صوت نزار فى قصة يحيى يشى بالحزن الذى تحاول الذات الساردة أن تضفى عليها جراحات تراثية قديمة فى الذاكرة العربية (كربلاء التى قتل فيها الحسين عليه السلام فى حربه ضد بنى أمية).  فتسرد الكاتبة حكاية الذات مع البطل يحيى الذى كانت مغرمة به فى وقت معين فتقول: "يصل للمكان المقصود بعد عناء، إنه يخص عائلته منذ زمن بعيد، كيف تاهت قدماه عنه..! ربما لأنه المكان الذى لا يرغب أحد فى الذهاب إليه إلا مضطرا يتسع الطريق كلما توغل فيه، رغم سيره بطريقة زجزاجية. مفيدة أحيانا تلك العربات الصغيرة حينما توكل إليها مهمة كتلك، يرى من بعيد سوادا متقطعا، وآخر متصلا، ورؤوسا تتصدر المشهد لا يستطيع فك طلاسمها" تطرح إيمان سند صورة الجنائز التى تغلف أبواق الفراغات الشاهقة، بل تصور مصيبة الموت بشكل لا يخلو من تقديس الحياة. يجلس يحيى وحيدا مستغرقا فى أحزانه كما جاء فى القصة، مستعيدًا ذكرياته معها (حبيبته) وكيف كان يشعر بالمحبة فى عينيها. وفى لحظة الموت تبكى الذات على ضياع هذه الذكريات المشتركة بينهما، وعند دفنها ترد إليها الحياة لتقول له: يحيى أنت لى وحدى"، إن المشهد السردى الأخير فى قصة يحيى، يحمل قدرا من عشق الأنثى لحبيبها، ورغبتها فى امتلاكه وحدها، فلا تقبل أن تشاركها فى حبيبها امرأة سواها. 

أحمد الصغير أستاذ بكلية الآداب جامعة الوادى الجديد

 

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

تفاصيل اتفاق الأهلي على خوض وديات في معسكر تونس

ملاك عادل عن أغنية "بابا": الهضبة هو بابا الغنا.. وسعيد بالتعاون الثاني

201 مرشح يقدمون أوراقهم لخوض انتخابات الشيوخ بأول أيام تلقى الطلبات

الجمعية الفلكية بجدة: الأرض تستعد لتسجيل أقصر الأيام خلال يوليو وأغسطس

موعد مباراة الريال ضد دورتموند فى ربع نهائى كأس العالم للأندية


سر غياب محمد صلاح وكريستيانو رونالدو عن جنازة جوتا

كل ما تريد معرفته عن معسكر إعداد الأهلي للموسم الجديد

3 ملفات على طاولة يانيك فيريرا داخل الزمالك.. تعرف عليهم

المعاينة: اختلال عجلة القيادة وراء حادث تصادم سيارتين بالطريق الإقليمى

تشارليز ثيرون ترفض الارتباط برجل من الوسط الفني.. وتسخر من تطبيقات المواعدة


نتيجة الدبلومات الفنية 2025.. الإعلان خلال أيام بعد انتهاء تجميع الدرجات

تشكيل ريال مدريد المتوقع ضد بوروسيا دورتموند في كأس العالم للأندية

أول قرار من يانيك فيريرا مع الزمالك.. تأجيل انطلاق فترة الإعداد 24 ساعة

بعد اهتمام الأهلى والزمالك.. البنك يتمسك باستمرار أحمد ربيع فى الموسم المقبل

البرتغال تودع جوتا اليوم.. وليفربول يخصص رحلة جوية لحضور الجنازة

مواعيد مباريات اليوم.. الريال مع دورتموند.. وسان جيرمان أمام بايرن ميونخ

استشهاد 19 فلسطينيا في قصف إسرائيلي على مناطق متفرقة من غزة

الأهلى يتمسك باستمرار إمام عاشور ويرفض عرض الأخدود السعودى

اليوم.. الفصل فى عدم دستورية طرد المصريين وغير المصريين بالإيجار القديم

لأول مرة.. "هدوء نسبى" عرض مسرحى عن فن التحنيط للقدماء المصريين

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى