مفتى الجمهورية: يجب تحقيق التعايش الحضارى ونزع فتيل الفكر التكفيرى من حياة الشعوب

مفتى الجمهورية خلال كلمته بمؤتمر حوار الثقافات بموسكو
مفتى الجمهورية خلال كلمته بمؤتمر حوار الثقافات بموسكو
كتب لؤى على
أكد الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، أن المؤسسات الإفتائية والمجامع الفقهية والشرعية تمارس دورًا مهمًّا فى تأليف قلوب بنى البشر وقيادة العمل الحوارى بين الأديان؛ ولا شك فى أن العلماء هم قادة الحوار وبهم ينجح ويحافظ على مساره الصحيح ويمارَس بالشكل الذى يحقق النتائج المرجوة منه؛ ومن أهمها تحقيق التعايش الحضارى ونزع فتيل الفكر التكفيرى وتحقيق السلم فى حياة الشعوب كلها.
 
وأضاف أن النموذج المعرفى الإسلامى يدعو إلى عدم الالتفات إلى وجود فروقات لغوية أو عرقية أو طبقية، وإنما يتفاضل الخلق بأعمالهم التي يكونون قريبين فيها من الخالق جل وعلا؛ قال تعالى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير}.
 
جاء ذلك فى كلمته الرئيسية التى ألقاها خلال مشاركته أعمال المؤتمر العلمى الدولي السابع، عن: "الإسلام فى زمن العولمة... التراث الإسلامى وحوار الثقافات"، الذى يختتم فعالياته اليوم فى العاصمة الروسية "موسكو".
 
وأشار مفتى الجمهورية إلى أن المسلمين قد استطاعوا عبر كل المراحل التاريخية تفعيل هذه الرؤية والرسالة بمشاركة الحضارات والأمم  بما تحويه من ثقافات متنوِّعة وأديان متعدِّدة وأعراف مختلفة، مشاركة تأصلت وتأكدت في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَنِي رَحْمَةً لِلنَّاسِ كَافَّةً».
 
وأوضح أن التأسيس للعلاقة والشراكة والتواصل يقتضى أولًا وقبل كل شيء قيام الحوار البنَّاء بين الأديان والثقافات، ففي كل ثقافة من الثقافات وحضارة من الحضارات تم تناول هذا الحوار طبقًا للمنهج الذي تصطبغ به، وكانت الحضارة الإسلامية أدق الحضارات وأوعبها لمسوغات بناء هذا الحوار، فوضع الإسلام الأسس والقواعد والأحكام الضابطة للتعامل مع الأديان والثقافات الأخرى، وكانت نقطة انطلاقه دائمًا المبادئ الحاكمة للإسلام، ومنها مبدأ التعايش في جميع الأحوال والأزمان والأماكن، كمبدأ إنساني وأخلاقي وديني؛ فأصبح المسلمون في تناسق واندماج مع العالم الذي يعيشون فيه، وكان الأصل في هذا المبدأ قوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}.
 
وقال مفتى الجمهورية: "إن المنهج الإسلامى فى التعايش والحوار مع الأديان والثقافات قد ظهر فى سائر أرجاء التراث الفكرى الإسلامى؛ فهذا التراث يُعد منبعًا غضًّا لاستخراج وسائل تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات".
 
وأوضح أن الاستفادة بهذا التراث الفكرى فى هذا السياق يتعلق بعامِلَين متلازمين: أما الأول فهو فَهم الموروث الإسلامى، وذلك يأتى بعد المعرفة الكاملة به وتحليله واستخراج المنهج الكامن وراء نصوصه ومسائله، والوقوف على الدافع وراء هذه النصوص والقضايا والأحداث المتعلقة بالحوار مع الأديان والثقافات، مشيرًا إلى أنه لا بد في هذا السياق من معرفة عناصر العقلية التراثية، وكيف كانت رؤية المفكِّر المسلِم للعالَم؟ وما رأيه في قضايا التعايش والحوار مع الآخر؟
 
ولفت المفتي إلى أن العامل الثاني الذي تتعلق به الاستفادة بالتراث الفكري الإسلامي في تعزيز الحوار بين مختلف الأديان والثقافات هو امتلاك الأداة الضرورية اللازمة لفهم آليات التعامل معه، وذلك باستنباط النظريات والمناهج العلمية المتعلقة بذلك وإعادة النظر فيها وبناء أنساق تطبيقها على الواقع المتغيِّر، فالمتأمل في التراث الفكري الإسلامي يعرف أنه ككائن حي يتطور ويتفاعل مع محيطه؛ ويؤثر ويتأثر بمتطلبات عصره في ظل نموذج معرفي متكامل.
 
وأوضح أنه في مجال الشريعة الإسلامية إذا أمعنا النظر في صنيع فقهاء الصحابة وكبار التابعين والفقهاء المتبوعين، علمنا أنَّ مراعاة المقاصد الشَّرعية والأصول الكلية والنظر إلى المآلات في سائر التصرفات كان منهجًا واضحًا مطردًا يساعدُ على معرفة الحكم المناسب للواقع، وتجاوز ما لم يعُد ملائمًا وإن كان موروثًا.
 
ضرب بعض الأمثلة على ذلك جمع القرآن في عهد أبي بكر، وكتابته في المصحف الإمام في عهد عثمان، والمقصد هو حفظ دستور الدولة الناشئة، والمنبع الأول لهدي العالم وصلاحه، والمصدر الأساس للتشريع والنظام والقانون، وكذلك عدم إقامة حد السرقة عام المجاعة، وذلك لما رآه عمر بن الخطاب رضي الله عنه من عدم استيفاء الشروط الضرورية الباعثة على التطبيق، والتي منها شبهة المجاعة المُلجِئَة إلى أخذ حق الغير بدون إذن منه للضرورة، والمقصد هو الرفق والتخفيف بمن اضطر إلى السرقة دون اختيارٍ منه ومراعاة ظروف تطبيق الحكم كي يحقق أغراضه وفوائده.
 
وقال مفتي الجمهورية: "فبذلك نقف على أن أول الآليات اللازمة لاستخدام التراث الفكري الإسلامي عامة هو أن نتعامل مع هذا التراث بطريقة تتجاوز الظاهرة الصورية أو الاجترارية إلى المنهجية الواقعية، ونعني بالظاهرة الصورية أن ننظر إلى الموروث بشكل عام باعتباره مقدسًا صالحًا لكل زمان ومكان، فنُنَزِّل الفقه والاجتهاد البشري مثلًا منزلة الشريعة المعصومة، وهذا خطأ منهجي بالغ،  لا يمت بصلة إلى منهج أسلافنا الصالحين، بل ويوقعنا في كثير من المشكلات عندما نواجه تلك التراكمات التي ازدحمت بها حركة الحياة في مجالات معاصرة متعددة أبرزها قضايا المرأة وقضايا المعاملات المالية والاقتصادية برمتها وبخاصة المصرفية، ومنها أيضًا مجالات السياسة الشرعية والعلاقات الدولية، ومنها كثير من القضايا المتعلقة بالقضاء الشرعي وطرق الإثبات القضائية، فلا شك أنَّ قدرًا كبيرًا مما كتبه أسلافنا الصالحون في هذه المجالات كان مرتبطًا ولصيقًا بالواقع الذي دوِّن فيه، ولا شك أنَّ تلك الأحكام التي كان  الواقع مكونًا أساسيًّا من مكوناتها تتغير بتغير هذا الواقع، وهذا هو المعنى الحقيقي لصلاحية الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان".
 
وأضاف المفتي أن من الأمور التي ينبغي علينا أن نلتفت إليها أثناء معالجتنا لقضايا الحوار بين الأديان والثقافات واستخدام الموروث الفكري الإسلامي لتعزيزه - قضيةَ تحرير المصطلحات، ومراعاة التغيرات التي قد تطرأ على دلالة مصطلح فقهي أو فكري ما نتيجة عوامل مختلفة كتغير الزمان والبيئة والأفكار والأعراف التي قد يتواضع عليها الناس أو العُلماء، ثم تتغير الظروف فيتواضعون على غيرها والأمثلة كثيرة مثل دار الإسلام ودار الحرب والخلافة وأهل الذمة إلى آخره.
 
وأكد أهمية أن نوضح لعامة الناس أن بعض الفتاوى أو الأحكام التي يصدرها هذا الفقيه أو ذاك في العصور الخوالي إنما صدرت لمواجهة ظروف استثنائية لا يمكن القياس عليها الآن، ولا بد أيضًا -إذا أردنا أن يكون التراث الإسلامي منبعًا لتعزيز الحوار بين الأديان والثقافات- أن يكون العلماء المسلمون المؤهلون لفهم هذا التراث هم مَن لهم الحق في التحدث باسم الإسلام، وقد رأينا في أحيانٍ كثيرة أن بعض وسائل الإعلام الدولية تستجيب للإغراءات  وتعتبر  المتطرفين - الذين لا يمثلون إلا أنفسهم- تيارًا سائدًا.
 
وقال مفتي الجمهورية: "إن التعامل بين المسلمين وغيرهم من أهل العقائد والأديان والثقافات إنما يقوم على أساس التعاون علي الخير الإنساني، وقد جعل الإسلامُ الحوارَ الوسيلةَ المثلى للتفاهم بشأن قضايا الإيمان والعقيدة فقال تعالى: {وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}؛ فإذا كان الحوار هو الوسيلة المعتمدة في مثل هذه القضايا على خطورتها وأهميتها؛ فإنه يكون أولى بالتطبيق فيما دونها من القضايا والمشكلات، وأولى أن يكون مبدأً عامًّا من مبادئ معالجة معضلات العلاقات الإنسانية بما فيها العلاقات الدولية".
 
واختتم مفتي الجمهورية كلمته بقوله: "والأصول المعرفية للرؤية الإسلامية للعالَم تنفي كل مصادر الفرقة والحقد والخصومة والنزاع بين الناس من أي دين كانوا، بل تفتح باب التعاون العملي والتواصل الفعلي والعمل المشترك والتعايش السلمي، فلا ريب أن الحاجة دافعة إلى استخراج هذه الأصول المعرفية من التراث الفكري الإسلامي والاستفادة بها في صياغة ميثاق إرشادي جامع للتواصل والتحاور يُبنَى على أصول راسخة من احترام التعددية الدينية والتنوع الثقافي".
 
 
 

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

الثانوية العامة 2025.. الأسئلة موحدة ومختلفة فى توزيعها بالنماذج الامتحانية

الطلاق الغيابى يثير الجدل بعد أزمة بوسى شلبى وأسرة الفنان محمود عبد العزيز

حسام الزناتى يظهر في الصورة لتولى منصب مدير التعاقدات بالزمالك

محمد بن زايد: أجريت مباحثات مثمرة مع الرئيس ترامب

انتصاران في 7 مباريات.. ماذا قدم الزمالك في غياب زيزو؟


مواعيد مباريات اليوم الجمعة 16 - 5 - 2025 والقنوات الناقلة

قدم الآن.. فرص عمل للمهندسين فى السعودية بمرتبات تصل إلى 11 ألف ريال

10 صور من عقد قران الفنان يوسف حشيش والشاعرة منة عدلى القيعى

موعد مباراة الأهلي والبنك في دوري nile والقنوات الناقلة

السكة الحديد تحدد مواعيد الحجز المسبق لقطارات عيد الأضحى 2025


تعرف على موعد أخر مباريات منتخب الناشئين مواليد 2009 في دورة بولندا الودية

الجمهورية الجديدة.. تفاصيل أهم المشروعات الجديدة بجامعة دمنهور.. خطة متكاملة لتنفيذ 5 مشروعات بتكلفة أكثر من 4 مليارات جنيه.. جهود مكثفة للانتهاء من تنفيذ كلية للطب وأول مستشفى جامعى بالبحيرة بـ1.275 مليار جنيه

لماذا قرر بوتين إقالة قائد القوات البرية فى الجيش الروسى

المغرب تسجل الهدف الأول فى شباك مصر بكأس أفريقيا للشباب

تعرف على رد النادي الأهلي بشأن قرار لجنة التظلمات في أزمة مباراة القمة

لجنة التظلمات تطالب رابطة الأندية بمراعاة لوائح اتحاد الكرة المعتمدة من "فيفا"

لجنة التظلمات ترفض إعادة مباراة القمة وتكتفى بنقاط هزيمة الأهلى أمام الزمالك

لجنة التظلمات تصدر قرارها في أزمة القمة دون خصم نقاط من الأهلى نهاية الموسم

كنا بنهزر.. ضبط المتهمين بالجلوس خارج نافذة سيارة أثناء سيرها (فيديو)

بالطبول والهتافات.. شاهد كيف استقبلت الإمارات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى