معضلة "النشطاء".. كيف فشل سلاح "الاستقواء بالخارج" فى مجابهة هيمنة الصين على هونج كونج؟ دعاة الديمقراطية لم يدركوا متغيرات الواقع الدولى الجديد.. وصعود الشعبويين وضع معايير جديدة للتدخل فى شئون الدول الأخرى

الاحتجاجات بهونج كونج
الاحتجاجات بهونج كونج
تحليل يكتبه: بيشوى رمزى

أعلام ملونة حملها متظاهرو هونج كونج، فى الشوارع، من بينها العلم الأمريكى تارة، والبريطانى تارة أخرى، ليست للزينة، أو لإضفاء طابع جمالى للحراك الذى أطلقوه منذ أشهر، ولكن لدحض الهيمنة الصينية على الإقليم، والذى يتمتع بالحكم الذاتى، ولكنها محاولة صريحة لاستجداء التدخل الدولى، لينالوا حلم الاستقلال الكامل، ربما ليطرح تساؤلات عدة حول ما إذا كان رهان الشارع فى هونج كونج سوف يؤتى ثماره، أم أن الأمور ستتخذ منحى أخر، ربما لا يصب فى صالح ما يمكننا تسميتهم بـ"فريق النشطاء"، والذين اتجهوا إلى خيار العنف لتحقيق مطالبهم، فى المرحلة الراهنة، فى ظل العديد من المعطيات الدولية المتغيرة، وعلى رأسها اختلاف الرؤى الدولية إلى العديد من الأفكار النمطية التى اعتمدها المجتمع الدولى لعقود طويلة من الزمن.

ولعل حالة الاستقواء بالخارج ليست جديدة تماما على الدوائر الاحتجاجية فى هونج كونج، حيث كان الحنين إلى الاستعمار البريطانى سائدا إلى حد كبير فى العديد من الدوائر المعارضة للصين، حيث دائما ما كانوا يخرجون بالعلم القديم للإقليم، والذى يزينه علم المملكة المتحدة، بينما يعلن نشطاء أخرون مواقفهم علانية، والتى تدور حول إمكانية العودة من جديد إلى التاج البريطانى، وذلك بعد أكثر من 20 عام من الاتفاق الذى أبرمته الحكومة البريطانية مع الصين لإعادة الإقليم تحت سيطرة بكين، مقابل أن يتمتع بقدر من الحكم الذاتى، وهو الأمر الذى سمح إلى حد كبير للقوى الدولية، وخاصة بريطانيا، إلى ممارسة بعض الضغوط فى السنوات الماضية على الحكومة الصينية، لدعم الإقليم، وهو الأمر الذى مازال يراهن عليه نشطاء المدينة.

واقع جديد.. أزمات الداخل تهيمن على القوى الدولية الكبرى

إلا أن الواقع الدولى ربما شهد تغييرا جذريا، خاصة فى السنتين الأخيرتين، مع تفاقم الأزمات الدولية، التى تواجهها قوى الغرب، والتى طالما تشدقت بمبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وفى القلب منها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبى، بسبب تفاقم أزمات الداخل، جراء الهجرة المتزايدة القادمة من العديد من دول العالم، بالإضافة إلى أزمة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى "بريكست"، والتى تمثل كابوسا سواء للمواطن البريطانى، والذى يخشى من تداعيات مثل هذه الخطوة على مستقبل الاقتصاد البريطانى، من جهة، أو للاتحاد الأوروبى بشكل عام، خاصة وأن الخطوة البريطانية ربما تمثل اللبنة الأولى فى انهياره فى المستقبل القريب من جانب أخر.

نشطاء هونج كونج يحملون الأعلام فى مظاهراتهم
نشطاء هونج كونج يحملون الأعلام فى مظاهراتهم

أزمات الداخل فى الغرب طغت إلى حد كبير على الدور الذى يمكنه أن يلعبه دعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان من حكام الغرب، لفرض رؤيتهم على العالم الخارجى، وهو ما يبدو واضحا، على سبيل المثال فى خفوت الدور الفرنسى، بعد اندلاع مظاهرات السترات الصفراء والتى جاءت للاحتجاج على قرارات حكومية تخص الداخل الفرنسى، ليس فقط على مستوى القارة الأوروبية، فى ظل غياب الدعم الأمريكى، تحت إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، للاتحاد الأوروبى، ولكن أيضا على المستوى الدولى بشكل عام، وهو ما يبدو واضحا فى فشله الذريع فى القيام بدور الوساطة التى كان يتوق إليه، بين الولايات المتحدة وإيران.

صعود الشعبويين.. تحولات جذرية فى سياسات الغرب تجاه العالم

ويمثل صعود التيارات الشعبوية فى العديد من دول العالم، معضلة أخرى، فى ظل حالة الانكفاء على الداخل، التى صارت تكتنف قادة الغرب، حيث يبقى الهدف الرئيسى الذى يسعون إليه هو تحقيق متطلبات الداخل، وهو ما لا يقتصر على مجرد القوانين التى يقومون بإرسائها، أو السياسات التى يتبنوها فى الداخل، ولكنها تمتد كذلك إلى الدبلوماسية التى يعتمدونها تجاه دول العالم الأخرى، بحيث تنعكس بشكل مباشر على مصلحة المواطن، بعيدا عن تكريس هيمنة تيارات بعينها فى الدول الأخرى، بهدف تمكين الأيديولوجيات التى تتبناها التيارات الحاكمة فى الغرب.

مواطن يرتدى قناعا يوجه ترامب
مواطن يرتدى قناعا يوجه ترامب

فلو نظرنا إلى السياسات التى تبنتها قوى الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، فى مراحل سابقة، نجد أنها شهدت تحولات كبيرة، منذ نهاية الحرب الباردة، كانت تقوم فى البداية، على مناوئة ما يمكننا تسميتهم بالأنظمة المارقة، وحصارها اقتصاديا، على غرار كوريا الشمالية وإيران، وربما عسكريا، على غرار ما حدث مع العراق فى 2003، من أجل تمكين أنظمة ديمقراطية على الطراز الغربى، وهو النهج الذى فشل فشلا ذريعا، بل وساهم بصورة كبيرة فى انتشار الفوضى، بالإضافة إلى تهديد مصالحهم فى العديد من مناطق العالم، بالإضافة إلى استنزاف مواردهم الاقتصادية والعسكرية بصورة كبيرة، مما دفع إلى تغيير النهج الدولى، فى السنوات الأخيرة، عبر الانفتاح على تلك الدول، مقابل شروط تتعلق فى معظمها بطمأنة الداخل تجاه التهديدات التى تمثلها.

ولعل الانفتاح الغربى على إيران، عبر التوقيع على الاتفاق النووى الإيرانى فى يوليو 2015، وكذلك الانفتاح الأمريكى على كوريا الشمالية، مرتبطا إلى حد كبير بطمأنة العالم تجاه نوايا تلك الدول، والتى طالما كانت تمثل فزاعة لهم بسبب إمكاناتهم النووية، بالإضافة إلى وضع شروط جديدة من قبل الرئيس الأمريكى ارتبطت بمصير السجناء الأمريكيين، فى تلك الدول، وهو ما يمثل دليلا دامغا على التحول الكبير فى معايير التدخل الدولى فى شئون الدول الأخرى.

معضلة النشطاء.. دعاة الديمقراطية خارج إطار الزمن

وهنا تبدو معضلة النشطاء، فى هونج كونج، متمثل فى الخروج عن إطار الواقع الدولى الجديد، فى ظل رغبتهم الملحة فى الاستقواء بالقوى الدولية لتحقيق أهدافهم، فى الوقت الذى شهد فيه العالم معطيات جديدة، أصبحت ترتبط إلى حد كبير بمصلحة الداخل، من أجل الاحتفاظ بمقاعد السلطة، فى ظل تنامى الغضب الشعبى جراء السياسات التى تبناها القادة فى العقود السابقة، والتى ارتبطت إلى حد كبير بالتدخل لإعادة تشكيل الأنظمة فى الخارج لتصبح متوائمة معهم.

الرهان على أمريكا.. هل يجدى؟؟
الرهان على أمريكا.. هل يجدى؟؟

يبدو أن فزاعة الاستقواء بالخارج الذى يحاول النشطاء الترويج لها لترهيب الحكام فى الداخل لم تعد تجدى إلى حد كبير، إلا أن الاستمرار على نفس النهج يمثل انعكاسا صريحا للفجوة الكبيرة التى يعانون منها، فى ظل التغير الكبير الذى يشهده المجتمع الدولى فى المرحلة الراهنة، مع تنامى الأزمات الدولية بصورة كبيرة.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

الأكثر قراءة

الحذاء الذهبي ينهي خصومة مكة وكيان محمد صلاح.. اعرف التفاصيل

ثنائية الزمالك فى مودرن سبورت على مائدة يورتشيتش لإيقاف نزيف نقاط بيراميدز

اعترافات صادمة لعصابة الثقب الأسود: نضرب الأطفال ونجبرهم على التسول.. فيديو

تحت ستار تبرعات للخير.. القبض على "حازم" وبحوزته مخدارت بـ30 مليون جنيه بقنا

الداخلية تكشف سر الثقب الأسود: بداخله 20 شخصا بينهم 8 سيدات و 5 أطفال


خالد علي شقيق ويجز يشاركه حفل الليلة بمهرجان العلمين الجديدة

الصحف العالمية: ترامب يوزع بيتزا وبرجر البيت الأبيض على "قوات فيدرالية" فى واشنطن.. بريطانيا تستدعى سفيرة إسرائيل للاحتجاج على خطة الاستيطان بالضفة الغربية.. مظاهرات فى برشلونة وإيطاليا تندد بالعدوان الإسرائيلى

الداخلية تضبط عصابة "الثقب السوداء" للتسول بالأطفال أسفل كوبرى بالهرم.. فيديو

حقيقة "الثقب الأسود" فى الهرم.. مصدر بـ"محافظة الجيزة" يكشف تفاصيل جديدة

إغلاق "الثقب الأسود" بالهرم بعد شكاوى مواطنين عن وجود متسولين.. صور


العمرة بدون وسيط.. تعرف على خدمات تطبيق "نسك عمرة"

كوكا يغيب عن افتتاح الدوري السعودي لأسباب غير فنية.. تعرف عليها

وزير الدفاع الإسرائيلى: قريبا سنفتح أبواب الجحيم على حماس فى غزة

البكالوريا أم الثانوية العامة.. تفاصيل الاختلافات الكاملة فى المواد والمجموع

الكيس تحول لخراج.. قلق جمهور أنغام على حالتها الصحية بعد التطورات الأخيرة

أجواء شديدة الحرارة.. الأرصاد تكشف تفاصيل حالة الطقس وتحذر من الرطوبة

رئيس الوزراء خلال لقاء رئيس وزراء اليابان: نتطلع لتوسيع دوائر التعاون بين البلدين لتشمل الصناعات التكنولوجية المتقدمة والذكاء الاصطناعى.. وإقامة منطقة صناعية يابانية فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس

غدا.. انطلاق تنسيق الطلاب الحاصلين على الشهادات المعادلة العربية والأجنبية

عدم التئام الكتف يؤجل موعد عودة إمام عاشور للمشاركة في مباريات الأهلي

هل يستحق المستأجر تعويض حال انتهاء المدة الانتقالية بقانون الإيجار القديم؟

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى