سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 11 يناير 1961.. العقاد يرثى بيرم التونسى: «كان عبقريا».. ورئيس الوزراء وضع أعجب خطة لحمايته من مطاردات القصر الملكى وقت هروبه

بيرم التونسى
بيرم التونسى
سعيد الشحات
توفى الشاعر بيرم التونسى يوم 5 يناير 1961، فامتلأت الصحف بالمقالات التى تتناول سيرته الإبداعية، أبرزها مقالين، الأول للكاتب المفكر عباس العقاد بعنوان «العبقرى الذى فقده العالم العربى»، ومنشور بجريدة الأخبار 11 يناير، مثل هذا اليوم 1961، والثانى للكاتب الشاعر كامل الشناوى بجريدة الجمهورية يوم 12 يناير 1961.
كتب العقاد: كان عبقريا – بلا مراء - ذلك الفنان الموهوب الذى فقده العالم العربى بكل ما ينطق به اللسان العربى من كلم مكتوب أو كلم يجرى على الألسنة، على اختلاف لهجاتها من أقصى ديارها إلى أقصاها، وكانت آية الآيات فى بيرم التونسى، رحمه الله، أنه كان يفهم السريرة الناطقة بالعربية من بواطنها الخفية قبل أن يحكيها بلهجاتها الكثيرة على الألسنة أو على الأقلام، فكان من طرائفه المحبوبة، حيث يأنس إلى أصدقائه والمعجبين به، أن يلقى عليهم حوارا يشترك فى أحاديثه خمسة أو ستة من أبناء البادية والحاضرة، يتحدث كل منهم بلهجته الموروثة، ويتغنى أحيانا بنغماته التى توافق تلك اللهجة، وينتقل من سؤال إلى جواب، ومن تعبير إلى تعليق ومن جد إلى فكاهة، كأنه جماعة من الناس يوشك أن تتعدد أصواتهم كما تتعدد أساليبهم فى الكلام وفى أنماط الحديث والغناء.
لم يكن ذلك كله من قبيل المحاكاة أو الإعادة «الآلية» التى يستطيعها الكثيرون، وإنما كان خلقا للشخصية المتكلمة وللعواطف والأحاسيس التى تكمن وراء الكلمات، ومن تمام قدرته على الخلق والإبداع، فى هذه الملكة الفنية أنه نشأ فى بيئة تونسية عريقة، وبقى إلى ما بعد العشرين من عمره يتحدث على السجية، فيذهب لسانه على غير قصد منه إلى نبرات تلك اللهجة ومصطلحاتها، ولقيناه وهو فى نحو الخامسة والعشرين يمزج فى حديثه بين اللهجة الإسكندرية واللهجة التونسية، وتبدر منه العبارة المغربية سهوا فيلحقها بلوازمها عمدا، ليقطع على المستمع إليه سبيل التقليد والدعابة.. فمن ملكات السليقة المطبوعة حقا أنه يقتدر بإرادته – بعد أن قارب الثلاثين – على إبداع أدوار الحوار بكل لهجة ينطق بها اللسان العربى من ساحل الأطلسى إلى شط العرب، وما يليها من أطراف وأنحاء، ولم يكن ولعه باللهجات الدارجة عن قصور منه فى التعبير باللغة الفصحى شعرا ونثرا حين يشاء، فإن منظماته العربية طبقة من الشعر تسلكه بين النخبة المجيدين من شعراء عصره.
يضيف العقاد: كنا نحب لقاءه حيث كان يحب أن يعيش ويقضى سهراته ويختار أدواره وألحانه وموضوعاته، وانقضت سنوات كانت مراقبة الشرطة له كأنها مراقبة لكاتب هذه السطور وأصحابه، لأنه كان ينتقل فى مبيته ليلة أو ليلتين عند كل زميل من رواد المجلس: مرة عند الأخ المرح السيد مجاهد رحمه الله، وكان يقيم قبل نحو أربعين سنة إلى جوار الجامع الأزهر ويعمل بمكاتب إدارته، ومرة عند صحفى نشيط اللسان والقدمين كان يتردد بين العمل فى الصحافة والعمل فى الشركات، وكان يستعين بفن بيرم على نظم الأزجال الشعبية لترويج أصناف شركة السماد بين أبناء الريف، ومن هذه الشركة تسلم بيرم أول «عشرين جنيها»، قبضها دفعة واحدة فقبل أوراقها ورقة ورقة، حمدا لله على هذا الرزق الذى سبق إليه فى الخفاء، وربما قضى ليلة بعد ليلة من ليالى الفزع والحذر مقربة من مسكنى بالمنشية إلى جوار القلعة، ويحتاج إلى الشمعة التى تضىء له حجته المهجورة فيمد يده إلى نافذة ضريح على الطريق، ويختطف شمعته المضاءة وهو يلعن الغفلة والمغفلين.
يكشف العقاد: لا ننسى من مروءات محمد محمود باشا رئيس الوزارة أنه كان يعلم أن بيرم كان طريد القصر بعد عودته من فرنسا،ولكنه كان يحميه على البعد،وكان يجرى على خطة عجيبة فى حمايته للرجل الذى نفى مرتين لحملاته المتلاحقة على الملك السابق أحمد فؤاد وذويه، فكان يأمر الشرطة المسؤولين أن يحجزوا كل من يبلغ عن طريدهم هذا،ولايتركوه قبل أن يلقى رئيس الوزارة لسؤاله..فأصبح حذر المبلغين من التبلغ أشد من حذر الطريد المطلوب.. وكنا نلقى رئيس الوزارة أحيانا فى تلك الأيام، فيسألنا عما قاله بيرم فى هذا الأمر، أو فى تلك القصة فنحيله إلى الشاعر الراوية الظريف «مصطفى حمام»، لأنه يكاد يستظهر كل مانشره بيرم من منظوم أو منثور.
عاش بيرم – أيام اختفائه - فى صميم البيئة البلدية، وألفها تلك الألفة التى قيدته بها طوال حياته، وأوحت إليه أن يصورها أصديق تصويرعرفناه لأديب حديث أو قديم، إن بيرم كان فى الحق ينبوعا فياضا من ينابيع الفنون الشعبية، نظما وغناء وتمثيلا، بل تصويرا بالقلم يعطينا من صور الحياة العصرية ما تعجز عنه ريشة الفنان الصناع، وأن فقدانه لخسارة لا تعوض، لأن الزمان ضنين بأمثال هذه العبقرية لا ينفق منها بغير حساب.

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

برايتون ضد ليفربول.. ميتوما يدرك هدف التعادل بالدقيقة 69 فى مرمى الريدز

الزمالك: متمسكون بالسعيد ولا صحة لتجهيز ملف مشترك مع بيراميدز بالمحكمة الرياضية

فحص الخلافات العائلية ورفع البصمات.. مواصلة التحريات لكشف ملابسات سرقة نوال الدجوى

مصطفى غريب يضفى حالة من الكوميديا على أحداث فيلم المشروع X

نوال الدجوى.. ماذا قالت التحريات الأولية عن سرقة فيلا 6 أكتوبر ؟


تامر عبد المنعم يعلن خطة البيت الفنى للفنون الشعبية فى عيد الأضحى

الإدارة الأمريكية لـ"إسرائيل": أوقفوا الحرب على غزة وإلا سنتخلى عنكم

استمرت أكثر من ساعتين.. الرئيس الروسي يعلن تفاصيل محادثاته مع ترامب

فهد المولد.. هل يعود إلى الملاعب بعد غيبوبة تجاوزت 8 أشهر وأرقام مميزة؟

‎مودرن سبورت والإسماعيلي يطلبان فتح القيد الأجنبي لحراس المرمى


رمضان صبحى يخضع لجلسة استماع أمام المحكمة الرياضية فى قضية المنشطات

مقترح الرابطة يمنح قبلة الحياة لـ3 أجانب فى الأهلي قبل مونديال الأندية

تعيين رئيسة النقل بـ"إيجماك" يثير غضب المستثمرين لمخالفته قانون الكهرباء بالفصل عن القابضة.. اختيار عضو "جهاز المرفق" ورئيس التفتيش التجارى بمجالس الإدارات يشكك في قانونيتها.. والوزير يوجه بمراجعة القرارات

النيران تطارد كريم عبد العزيز في مشروع x بسبب هنا الزاهد.. اعرف الحكاية

الجريدة الرسمية تشر قرارًا جمهوريًا بشأن الإشراف على أعمال الأمانة العامة للمجالس التخصصية

الزمالك يسدد 2 مليون يورو فى 5 أيام لإنهاء أزمة إيقاف القيد

التحريات بسرقة الدكتورة نوال الدجوي: أحد المترددين على الفيلا وراء الواقعة

تطورات تمديد عقد حمزة علاء مع الأهلى بعد رفض عرض الزمالك

ترتيب الحذاء الذهبي الأوروبى 2025.. مبابي يتفوق على محمد صلاح

مي عمر تخطف الأنظار في مهرجان كان وتعلن عن مسلسل رمضاني جديد

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى