هابيل وقابيل.. كيف وصف نجيب محفوظ قتل الأخ فى "أولاد حارتنا"

صورة تعبيرية لـ قابيل وهابيل
صورة تعبيرية لـ قابيل وهابيل
كتب أحمد إبراهيم الشريف
وقعت فى الأيام القليلة الماضية جريمة بشعة عندما قتل طفل فى قرية حفنا التابعة لمركز بلبيس بمحافظة الشرقية شقيقه، مما يذكرنا بقصة قابيل وهابيل فى التراث الإنسانى والدينى، وكانت هذه القصة بمثابة "أيقونة" عمل عليها كثير من الكتاب الكبار منهم نجيب محفوظ فى رائعته أولاد حارتنا.
 
أولاد خارتنا
 

يقول نجيب محفوظ:

"لم يبق من الشمس إلا الشفق، وانقطعت السابلة، وانفرد بالخلاء قدرى وهمام والأغنام، مر النهار فلم يتبادلا طواله ما تفتضيه ضرورة الشراكة فى العمل، وغاب قدرى شطرا كبيرا من النهار فخمن همام أنه يتشمم أخبار هند، ولبث وحده فى ظل الصخرة على كثب من الأغنام. وفجأة، وفى شيء من التحدي، سأل قدرى همام:

خبرنى عما انتويت من ذهابك إلى جدك أوعدوك؟
قال همام بامتعاض:
هذا شأن يخصنى وحدى.
فاحتدم الغيظ فى قلب قدرى، ولاحت بوادره فى وجهه كطلائع الظلام فوق المقطم وتساءل:
لماذا بقيت؟ ومتى تذهب؟ متى تجد الشجاعة لإعلان نيتك؟
بل بقيت لأتحمل نصيبى من العناء الذى خلقته فضائحك.
فضحك قدرى ضحكة كاسرة وقال:
هكذا تقول لتدارى حسدك!
فهز همام رأسه كالمتعجب وقال:
إنك تستحق الرثاء لا الحسد.
فاقترب قدرى منه وأطرافه ترتجف من الحنق وقال بصوت مخنوق بالغضب:
ما أبغضك حين تتظاهر بالحكمة.
فحدجه همام بنظرة احتكار دون أن ينبس، فعاد الآخر يقول:
يجب أن تخجل الحياة لانتسابك إليها.
فلم يغض همام من بصره تحت النظرات المتقدة التى تنصب عليه وقال بثبات:
اعلم أننى لا أخافك.
هل وعدك البلطجى الأكبر بالخيانة؟
إن الغضب يجعل منك شيئا حقيرا تافه النفس.
وفجأة لطمه قدرى على وجهه. لم تدهمه اللطمة فردها بأشد منها وهو يقول:
لا تتماد فى جنونك.
نجيب محفوظ
 
وانحنى قدرى بسرعة فالتقط حجرا وقذف به أخاه بكل ما أوتى من قوة. وبادر همام ليتفادى من الحجر ولكنه أصاب جبهته. بدت عنه آهة وجمد فى موقعه والغضب يشتعل فى عينيه. وإذا بالغضب يختفى منهما فجأة كأنه شعلة ردمت بتراب كثيف. وإذا فراغ قاتم يحل فيهما فبدت العينان وكأنهما تنظران إلى الداخل. وترنح ثم انكفأ على وجهه.
وتبدل قدرى حالا بعد حال، فزايله الغضب، وتركه حديدا باردا بعد انصهار، وركبه الخوف. ترقب بلهفة أن ينهض المنكفئ وأن يتحرك ولكنه لم يرحم لهفته. وانحنى فوقه، ومد يده يهزه فى رفق ولكنه لم يستجب. وسواه على ظهره ليخلص أنفه وفاه من الرمال فاستلقى الآخر محملق العينين ولا حراك فيه، وركع قدرى إلى جانبه، وراح يهزه، ويدلك صدره ويديه، وينظر بفزع إلى الدم المتدفق بغزارة من جرحه. وناداه برجاء فلم يجب. وبدا صمته كثيفا عميقا كأنه جزء لا يتجزأ من كيانه. كجموده الذى بدا غريبا عن الحى والجماد معا. لا إحساس ولا انفعال ولا اهتمام بشىء. كأنما ألقى إلى الأرض من مكان مجهول فلم يمت إليها بسبب. 
عرف قدرى الموت بفطرته فراح يشد شعر رأسه فى يأس. ونظر فيما حوله خائفا، ولكن لم يكن هناك من حى إلا الأغنام والحشرات. وجميعا انصرفت عنه دون اكتراث. 
 
هابيل وقابيل
 
سينتشر الليل ويستحكم الظلام. وقام بعزم، فجاء بعصاه واتجه إلى موضع بين الصخرة الكبيرة وبين الجبل، وراح يحفر الأرض ويرفع التراب بيديه، ويواصل العمل بعناد، وهو يتصبب عرقا وترتجف منه الأوصال. وهرع على أسفل ساقيه وجره حتى أودعه الحفرة، وألقى نظرة وهو يتنهد، وتردد مليا، ثم أهال عليه التراب. ووقف يجفف عرق وجهه بكم جلبابه. وكلما رأى بقعة دم فى الرمال عطاها بالتراب. وارتمى على الأرض من شدة الإعياء. وشعر بقوته تتخلى عنه، وبرغبة فى البكاء، ولكن الدموع استعصت عليه وقال "غلبنى الموت".
 
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

لافروف حول قمة ألاسكا: موقفنا واضح وسنعلنه ونعول على حوار بناء

ليفربول يبدأ رحلة الدفاع عن لقب الدوري الإنجليزي ضد بورنموث الليلة

الأهلى يبحث عن تصحيح المسار الليلة أمام فاركو بالدوري المصري

24 عاما على أصحاب ولا بيزنس.. إضافة الانتفاضة الفلسطينية بعد التأثر بالحلم العربى

معلومات عن مباراة الأهلى وفاركو اليوم الجمعة فى الدورى المصرى


غدا.. النقل تبدأ برنامج التدريب المجانى لتأهيل سائقى الأتوبيسات والنقل الثقيل

مفتى الجمهورية: إسرائيل الكبرى أكذوبة لا أساس لها وخرافة قديمة يعاد إحياؤها

محمد عباس مايو حكما لمباراة الزمالك والمقاولون بالدورى

محمد صلاح يتصدر تشكيل فانتازى الدورى الإنجليزى للجولة الأولى وغياب مرموش

حبس المتهمين بمطاردة سيارة فتيات على طريق الواحات 4 أيام


الأزهر: المسجد الأقصى لن يكون لقمة سائغة والحق سيعود لأهله والباطل إلى زوال

جدول ترتيب الدورى الممتاز الخميس 14 أغسطس 2025.. المصرى يتصدر

سنة دون مبرر.. غلق الوحدة السكنية يوجب إخلاءها فى قانون الإيجار القديم

بيراميدز يهزم الإسماعيلي ويحصد أول فوز بالدورى فى مباراة البطاقات الحمراء

مروان حمدى يسجل الهدف الأول لبيراميدز أمام الإسماعيلى وطرد يورتشيتش وتوريه

كاسيميرو: محمد صلاح الأجدر بالكرة الذهبية 2025

مواعيد عرض "بتوقيت 2028" ثانى حكايات مسلسل ما تراه ليس كما يبدو

يورونيوز: زيلينسكى وقادة أوروبيون ينضمون للقمة الثنائية بين بوتين وترامب فى ألاسكا

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى