ليبرالية غربية بـ"نكهة" شعبوية

بيشوى رمزى
بيشوى رمزى
بقلم بيشوى رمزى
حالة من الارتباك تبدو مهيمنة على الساحة السياسية الدولية في الآونة الأخيرة جراء العديد من المستجدات التي طغت بصورة كبيرة على السياسة أو المجتمعات، في الغرب، سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة، فالتيارات اليمينية، والمعروفة بشعبويتها، وجدت لنفسها مقاعد متقدمة في السلطة على حساب الليبراليين الذين سيطروا على مقاليد الأمور لعقود طويلة، بينما جاء فيروس كورونا، والذى أثار هلعا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ليضفى أبعادا جديدة للخطاب السياسى الراهن، في ظل حالة الاستقطاب التي شهدتها المجتمعات تجاه السياسات التي تبنتها الدول، والتي اعتمدت الإغلاق باعتباره وسيلة الحد من تفشى الوباء، وسط حالة من الاستياء من جانب قطاع كبير من المواطنين بسبب انقطاع مصادر أرزاقهم.
الارتباك بين أنصار الليبرالية والشعبوية تجلى في أبهى صوره في الخطاب الذى تبنته العديد من الدول حول العالم، تجاه العديد من القضايا التي كانت في الأمس القريب من المسلمات، فالحديث عن التصدي للمهاجرين، والذى كان جديدا إلى حد كبير في الأوساط السياسية الغربية بعد بزوغ نجم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أصبح بعدا مهما، وإن كان على استحياء، في الخطاب الليبرالى، وهو ما يبدو في إجراءات مكافحة كورونا، وهو ما قد يفتح الباب أمام قيود أوسع في المستقبل القريب أمام دخول القادمين من الخارج، في العديد من دول أوروبا الغربية.
 
ولعل المخاوف التي ارتبطت بتفشى الفيروس القاتل كانت بمثابة مدخلا مهما لتغير الخطاب الليبرالى وتوجيهه نحو المزيد من الشعبوية، ولو مرحليا، في إطار المعركة القائمة في الوقت الراهن مع اليمين المتطرف، والذى تتزايد شعبيته بصورة أكبر، إلا أنها تجاوزت في الكثير من الأحيان، الظرف الصحى الطارئ، لتمتد إلى مناطق أخرى، كانت محظورة في السنوات الماضية، على غرار الديمقراطية وحقوق الإنسان، بل وامتدت إلى السياسات الخارجية التي تتبناها الدول، في إطار مغازلة شعوب الدول الأخرى، بعيدا عن القنوات الرسمية والدبلوماسية المتعارف عليها.
 
فلو نظرنا إلى النموذج الفرنسي، نجد أن خطاب الرئيس إيمانويل ماكرون، والمعروف بتوجهه الليبرالى، في الآونة الأخيرة، على سبيل المثال، سواء في الداخل الفرنسي، أو الخارج، قد طغى عليه نهجا شعبويا، ربما بدا واضحا في التعامل مع أزمة لبنان الأخيرة، من منظور "شعبوى" أكثر منه دبلوماسي، والتي بلغت ذروتها بانفجار مرفأ بيروت، في أغسطس الماضى، عبر التواصل مباشرة مع المواطنين الغاضبين في العاصمة، إبان زيارته الأولى، ثم توسيع دائرة التواصل، بعيدا عن السياسة، في زيارته الثانية، عبر عقد اللقاءات مع الفنانين، والمثقفين، في بلاد "الأرز"، وعلى رأسهم لقائه بالسيدة فيروز في منزلها، في مشهد يبدو جديدا على الطبيعة الدبلوماسية في العلاقات الدولية.
 
وحتى التوجه الأوروبى لماكرون، لا يخلو من جانبا شعبويا، وهو ما يبدو في محاولة الحصول على قيادة التكتل القارى، خلفا لألمانيا، وهو ما يحمل في طياته رغبة في الصعود بالدور الفرنسي، والعودة إلى سابق العهد كقوى دولية وقارية، يمكنها المزاحمة على قمة المشهد الدولى، بعد سنوات من التراجع، مما يعكس رغبة القيادة الفرنسية بالعودة ببلادها إلى مكانتها الأصلية.
 
وفى هذا الإطار، لا يبدو الخطاب الداخلى بعيدا عن التوجه الفرنسي الجديد، الذي بات يحمل مزيجا بين الليبرالية الغربية، والخطابات الشعبوية، وهو ما يبدو في دعوته لما يمكننا تسميته بـ"تنقيح" المهاجرين، بحيث تقوم السلطات باستبعاد من أسماهم بـ"المهاجرين السريين"، بينما يبقى قبول القادمين إلى الأراضى الفرنسية مرهونا بالاندماج مع المجتمع من خلال تأهيلهم، وهو ما يساهم جزئيا في الحد من الظاهرة، بالإضافة إلى تهدئة مخاوف الفرنسيين من التهديدات، سواء اقتصاديا أو أمنيا، والتي قد تفرضها سياسة "الحدود المفتوحة"، والتي طالما تبناها الغرب الأوروبى لعقود بذرائع حقوقية تطغى عليها الاعتبارات السياسية.
 
وهنا يمكننا القول بأن التيارات الليبرالية تسعى في الآونة الأخيرة إلى تغيير لهجتها، حيث تسعى إلى إضفاء "نكهة" شعبوية، على الخطاب الذى تتبناه من أجل تحقيق المزيد من القبول، ومجابهة صعود اليمين، الذى تتصاعد شعبيته يوما بعد يوم.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

مدرب فلوميننسى بعد السقوط ضد تشيلسى: نغادر مونديال الأندية مرفوعى الرأس

ارتفاع درجات الحرارة ينشر الفوضى فى أوروبا.. عواصف وفيضانات فى إيطاليا وتأجيل 13 رحلة جوية بعد موجة حر شديدة.. والأسماك النافقة تتسبب فى انسداد نهر فى التشيك.. واندلاع الحرائق فى عدد من الدول

وزيرا الثقافة والخارجية فى افتتاح "الملك لير" على المسرح القومى.. صور

هدوء ما قبل الإعلان.. آخر تطورات نتيجة الدبلومات الفنية 2025

إنبى يقترب من التعاقد مع مهاجم طنطا فى الميركاتو الصيفى


ترك أعمالا مميزة واعتزل التمثيل فى الستينيات.. ذكرى ميلاد حسين صدقى

فلومينينسى ضد تشيلسى.. المتألق بيدرو يضيف الثانى للبلوز 0-2.. "فيديو"

كيف أنقذت مصر نفسها من كارثة بيولوجية بعد إحباط تهريب 300 كائن حى نادر فى مطار القاهرة؟.. الأنواع المضبوطة شديدة الخطورة وتنشر أمراض وفيروسات وبكتيريا غريبة لا نملك أمصال لها.. وتسبب خسائر فى الثروة الحيوانية

رئيس المخابرات الفرنسية: تقييم أولي يفيد بتضرر كل مكونات البرنامج النووي الإيراني

السجن 10 سنوات لـ7 متهمين بدفن شاب حيا داخل ماسورة مياه فى المحلة


فلومينينسي ضد تشيلسي.. التشكيل الرسمي لنصف نهائي كأس العالم للاندية

الإنتاج يتعاقد مع ثنائى الترسانة لتدعيم صفوفه فى الميركاتو الصيفى

بالتزامن مع الانتخابات البرلمانية.. مصر تُحصّن مستقبلها الديمقراطي بذاكرة شعب لا ينسى تجارب الوجع.. كيف استغلت الجماعة الإرهابية الدين للوصول إلى الحكم؟.. ووعى المصريين كشف خدعة "الإسلام هو الحل"

محافظة القاهرة: تركيب 4 كبائن أمام سنترال رمسيس لربطها بالسنترالات المجاورة

7 أخبار رياضية لا تفوتك اليوم

جو هيل يكشف تفاصيل مثيرة عن أحداث فيلم The Black Phone2 قبل طرحه

الطقس غدا شديد الحرارة وشبورة ورطوبة والعظمى بالقاهرة 36 درجة

المواعيد المتبقية لإجراءات مجلس الشيوخ وفقًا للجدول الزمنى للانتخابات

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى