اقرأ مع جواد على.. "المفصل فى تاريخ العرب" علينا الشك فى المؤرخين العرب

المفصل فى تاريخ العرب
المفصل فى تاريخ العرب
كتب أحمد إبراهيم الشريف
كيف نتعامل مع الروايات التى تذكرها الكتب العربية عن العصر الجاهلى؟ هذا ما يناقشه المفكر الكبير جواد على (1907- 1987) فى كتابه المهم "المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام"، فيتناول المصادر التى تشكلت منها صورة العصر الجاهلى ومنها ما كتبه "المؤرخون المسلمون".
 
ويقول جواد على، لا نتمكن من الاطمئنان إلى هذه الأخبار والروايات المدونة فى الموارد الإسلامية عن الجاهلية، إلا إذا وقفنا بها إلى حدود القرن السادس للميلاد أو القرن الخامس على أكثر تقدير، أما ما روى على أنه فوق ذلك، فإننا لا نتمكن من الاطمئنان إليه، لأنه لم يرد به سند مدون، ولم يؤخذ من نصّ مكتوب، وإنما أخذ من أفواه الرجال، ولا يؤتمن على مثل هذا النوع من الرواية، لأننا حتى إذا سلمنا أن رواة تلك الأخبار كانوا منزهين عن الميول والعواطف، وأنهم كانوا صدوقين فى كل ما رووا، وكانوا أصحاب ملكة حسنة ذات قدرة فى النقد وفى التمييز بين الصحيح والفاسد؛ فإننا لا نتمكن من أن نسلم أن فى استطاعة الذاكرة أن تحافظ على صفاء الرواية وأن تروى القصة وما فيها من كلام وحديث بالنص والحرف حقبة طويلة. 
 
لذا وجب علينا الحذر فى الاعتماد على هذه الموارد وتمحيص هذا المدون الوارد، وإن تكاثر واشتهر وتواتر، فقد كان من عادة رواة الأخبار رواية الخبر الواحد دون الإشارة إلى منبعه، ويُتداول فى الكتب، فيظهر وكأنه من النوع المتواتر فى حين أنه من الأخبار الآحاد فى الأصل.
 
ولا أدرى كيف يمكن الاطمئنان إلى نصّ قصة طويلة فيها كلام وحوار أو قصيدة طويلة زعم أن التبع فلانًا نظمها، فى حين أننا نعلم أن الذاكرة لا يمكن أن تحفظ نصًّا بالحرف الواحد إذا لم يكن مدوّنًا مكتوبا، ولهذا جوّز أهل الحديث رواية حديث الرسول بالمعنى، إذا تعذرت روايته بالنص، ولا أعتقد أن عناية العرب المسلمين بحديث رسول الله كانت أقل من عنايتهم برواية ما جرى مثلًا بين النعمان بن المنذر وبين كسرى من كلام، أو من رواية ذلك الكلام المنمق، والحديث الطويل العذب، الذى جرى بين وفد النعمان الذى اختاره من خيرة ألسنة القبائل المعروفة بالكلام، وبين كسرى المذكور.
 
ومن هذا القبيل نصوص المفاخرات والمنافرات، فإن مجال لعب العاطفة فيها واسع رحيب. وكذلك كل الأخبار والروايات النابعة عن الخصومات والمنافسات بين القبائل أو الأشخاص، فإن الوضع والافتعال فيها شائع كثير، ولا مجال للكلام عليه فى هذا الموضع؛ لأنه يخرجنا من حدود التأريخ الجاهلي، إلى موضوع آخر، هو نقد الروايات والأخبار والرواة، وهو خارج عن هذا الموضوع.
لقد تحدث أهل الأخبار عن عاد وثمود وطسم وجديس وجُرْهُم وغيرهم من الأمم البائدة، وتكلموا على المبانى "العادية" وعن جنّ سليمان وأسلحة سليمان، ورووا شعرًا ونثرًا نسبوه إلى الأمم المذكورة وإلى التبابعة، بل نسبوا شعرا إلى آدم، زعموا أنه قاله حين حزن على ولده وأسف على فقده، ونسبوا شعرًا إلى "إبليس"، قالوا إنه نظمه فى الردّ على شعر "آدم" المذكور، وأنه أسمعه "آدم" بصوته دون أن يراه1. ورووا أشياء أخرى كثيرة من هذا القبيل.
ولكن هل يمكن الاطمئنان إلى قصص كهذا يرجع أهل الأخبار زمانه إلى مئات من السنين قبل الإسلام، وإلى أكثر من ذلك، ونحن نعلم، بتجاربنا معهم، أن ذاكرتهم اختلفت فى أمور وقعت قبيل الإسلام، واضطربت فى تذكر حوادث حدثت فى السنين الأولى من الإسلام. 
 
كيف يمكننا الاطمئنان إلى ما ذكروه عن التبابعة وعن أناس زعموا أنهم عاشوا دهرًا طويلًا قبل الإسلام، ونحن نعلم من كتابات المسند ومن المؤلفات اليونانية والسريانية، أنهم لم يكونوا على ما ذكروه عنهم، وأنهم عاشوا فى أيام لم تبعد بعدًا كبيرًا عن الإسلام، وأنهم كانوا يكتبون بالمسند وبلسان يختلف عن هذا اللسان الذى نزل به القرآن. 
ثم خذ ما ذكروه عن حملة "أبرهة" على مكة وعن أبرهة نفسه، وعن "أبى رغال"، وعن حادث نجران وذى نواس، وعن خراب سدّ مأرب، وعن أمثال ذلك من حوادث وأشخاص سيرد الكلام عليها فى أجزاء هذا الكتاب، تجد أن ما ذكروه عنها وعنهم يتحدث بجلاء وبكل وضوح عن جهل بالواقع وعن عدم فهم لما وقع، وعن عدم إدراك للزمان والمكان، وعن عدم معرفة بالأشخاص. فرفعوا تواريخ بعض تلك الحوادث إلى مئات من السنين، وخلطوا فى بعض منها، وفى كل ذلك دلالة على أن ما حفظته الذاكرة، لم يكن نقيًا خالصًا من الشوائب، وأن الذاكرة لا يمكن أن تحافظ على ما تحفظه أمدًا طويلًا وأن آفات النسيان وتلاعب الزمان بالحفظ لا بد أن يغيّر من طبائع المحفوظ.

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

أسباب تأخر قرار لجنة التظلمات باتحاد الكرة في أزمة مباراة القمة

وهبي يعلن تشكيل المغرب لمواجهة منتخب الشباب في أمم أفريقيا

مؤمن شريف يقود هجوم منتخب الشباب أمام المغرب بنصف نهائي أمم أفريقيا

موعد مباراة الأهلي والبنك الأهلي في دوري nile والقنوات الناقلة

منافس الأهلي.. إنتر ميامي يجدد عقد جوردي ألبا حتى 2027


رابطة الأندية تقدم حيثيات قراريها بخصم 3 و6 نقاط للجنة التظلمات

أسرة عبد الحليم حافظ تفرج غدا عن وثيقة تكشف حقيقة زواج العندليب

الصحة العالمية: فيروس كورونا يواصل التطور منذ ظهوره مع حدوث تغييرات جينية

مسئولو شركة أنجلو جولد أشانتى: السكرى أحد أكبر 20 منجما على مستوى العالم

صبحى وعبد المجيد وكهربا يرفعون شعار "النجم تلميذ"


حماس: نتوقع دخول المساعدات إلى غزة فورا وفق التفاهمات الأمريكية

أنيس بوجلبان يستعين بالأهلي لاستكشاف سيراميكا قبل مواجهة الدوري

رئيس الوزراء يزور منجم السكرى ويُشاهد أعمال التعدين تحت الأرض

كم يبلغ ثمن قلم "مونت بلانك" هدية تميم لترامب؟

وزير الصحة يفتح تحقيق عاجل فى وفاة طفلة تأخرت عليها سيارة الإسعاف

رفع الحد الأقصى لسن المتقدم بمسابقة معلم مساعد من معلمى الحصة حتى 45 عامًا

أزمة مباراة القمة.. التظلمات تستمع لأقوال رئيس لجنة المسابقات قبل إصدار القرار

10 محطات رئيسية لقطار مشروع قانون الإيجار القديم.. ينطلق بحكم تاريخى من المحكمة الدستورية.. الحكومة تتقدم لمجلس النواب بمشروع قانون.. المجلس يجرى حوارا مجتمعيا.. ويوجه رسائل طمأنة: لن ننحاز للمالك أو المستأجر

قرار هام من وزير التربية والتعليم لمعلمى الحصة بعد قليل

مصرع شاب وإصابة 6 آخرين فى حادث تصادم سيارتين بقنا

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى