وائل السمري يكتب.. زهرة المدائن اليتيمة في اليوتيوب.. مشاهدات أغنية فيروز العظيمة بضعة آلاف بينما يحصد شاكوش وشركاه مئات الملايين.. يحتل الفضاء الإلكترونى شعب آخر لم ترحل عيونه إلى القدس ولم ينتفض بالغضب الساطع

فيروز
فيروز

لسحبة تلك الكمنجات في الروح قشعريرة، لنفير تلك الآلات النحاسية في القلب زلزال، كنا نسمعها فنسكن ونخاف، كنا نسمعها فنصاب بالإحباط، ونصاب بالأمل، ونصاب بالنشوة ونصاب بالدمع.

 

كان صوت فيروز بالنسبة لنا هو "المرشد" يأخذ أوراحنا من يدها، يؤذن في قلوبنا، فننجذب إليه، نطير نطير ولا نسكت، نطير نطير ولا نعود، يسري بنا ليلا، يسري فينا نهارا، يمر بنا على "الشوارع.. شوارع القدس العتيقة" فنرى أنفسنا سحابة في سماء القدس مرة، ونقشا على أحد أحجارها مرة أخرى، يحكي لنا حكاية الطفل في المغارة وأمه مريم، فنبكي من شدة الإيمان، ونبكي من شدة الشجن، وحينما يأتي الغضب الساطع نكون قد امتلأنا بحب مدينة الحب، نتحول إلى جيوش من العشاق، نحمل أوراحنا التي تسامت وأعمارنا التي هانت على أكتافنا، بتلك القوة، نستطيع أن نهزم ألف جيش من "الأقدام الهمجية"

bbdac206-01bf-46fa-a49f-f1c1fd48b503

مازلت أذكر هذا "الشريط" الذي كان يباع في البوتيكات مثله مثل احتياجاتنا اليومية، مازلت أذكر لونه الأزرق الباهت، وعيون فيروز على غلافه تعلمنا كيف يكون الغموض واضحا وبليغا.

 

"نخبة أجمل أغاني فيروز" كان هذا هو اسمه، وقت أن كانت منتخبات الأغاني تضم فيما تضم أغنيات وطنية بلغة عربية وفرق موسيقية أوركسترالية، لم نكن نعلم وقتها مقدار النعمة التي ننعم بها، فقد كان الله يمن علينا بفن حقيقي، وقضية حقيقية، كنا ننعم معرفة الأسود من الأبيض، وكنا نعرف العدو من الحبيب.

 

كان الشريط مليئا بالأغاني الأشهر لفيروز، حنا السكران بصخبة وكوميديته، شادي الغريب الذي ضاع بعد أن حفر في قلوبنا اسمه، مختار المخاتير الذي لم نكن وقتها نعرف معنى اسمه ولا فحوى الحكاية التي تحكيها له فيروز، وغير ذلك من أغنيات رقيقة جميلة، لكن لزهرة المدائن في قلب هذا "الشريط" مكانة لا تقارن وشعور لا يوصف.

8aedd3b8-29c1-49ab-b61c-ba8fcd8278fa

الآن أنظر إلى تلك الأغنية العظيمة على موقع اليوتيوب فأجدها يتيمة وحيدة مهجورة، غريبة يا أغنية مشاهدات أغنية فيروز على الموقع الشهير بضعة آلاف بينما يحصد شاكوش وشركاه مئات الملايين "زهرة المدائن" تماما كما هي "زهرة المدائن" غريبة، فقيرة هزيلة، لا تجد من المشاهدين سوى بضعة آلاف بينما ما دون دون دونها ينعم بمئات الملايين من المشاهدات، شعب "زهرة المدائن" صار منفيا إلى مغارات الكاسيت، وغياهب الذكريات، بينما يحتل الفضاء الإليكتروني شعب آخر، لم ترحل عيونه إلى القدس مرة، ولم ير من دافعوا واستشهدوا في المداخل.

 

الآن أدرك ذات الشعور الذي كان يشعر به الشعراء القدامى الذي أنشدوا على "أطلال الحبيبة" أعظم القصائد وأعذبها، كان الشاعر يقطع الصحراء بحثا عن محبوبته، وحينما يصل إلى موقع خيمتها يفاجئ بأنها رحلت مع أهلها بحثا عن الأمن أو المأوى أو سبل الحياة، فيجلس  على أطلال بيتها يأتنس بحجر كانت تجلس عليه وهي توقد النار، أو بوتد خيمة غمرته الرمال، ويبكي من حرقة الفراق وألم الخواء الذي يعصف به، والآن أمر على أطلال زمن عشته وأنغام تجرعتها وأحلام كنت على أتم الاستعداد للموت في سبيل تحقيقها، فلا أجد إلا الرماد.

 

لو كان ما غنت له فيروز وهما فما أجمله من وهم، وإن كان ما غنت له فيروز حقيقة فما أتعسنا من جيل، ما أبشعنا من جيل، فالجيل القديم صنع لنا قضية نعيش من أجلها وصنع لنا فنا يوصل لنا تلك القضية على أكمل وجه، والجيل الجديد لا يعرف شيئا عن القضية ولا يعلم شيئا عن الفن، أما نحن فقد وقعنا في فخ ووقعنا من الذاكرة ووقعت منا ذاكرتنا وأصبحنا نرى ولا نحس، ونسمع ولا نشعر.

 

 

 
 

 

 

 

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

الكرملين: موسكو تأمل أن تُحدد مواعيد الجولة الثالثة من المفاوضات مع كييف

زى النهارده.. محمد صلاح يقود الفراعنة للفوز على أوغندا فى أمم أفريقيا

4 رسائل مؤثرة فى وداع نجوم تونس والجزائر لجماهير الدوري المصري

رامى إمام يحتفل بعقد قران ابنه حفيد الزعيم عادل إمام

جوارديولا يشيد بالهلال وإنزاجى ويتحدث عن إمكانية تأجيل المباراة


صفقات الأهلى فى الميزان بعد المونديال.. زيزو يلمع وبن رمضان يبدع وتريزيجيه تحت الضغط

إخماد حريق داخل شقة سكنية فى مصر الجديدة دون إصابات.. صور

زى النهارده.. الأهلي يعلن تعيين سواريز مديراً فنياً خلفاً لـ موسيمانى

إنزاجى: مان سيتى أقوى فريق فى العالم.. وهدفنا تقديم أفضل أداء ممكن

بايرن ميونخ يكتسح فلامنجو ويواجه باريس فى ربع نهائى كأس العالم للأندية.. فيديو


مولودين من 48 ساعة.. مسعد ويحيى أصغر أسدين فى حديقة حيوان بنى سويف "فيديو"

الأهلى يدرس التراجع عن ضم أحمد عيد والتمسك ببقاء عمر كمال

تفاصيل التحقيق مع متهم بتجارة العملة خارج نطاق السوق المصرفية

وزير الخارجية يزف بشرى للمصريين بالخارج: بحث تجديد مبادرة استيراد السيارات

مصرع سيدة سقط عليها ونش أثناء تواجده داخل سيارته فى طريق الأوتوستراد.. صور

هيئة التأمين الاجتماعى: صرف المعاشات بالزيادة لـ11.5 مليون مواطن بعد غد

الأهلي يتفق مع رضا سليم على تسديد راتبه خلال "الإعارة"

"اليوم السابع" يرصد بدء الأعمال لمشروع توسعة كورنيش الإسكندرية.. تطوير محور محمد نجيب بطول 600 متر.. إنشاء كوبري عند تقاطع المحور مع طريق جمال عبد الناصر.. والمحافظة تعلن عن 3 طرق بديلة.. صور وفيديو

"كهنوت المرأة ابتداع فى الدين".. رؤية متكاملة تجمع تعاليم الكتاب المقدس بالفكر الأرثوذكسي.. السيدة العذراء صاحبة النموذج فى الخدمة الهادئة.. وهذا دور المرأة المناسب بالكنيسة وأسباب اقتصار الكهنوت على الرجال

أخبار مصر.. الطقس غدا شديد الحرارة ورطوبة عالية والعظمى بالقاهرة 37 درجة

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى