أحمد حسن عوض يكتب: الشعر والمعرفة

أحمد حسسن عوض
أحمد حسسن عوض
هل بوسعنا أن نستخلص معرفة من الشعراء أو معلومات من القصائد كتلك التى نلتقطها من وسائل الإعلام أو مقالات الصحف؟ قد يصدق هذا الأمر على كثير من نماذج الشعر القديم، حين كان الشاعر يقوم بدور المؤرّخ التابع للأمير أو القائد المنتصر أو يؤدّى دور وزير الإعلام الذى يتحدّث عن أحداث عصره، وهو تصورٌ ظلّ مهيمنًا على الشعر العربى حتى مطالع القرن العشرين، لا سيّما فى نتاج المدرسة الكلاسيكيّة الجديدة وشعرائها الكبار، البارودى وشوقى وحافظ الذين حاولوا فى عدد من قصائدهم أن يرتقوا بالحوادث التاريخيّة، وما يرتبط بها من معلومات إلى التّأمل فى جوهر تلك اللحظات لاستخراج العبرة أو العظة الأخلاقيّة وكأنّها حكمة الزمن المقطّرة بخبرة السنوات.
 
وربما استنفرت تلك الصياغات التى تقدّم المعرفة فى إطار الحكمة شعراء آخرين مثل الرصافى والزهاوى والعقّاد، فخطوا خطوات أكثر اتساعًا، وأقبلوا فى بعض قصائدهم على صياغة الأفكار والنظريات الشائعة فى حقول الفلسفة صياغة باردة تخلو من وهج الشعر وإشعاعه الفاتن ممّا اضطرهم أحيانًا إلى تقديم شروح نثريّة فى هوامش قصائدهم لإحساسهم بعجز نظمهم الشعرى عن تجسيد أفكارهم المعرفيّة.
 
ومن ثمّ لم يُكتب لتلك المحاولات أن تزدهر أو تتطوّر فى مسيرة الشعر العربي. وتربّعت العاطفة على عرش الشعر مرة أخرى عبر نتاج شعراء جماعة أبولو الذين هاموا فى فضاءات الوجدان والخيال، وانهمكوا فى صنع ألوان شعريّة مفارقة لما قد يتراءى لهم من معارف شائعة أو حقائق مبتذلة، إلى أن ازدهر تيّار شعر التفعيلة وأعاد بعض روّاده التّأمل مرة أخرى فى علاقة الشعر بالمعرفة، وأصبحت علاقة الشّاعر بالفكر كما يقول صلاح عبد الصبور"لا تنبع من إدراكه لبعض القضايا الفكريّة بل من اتّخاذه موقفًا سلوكيًا وحياتيًا من هذه القضايا بحيث يتمثّل هذه الأفكار بشكل عفوي... لتتحوّل فى نفسه إلى رؤى وصور كما يتمثّل النبات ضوء الشمس ليتحوّل إلى خضرة مُظللة وزاهية. فالشاعر لا يعرض آراء، ولكنّه يقدّم رؤية".
 
وهو تصوّرٌ يعكس أصداء التفاعل مع أفكار الشعراء الكبار أصحاب الحضور الراسخ فى مشهد الشعر العالمى مثل مالارميه الذى كان يرى أنّ الشعر يُصنع من الكلمات لا الأفكار، وإليوت الذى كان يقول بإنّ الشعر يقدّم الجانب الحسّى للمعرفة وليس الجانب العقلانى لها، لذلك فقد ظلّت تأثيرات ذلك التّصور الشعرى وغيره من الأفكار المشابهة ممتدة فى مشهدنا الشعرى العربى حتى لحظتنا الراهنة وإن تجلّت بمظاهر متعددة فى الشعر التفعيلى وقصيدة النثر بحسب رؤية كل شاعر ومزاجه الإبداعي، فى حين خفتت الأصوات التى كانت تنادى بأن يعبّر الشعر عن أفكار المذاهب السياسيّة، أو ينخرط فى صياغة القضايا الكبرى بطريقة تلائم وعى الجماهير. 
 
 
ولعلّ فى تحولات محمود درويش الأخيرة أكبر دليل على أنّ المعرفة السياسيّة أو غيرها من المعارف قد انصهرت فى أتونٍ واحد مع تجارب الشاعر وتفاعلاته اليوميّة وانفعاله بالفنون الأخرى لتخرج لنا قصيدة حديثة تعانقت فيها التّجارب الحيّة بالتجارب الثقافيّة فأنتجت رؤية شعريّة لا رأيًا سياسيًا.
إذ لم يعد الشاعر الحقيقى فى عصرنا الراهن شاعر السياق العام الذى يشبه الصحفى فى كتابة التصورات الراهنة أو نظم المعارف المتاحة أو حتى الجديدة.
 
ولم يعد أيضًا ذلك الحكيم الفيلسوف الذى ينطق بالحكمة أينما حلّ أو ارتحل، وإنّما أصبح إنسانًا بسيطًا لا يدّعى "معرفة" بقدر ما يقدّم "تجربة" يطرحها أحيانًا فى إطار من التشكك أو التواضع الذى كان ينشده أبو العلاء المعرّى فى بيته الخالد:
إذا قلت المحال رفعتُ صوتي
وإن قلت اليقين أطلتُ همسي
ليتلاقى ذلك الهمس العميق مع صوت الشاعر الحديث الذى يعيش لحظته بيقظة ويكتب قصيدته بوعى مغاير يكشف عن معرفة نوعيّة تجعلنا نطلّ على العالم بعين قادرةٍ على الدهشة من جديد.
 

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

"ليلة التتويج".. موعد آخر ظهور للأهلى وبيراميدز فى الجولة الأخيرة للدوري

طليقها يطالب برؤية الطفل.. 6 معلومات عن دعوى رؤية نجل جورى بكر

الصلح خير.. 5 دعاوى مشاهير تنتهي بالتصالح.. آخرهم راندا البحيري

وزارة التعليم: 4 سنوات سن التقدم لـ"kg1" بالمدارس الرسمية للغات لعام 2026

رابط معرفة رقم الجلوس ولجنة الامتحان لطلبة الدبلومات الفنية 2025


موعد مباراة الزمالك وبتروجت فى الدورى المصرى والقناة الناقلة

آخر موعد للتقديم 29 مايو.. اعرف شروط الالتحاق بوظائف مكتبة الإسكندرية

نجل عبد الرحمن أبو زهرة لليوم السابع: مكالمة الرئيس السيسي لوالدي ليست الأولى وشكلت فارقا كبيرا في حالته النفسية.. ويؤكد: لفتة إنسانية جعلت والدي يشعر بالامتنان.. والرئيس وصفه بالأيقونة

نجل عبد الرحمن أبو زهرة: الرئيس السيسى أثنى فى مكالمته على والدى ووصفه بالأيقونة

محمد صلاح يقترب من تحقيق أرقام قياسية جديدة في الدوري الإنجليزي


ثروت سويلم: الأهلى أبلغنا بصعوبة إقامة دورى بدون الإسماعيلى

حالة الطقس المتوقعة اليوم الإثنين 19 مايو 2025 فى مصر

درجات الحرارة المتوقعة اليوم الإثنين 19 مايو 2025 فى مصر

إنتر ميلان يقع فى فخ التعادل ضد لاتسيو ويؤجل حسم لقب الدورى الإيطالى

جنوب أفريقيا يهزم المغرب (1 – 0) ويتوج بكأس أفريقيا للشباب للمرة الأولى

برشلونة بطل الدورى الإسبانى يخسر أمام فياريال 3-2.. فيديو

بعد إلغاء الهبوط بالإجماع.. تعرف على شكل الدوري الموسم المقبل

هل يعود سعد الصغير لخلف القضبان من جديد بسبب أغنية الأسد؟.. تفاصيل

الأهلى يهزم الترجى التونسى فى بطولة الكؤوس الأفريقية لكرة اليد

تاتيانا بوكان تعلن رحيلها عن طائرة سيدات الأهلي

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى