عبد الوهاب عيساوى: التاريخ العربى ينصف المنتصر والكتابة عن الماضى رؤية للحاضر

الروائى الجزائرى عبد الوهاب عيساوى الفائز بالبوكر 2020
الروائى الجزائرى عبد الوهاب عيساوى الفائز بالبوكر 2020
كتب محمد عبد الرحمن
نشر الموقع الرسمي للجائزة العالمية للرواية العربية، حوارا مع الروائى الجزائى عبد الوهاب عيساوى، والفائز بجائزة البوكر العربية لعام 2020، عن روايته "الديوان الإسبراطى"، وهو أول روائى جزائرى يفوز بالجائزة.
 
وترشح في القائمة القصيرة للجائزة لهذا العام، "التانكى" عالية ممدوح من العراق، "فوردقان" يوسف زيدان من مصر، "حطب سرايفو" سعيد خطيبى من الجزائر، "ملك الهند" جبور الدويهى من لبنان، "الحى الروسى" خليل الرز، "الديوان الإسبارطى" عبد الوهاب عيساوى من الجزائر. 
 
وإلى نص الحوار:
 

س/ أين كنت وقت الإعلان عن القائمة القصيرة للجائزة؟ وماذا كان رد فعلك؟

كنت أتابع البث المباشر للجائزة، ثم انقطع النت فجأة، وعرفتُ أن اسمي في القائمة القصيرة من صديق على الفيسبوك، طبعا كان خبرا سارا.
 

س/ حدثنا عن البحث الذي قمت به من أجل كتابة "الديوان الإسبرطي". هل عثرت على حقائق أم شخصيات فاجأتك؟

على غرار الروايات الأخرى، تفرضُ الرواية التاريخية بحثا معمقا، وشحنا مطالعاتيا كبيرا، وقد بلغت المراجع التي اطّلعت عليها سبعين كتابا، تاريخية وأدبية، ورحلات، وتقارير عسكرية، كلها انصبّت على فترة ما قبل الاستعمار وما بعدها بسنوات، كل ذلك من أجل قراءة الجو العام الذي رافق الأحداث التي تناولتها الرواية. بالتأكيد عثرت على الكثير من الحقائق التاريخية التي غيّبها التاريخ الرسمي، وعلى شخصيات لا يعرف عنها المثقف إلا القليل.
 
عبد الوهاب عيساوى
عبد الوهاب عيساوى
 

س/ يقول الصحافي الفرنسي ديبون: "تظل الحملة معنى لا يتفق عليه اثنان من المشاركين بها" (ص. 256). هل لك تعليق؟

الباحث في التاريخ المشترك يُدرك التباين في الرؤى التي صاحبت الحملة، والشرخ الذي كان واقعا في السياسة الفرنسية آنذاك، بين أنصار الملك، والليبيراليين الذين تبرّموا من سلطته المطلقة ولم يروا في الحملة إلا أنها بحثٌ عن المال ليُطيح الملك بمعارضيه، بينما رآها رجال الدين نشرا لنور الرب في إفريقيا خصوصا وأنّهم أصحاب الحظوة عند الملك، فكلّ منهما ينظر إلى الحملة من الزّاوية التي تجبر رغبتهُ.  
 

س/ كثيرا ما نجد أن نفس الأحداث تُروى عدة مرات من وجهات نظر الشخصيات الخمس، في القسم الخامس مثلا. ماذا كنت تسعى إليه من خلال اختيار هذه الطريقة في السرد؟

تعتمد البنى الكلاسيكية للرواية على تقديم الحكاية من منظور وحيد، قد يقوم به الراوي العليم، أو راو مشارك، لكنّ البينة البوليفونية تشتغل على مناظير متعددة، تروى الحكاية من زوايا مختلفة، وتتعدد الخطابات المتباينة. تتجاوز الرواية فنيا مفهوم الشمولية ما يجعل الموضوع ذاته يتحرر من الرؤية الوحيدة. ولعلّ الفكرة التي ألحت في كتابة الديوان الإسبرطي: ما هو الشكل الذي يمكن أن ينسجم مع موضوع يُرى من وجهات نظر مختلفة؟
 
الروائى عبد الوهاب عيساوى
الروائى عبد الوهاب عيساوى
 

س/ لا يخلو كافيار المستبد والقاسي من مشاعر إنسانية، يحب ديبون الذي يذكّره بشبابه وأحلامه قبل تحوله إلى شخص آخر بسبب تجربة العبودية. ماذا تريد الرواية أن تقول عن حقيقة الإنسان من خلاله؟

مع أن كليهما متعمق في اللاهوت، لكنّ كافيار يناقض ديبون في التوجه، فسجنه وعبوديته لم يوَّلد لديه إلا الكراهية والحقد، يُمكن اعتباره كمن يخوض المَطْهر الأرضي بمشاركته في الحملة ليتحرر من الشرور التي يحملها. قد يعود مرة ثانية بعد انتهاء كل شيء إلى صورته الأولى المشابهة لديبون. 
 

س/ إلى أي مدى ترمز شخصية دوجة إلى مدينة المحروسة؟

ارتبطت صورة المرأة بالمدينة في الكثير من الروايات الكلاسيكية، ولكل كاتب تصوره في هذا الإسقاط، ولم يكن الترميز في الديوان مقصودا بتلك الصورة، وإنما جاء استجابة لرؤية فنية وموضوعاتية تخدم الرواية، تحتاج الرواية صوتا له الحق هو الآخر في إبداء وجهة نظره مما يحدث، ومواجهة الخطاب الكولونيالي الذي يجابهه السلاوي وابن ميار بطريقتيها، ولدوجة كذلك رؤيتها الخاصة المبنية على تجربتها الحياتية.
 
رواية الديوان الإسبرطى
رواية الديوان الإسبرطى
 

س/ ما هي دلالة شخصية المزوار (ضابط مسؤول عن تنظيم البغاء في المدينة)، والمبغى؟

ارتباط البغاء بالسلطة يفتح نافذة على أسئلة متعددة، هل البغاء فعلا هو أن تهب المرأة جسدها، أم أن هناك مفاهيم أخرى تحدده؟ تُسقط الرواية النظم السلطوية على المبغى، والحاكم المتسلط ممثلا في المزوار. وبهذا يمكن فهم بقية دلالات الأحداث التي تتعلق بالمصطلحين في الرواية، وحتى انعكاساتها على الراهن.
 

س/ يقول ديبون، في إشارة إلى كلمات كافيار: "في إفريقية لم تخلّفوا شيئا لله، كل شيء قد آل إلى القيصر" (ص. 260). هل هو محقّ؟

طبعا محق، استهلك الاستعمار القارة الإفريقية ولا زالت دولها تنوء تحت قيود عقود طويلة الأجل، كما أشعل فيها حروبا وفتنا طائفية متواطئا مع حكوماتها لاستنزاف ثرواتها، غاضا الطرف عن الاستبداد الذي تمارسه حكوماتها، ومع أن الاستعمار التقليدي قد انزاح، ولكن نفوذه وامتيازاته لا تزال نفسها في مستعمراته القديمة.
 

س/ هل كافيار منتصر في النهاية وهل ابن ميار مهزوم تماما؟

تُقرأ شخصيتا كافيار وابن ميار في سياقهما التاريخي الذي وضعتا فيه، قد عبّرا عن فكرتين كانتا سائدتين آنذاك، ولكنّ السؤال الأكثر إلحاحا ما مدى تأثير إيديولوجيتيهما على الراهن؟ وهل لا زالت تجد قبولا أو تبنيا من أطراف معينة؟ فعلى الرغم من الثورة الثقافية التي شهدها العالم إلا أنه لم يستطع تجاوز نفسه بإحقاق السلام، مثلما كانت هناك دائما شخصيات تقدَّم على أنها وسائط من أجل بناء الديموقراطيات، ثم لا نرى إلا مزيدا من الخراب، وبالتالي لا نستطيع أن نحكم على هزيمة أو انتصار أي من الشخصيتين فالمسألة نسبية، والانتصار قد يكلّف آلاف الأرواح وبالتالي قد نعيد النظر في حساباتنا.
 

س/ يقول ابن ميار عن أبنية المحروسة التي يهدمها الفرنسيون: "نظل نميل إلى الأشكال المنحنية، كالأقواس والدوائر، بينما ترتفع أبنيتهم مثل مربعات ومثلثات، لا يمكن أن يصبح الهلال صليبا. قرون من الحروب والموتى، وما حال هلال إلى صليب، مثلما لم يتحول صليب إلى هلال" (ص. 346). ماذا تريد الرواية قوله عن الهوية وعلاقة الشرق بالغرب؟   

تظل علاقة الشرق بالغرب جدلية ليس من السهل تفكيكها، وقد اشتغل النقد الثقافي على البنيات المؤسسة لكلا الحضارتين مثلما قدمت الرواية العربية قراءة عن تلك العلاقات الملتبسة. في الديوان كانت شخصية ابن ميار تتمثل الشرق بكل أبعاده الاجتماعية والنفسية وحتى العمرانية، بحكم انتماء الجزائر لهذا الفضاء حضاريا وليس جغرافيا، ثمّة صراع حضاري ضارب في التاريخ، ومن الطبيعي أن يلقيَ بظلاله على الرواية ولا يزال هذا الخطاب فاعلا إلى الآن.
 
الفائز بالبوكر 2020 عبد الوهاب عيساوى
الفائز بالبوكر 2020 عبد الوهاب عيساوى
 

س/ ما سر ولعك بالتاريخ؟ ركزت روايتك السابقة "سييرا دي مويرتي" على معاناة الإسبان الذين سُجنوا في مخيمات في الجزائر بعد هزيمتهم في حرب إسبانية الأهلية في الثلاثينيات. هل يهمك سرد قصص المنسيين، منهم الغربيين المهزومين؟

يمنح التاريخ قراءة واعية للحاضر، تُقرأ مسببات الأحداث الأولى، ومنها تعرف البنيات الاجتماعية وطبيعة تفاعلاتها، مثلما تحدد الكثير من العلاقات التي أسست للحاضر. اعتادت الروايات التاريخية العربية الكتابة عن الآخر المنتصر، والتأسيس لوجهة نظر متعالية، لكن "سييرا دي مويرتي" قدمت وجهة نظر مغايرة، وجهة نظر الآخر المهزوم. فقد اقتضت العادة التاريخية أن يكتب التاريخَ المنتصرون، ألا يمكن أن تنقلبَ هذه الوجهة فيصير للمنهزم صوت مسموع؟ ذلك رهانُ الرواية الحالي في نظري – على الأقل.
 

س/ هل ستكون روايتك القادمة تاريخية؟

لن تكون تاريخية بالمعنى الحرفي، ولكنها ستتكئ على التاريخ.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

أتلتيكو مدريد يتلقى خسارة قاتلة أمام إسبانيول في الدوري الاسباني.. فيديو

موعد مباراة الأهلي وغزل المحلة فى الدوري المصري والقناة الناقلة

زوجة تبحث عن متجمد نفقات عن 14 سنة فهل يسددها الزوج؟ .. اعرف التفاصيل

جهات التحقيق تستجوب متهم بالنصب على المواطنين بزعم توفير فرص عمل لهم بالخارج

الفحص الطبى يكشف إصابة دونجا بكدمة شديدة فى الركبة


سان جيرمان يبدأ رحلة الدفاع عن اللقب بفوز صعب أمام نانت بمشاركة مصطفى محمد

إقالة مدرب الننى وإبراهيم عادل من الجزيرة الإماراتى

نانت ضد بى إس جى.. شوط أول سلبى بمشاركة مصطفى محمد فى افتتاح الدورى الفرنسى

وزير السياحة والآثار لـ "اليوم السابع": ما فعله الشاب في فيديو المتحف المصري الكبير "ليس إبداعًا".. نرفض سياسة "معلش".. ولا يمكن أن نتضامن مع شخص يتخطى حقوق الملكية الفكرية أو الحرية الشخصية لآخرين.. فيديو

نجاة الفنان شريف خير الله من الغرق ويعلق: كنت هروح فيها


الزمالك يكشف تفاصيل الوعكة الصحية للبلجيكى فيريرا

مصور واقعة "مطاردة فتيات الواحات" يكشف كواليس لم ترصدها كاميرا هاتفه

الداخلية تعيد شخصا من ذوى الهمم إلى أسرته بمركز سنهور فى الفيوم

ضبط مرتكبى مشاجرة أمام كافيه شهير بكورنيش سيدى جابر بالإسكندرية

كل ما تريد معرفته عن ملف تمديد وتجديد عقود رباعي الأهلي

نانت ضد بي اس جي.. مصطفى محمد يبحث عن الفوز الأول ضد عملاق فرنسا

موعد المولد النبوى الشريف 2025.. ذكرى ميلاد خير البشرية

ترتيب الدوري المصري بعد نهاية الجولة الثانية.. المصري البورسعيدى يتصدر

الكوبرى العملاق.. شاهد أعلى كوبرى فى مصر بعد اكتماله.. صور

كويكب صغير يقترب من الأرض يوم الإثنين.. تفاصيل

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى