"أغرب القضايا" صراع مع الوهم.. كيف يقتل الشك الحب ويهدم الانتقام الأسر

قضية صراع مع الوهم
قضية صراع مع الوهم
كتب أحمد حسنى

فى عالم الجريمة كل شىء مباح، فجرائم "القتل، السرقة، والنصب"، و غيرها التى اعتدنا على سماعها بشكل دورى، يصاحبها أشياء أخرى لا يكشف عنها إلا نادراً، وهذا ما يجعل بعضها من أغرب القصص والأحاديث، التى قد لا يصدقها عقل ولا تستوعبها النفس.

"اليوم السابع" يقدم فى سلسلة " أغرب القضايا" قصص ليست دربا من الخيال ولا فكراً مجردا لمبدع، ولا صورة خيالية لفنان عن الواقع، وإنما هى قصص إنسانية صادقة وعميقة من داخل المحاكم خلال سنوات طويلة من الزمن.

 

"الحلقة الخامسة".. "صراع مع الوهم"

يروى هذه الحلقة المستشار بهاء الدين أبو شقة فى كتابه "أغرب القضايا"..

ويروى المستشار أبو شقة، وقعت أحداث هذه القضية وباشرت تحقيق وقائعها أثناء عملى كوكيل نيابة بالجيزة، كانت أحداثها مثيرة، أقرب من الخيال، بعيدة عن الواقع.. تجمع بين جناحيها الخير والشر والحب والكراهية..الصفاء والغدر.. الحب والانتقام..

كانت فتاة فى منهى الجمال فى العشرين من عمرها، رشيقة ممشوقة القوام.. بيضاء البشرة.. حباها الله بخضرة العينين التى كانت تشع جاذبية لا تقاوم..تقدم لخطبتها الكثير من الشباب.. معظمهم فى مراكو مرموقة رغم أنهم على أولى درجات سلم الحياة.. لكن الرفض منها كان الجواب الدائم الذى كان محل استغراب الجميع.

خاب ظن الجميع وطاشت كل خيالاتهم وتوقعاتهم، وأفاقوا من أحلامهم على وقع ذبك الخبر الذى كان مسار دهشتهم وحيرتهم.. رافضين تصديقه أو حتى تخليله أو مجرد تصوره..

أخيراً قررت أن تتزوج الفتاة لكن من كهل قارب التسعين من عمره، وأصرت على هذا الزواج رغم فارق السن الكبير الذى يقترب من الخمسين عاماً بين سن كل منهما.. وباركت أسرتها الفقيرة زواجها من الكهل الثرى الذى انتشلها بثرائه من حياة المعاناة والفقر والحرمان، إلى حياة الرفاهية والعز والأمان، نقلها لتعيش معه فى الفيلا الفاخرة التى اشتراها خصيصاً لها واشترى لها سيارة فارهة وأفخر الملابس.. وأحضر لها العديد من الخدم.. ليكونوا رهن إشارتها.

download

عاشت الفتاة مع زوجها الكهل الذى دبت فى جسده الهزيل كومة من الأمراض.. ممرضة قبل أن تكون زوجة.. تعطيه الدواء فى نهاره وتواصل السهر على تمريضه ليلاً، ولم تمض سوى سنة وبضعة شهور حتى زادت مشاكله المرضية واشتد عليه المرض وتدهورت صحته حتى وافاه الأجل.. وقد ترك لها ثروة كبيرة و أموالاً كثيرة فى حسابتها فى البنوك فضلاً عن امتلاك أراضٍ قام بشرائها باسمها.

download (1)

أحست الفتاة أن الفقر الذى طالما عاشت معه وتربت فيه قد تحول إلى غنى وثراء وثروة فاحشة، أن عليها أن تنطلق وأن تخرج من القمقم الذى دفنت نفسها فيه قرابة العامين، والفقر المدقع الذى غاصت فيه من قمة رأسها حتى أخمص قدميها.. انطلقت تعوض ما فات شبابها من حرمان، وهى تبحث عن الشاب الذى ستعطيه حبها.. ليس أى شاب جدير بهذا الحب.. فقد رسمت فى مخليلتها نموذجاً لشاب وضعت بنفسها مواصفاته تتوافر فيه الوسامة والوجاهة، والرشاقة والذكاء واللباقة والطموح.. وأن يكون خفيف الظل حلو الكلمة.

لم يمر كثيراً من الوقت حتى التقت بشاب يقاربها فى العمر.. كان نموذجاً لتلك الصورة التى رسمتها فى مخيلتها.. والتى حلمت كثيراً بها فى منامها.. وفتحت عينيها فقد تحول الحلم إلى حقيقة، إنه شاب حديث التخرج من كلية الهندسة، يفصح مظهره المتواضع عن فقره، وجدت فيه منذ الوهلة الأولى صورة مماثلة لها يوم أن التقت بزوجها الأول "فتاة كتب عليها القدر الحرمان من كل شىء".

download (2)

صارحته بكل كبيرة وصغيرة عن حياتها وعن أسرتها.. عرف منها أنها نشأت فى أسرة فقيرة وأنها كانت تعمل بائعة فى أحد المحلات الكبرى عندما التقى بها زوجها الأول، وصارحته بأن الشاب الذى طالما حلمت به وأعجبها طموحه وكفاحه وصموده رغم فقره، فقد حصل على بكالوريوس الهندسة ويستعد للحصول على الدكتوراه، وصارحها هو الأخر بأنه أحب فيها روح التضحية والإيثار والعقل والحكمة، كيف أنها باعت نفسها وقبلت أن تقدم نفسها قرباناً من أجل أسرتها وإسعاد إخوتها.

تزوجت الفتاة من الشاب الذى طالما رسمه فى خيالها وسبحا معاً فى بحور الحب وينابيع الهيام ترتشف كؤوس السعادة وذاقت- لأول مرة فى حياتها- طعم الحب الحقيقى، أحست أن الدنيا كلها بين يديها وأن وجه الحياة المظلم قد تبدد، وأن الشمس قد أشرقت وأطلت عليها وغمرتها بأشعتها الجميلة بالحب والدفء والسعادة.

ولكن متى دامت السعادة لإنسان؟ فليس ما يحب المرء يدركه فقد تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن.

ذات صباح وقعت عيناها على مفاتيح خزينة زوجها التى يحتفظ داخلها بأوراقه الخاصة، قد نسيها – وهو فى عجلة من أمره- للحاق بعمله.. لم تكن من عادتها أن تفتش وراءه فقد كانت ثقتها به وفيه لا حدود.

ومن قبيل الرغبة المجردة فى تنظيم ما بداخل الخزمة قامت بفتحها وبدأت فى تنظيمها.. لا بحثاً أو تنقيباً عما بداخلها.. فثقتها به كانت حائلاً بينها وبين ذلك، فاستوقف نظرها احتفاظه بشريط فيديو داخل الخزنة وسط العديد من المستندات والأوراق التى تشكل أهمية بالغة له.. فما سر احتفاظه بهذا الشريط.. كان هذا هو السؤال الذى لاحقها وظل يضرب فكرها بعنف.. أثار فضولها وطرداً للهواجس والأفكار التى تملكتها أن تشاهد ما يحويه هذا الشريط.

وكانت المفاجأة التى لم تخطر لها ببال.. ولم تطرأ لها على خاطر.. وما رأته من مشاهد يحتوى عليها هذا الشريط.. إنها لا تصدق ما تراه، ففركت عينيها وأمعنت النظر كنها تعانى من حلم مفزع.. زوجها فى ملابس الزفاف وبجانبه عروسته.

download (3)

أحست فى تلك اللحظة أن الدنيا قد أظلمت أمام عينيها أكثر من أى وقت مضى فى حياتها.. إنها طعنت طعنة دامية قاتلة أدمت قلبها الملىء بالحب والإخلاص، ورسخ فى وجدانها لأول مرة أن زوجها خائن، وتأكد لها أنه طامع، ويتسم أمام عينيها أنه غادر.. مجرد من المشاعر يلبس قناعاً مزيفاً يخفى وراءه وجهه الحقيقى الملىء بالغدر والخيانة والأنانية، لقد خان الثقة الكاملة، والأموال التى باعت نفسها من أجلها سلمتها له وبكل ثقة وأمانة.

قررت أن تنتقم من زوجها انتقاماُ من نوع جديد ..موجعاً أليماً لا شقة فيه ولا رحمة، قررت أن تعذبه عذابأً أليماً لتشفى غليلها وهى تراه أمام عينيها يذوق مرارة الخيانة ويلعق جراح الندم.

94879124_1080286775691484_3143936294262931456_n

وبدأت تنفذ فصول خطتها بالاستعانة بصديقة لها كانت تعرفها فى الحى الذى كانت تعيش فيه أيام فقرها، كانت تعرف أن زوجها يعمل فى تجارة المواد المخدرة، وحصلت من صديقتها على عقار مخدر الهيروين، وقدمت لزوجها جرعات الهيروين وسط مشروب القهوة الذى كان لا يخرج من مسكنه قبل أن يتناوله من يديها، واستطاعت بهذا الأسلوب الإجرامى الماكر أن تجرده من كل شىء..أن يسجل باسمها كل الأموال والشركة التى كانت بينهما.

95150527_553996505526012_3211836286943887360_n

لاحظ الجميع ووالدة الشاب التغيير المفاجىء على ابنها بات عصبياً هزيلاً، زائغ البصر، شارد التفكير مهموماً ، زاهدًا مكتئباً غير عابىء بالحياة، حتى إعداده للدكتوراه ألقاه فى سلة المهملات، اصطحبته والدته إلى الطبيب لتوقيع الكشف عليه، فطلب عند التشخيص حالته إجراء عدة تحليلات، وكانت المفاجأة التى هوت على رأس والدته كالمطرقة والتى لم تكن تخطر لها ببال، أو تجول فى حسبانها، إذا ظهرت التحاليل أنه مدمن عقار الهيروين المخدر.

95015279_231004411508154_1226336883835928576_n

لم تصدق ذلك.. بعد أن أقسم الأبن لها إيماناً مغلظاً وكانت تثق فى صدق حديثه، فتوجهت به إلى معمل أخر لعمل تحليل جديد، فجاءت النتيجة لتؤكد ما جاء بالتقرير الأول .. فكان على الزوج أن يراجع حياته فى الفترة الأخيرة ويستعرضها بكل دقة وتفصيل، وكأنها شريط سينمائى أمام عينيه.. من الذى فعل ذلك؟ وما مصلحته فى تدميره؟.

بدأ الزوج فى الشك فى زوجته بعد تغيرها فى الفترة الأخيرة، وقاده الشك لفنجان القهوة.. تناول بعضاً مما فى داخل الفنجان ووضعه فى زجاجة، كما طلب منه الطبيب المعالج، وأرسله إلى التحاليل، وكانت المفاجأة التى ما كانت تخطر بباله أو تدور بخلده.. القهوة بها مخدر الهيروين.

95119165_890429818088561_4941210327581720576_n

لكن لماذا فعلت ذلك؟ ما سر غدرها به؟ إنها مؤامرة للقضاء عليه.. لابد أن هناك رجلاً فى حياتها؟ وقد دبر خطة الخلاص منه.. كلها أفكار دارت فى عقل الزوج منذ ان عرف وأيقن أن زوجته وراء كل ما حدث له.

أبلغ الزوج بصحبة والدته إدارة مكافحة المخدرات، وأسفرت المراقبة عن شراء زوجته مخدر الهيروين الذى اعتادت ان تدسه فى القهوة لزوجها.. لتنفيذ خطتها الإجرامية لكن القدر لم يمهلها فقد تم القبض عليها، وتم ضبط الهيروين الذى بدلت به حياة زوجها، وتم ضبطها متلبسة وهى تعد له فنجان القهوة فى الصباح كالمعتاد، ولم تجد أمامها خيار إلا الاعتراف.. لقد اعترفت بكل شىء وقدمت شريط الفيديو الذى قتل حبها ودمر حياتها وحياة من تحب.

95214261_1084002138630268_1464021048306434048_n

ويقول المستشار أبو شقة، تم مواجهتى كمحقق بهذا الشريط وما جاء به فى مواجهة الزوجة التى فوجئت بالحقيقة لأول مرة، وبأنها عاشت فى صراع مع الوهم وكيف أن هذا الوهم كان هو الخنجر الذى ذبحت به نفسها.. وكانت فى سبيلها للإجهاز به على زوجها.

إن شريط الفيديو كان على زيجة قديمة قبل أن يعرها ويقترن بها، وقت أن تعرف عليها كانت قد انتهت هذه الزيجة بالطلاق وأصبحت مجرد ماض.. أسدل عليها ستائر النسيان، وطلب منى كمحقق أن أسجل تفاصيل الحقيقة التى أثر كتمانها، فلم يصرح بها لزوجته حرصاً منه على مشاعرها واستمراراً لحب جمع بينهما ووفاء منه لمواقفها وراء نجاحه وسنداً ودعماً.

 

ولكى يظل المحبوب الذى رسمته فى مخيلتها حتى لو كان زواجه من امراءة قبل أن يعرفها.. لقد دفعه حبه الشديد لها ألا يفتح صفحة عن ماضٍ أسدلت على أيامه ستائر النسيان.

طويت صفحات القضية بعد أن أتممت تحقيقها وأحيلت المتهمة للمحاكمة، أما الزوج فقد تعالج من الإدمان واستقبل حياة جديدة بابتسامة ملؤها الأمل فى مستقبل مشرق يواصل فيه تحقيق طموحاته بقفة وتفاؤل.

 

 

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

الثانوية العامة 2025.. الطلاب يؤدون اليوم امتحان مادتى الكيمياء والجغرافيا

كيلو السمك بـ30 جنيه بس.. قرية البشندى بالوادى الجديد تحصد الدفعة الثانية من مزرعة الأسماك الحكومية.. طرح المنتجات للمواطنين بأسعار مخفضة.. ورئيس المركز: خطة لتعميم التجربة فى القرى لتحقيق الأمن الغذائى.. صور

عقوبته تصل للمؤبد.. التزوير جريمة تقود صاحبها لخلف القضبان

أسيست أرنولد ضد يوفنتوس يسدد قيمة انتقاله من ليفربول إلى ريال مدريد

فى انتظار القيد.. الإسماعيلى يتوصل لاتفاق مع عدد من اللاعبين والأفارقة


المصرى يستأنف تدريباته بعد انتهاء راحة الـ24 ساعة

تريلا تحطم وتدهس 7 سيارات على الطريق الدائرى بالمعادى.. صور

عندما يكسر الصيف قواعده.. أمطار تضرب القاهرة وبعض المحافظات فى يوليو.. تحذير لا يمكن تجاهله يضع مصر فى مرمى المناخ المتقلب.. الأرصاد: تغير مناخى للأنماط الجوية المعتادة.. وخبراء: أحداث متطرفة ستصبح أكثر شدة

اليوم إجازة رسمية للعاملين بالقطاعين الحكومى والخاص بمناسبة ذكرى 30 يونيو

ثنائى أبو قير للأسمدة والقناة على رادار الاتحاد السكندرى لتدعيم صفوفه


حر لا يُطاق.. الأرصاد تحذر: طقس شديد الحرارة اليوم الخميس 3 يوليو 2025

"جزار" البنك يعود لحسابات الأهلي لتدعيم الدفاع فى الميركاتو الصيفى

الزمالك يكشف تفاصيل أزمة مستحقات ميلكا لوبيسكا محترفة الطائرة

بعد حسم البرلمان.. كيف يتم إخلاء الايجار خلال 7 سنوات للسكنى و5 لغير السكنى؟

العالم هذا المساء.. استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في جنين.. وحرارة غير مسبوقة تجتاح فرنسا.. والنافورات تتحول إلى أداة يومية للنجاة.. جنازة رسمية لرئيس ليبيريا الراحل وليام تولبرت بعد 45 عاما من وفاته

كمائن الموت تحت غطاء المساعدات.. مجازر الاحتلال تفتك بالجوعى في القطاع.. مؤسسة غزة الإنسانية.. الاسم خادع والمهمة قاتلة.. 125 شهيدًا و700 مصابًا في شهر.. اعترافات جنود الاحتلال تفضح المجازر

الحكومة: كشف جديد فى حقول عجيبة للبترول بمعدل إنتاج أولى 2500 برميل يوميا

بعد جدل حذف أغانى أحمد عامر.. هل الغناء حلال أم حرام؟.. الدكتور على جمعة: لا يوجد حكم مطلق وهناك موسيقى تهذب الروح.. الشيخان محمد الغزالى وعبد الحليم محمود يفتيان ياسمين الخيام.. وهذا ما قاله الشعراوى لـ شادية

الأهلي يفاضل بين 3 عروض محلية لإعارة محمد عبد الله

المعاينة فى حادث الطريق الإقليمي: انفجار الإطار واختلال عجلة القيادة بيد السائق

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى