الناقد أحمد حسن عوض يكتب: الشعر وأفق المستقبل

أحمد حسن عوض
أحمد حسن عوض

لا أدرى لماذا دفعتنى أوقات العزلة الإجبارية التى يعيشها العالم فى هذه الأيام القلقة إلى إعادة تأمل فن الشعر فى لحظتنا الراهنة المتوترة.

ربما لأن الشعر قرين القلق السرمدى والتوتر الخلاق والحركة الدءوبة وعدم الرضا بالواقع المعيش، فهو مشغول دائما بالتطلع الوثاب إلى أفق الآتى والتحديق المستمر فى فضاء المستقبل.

والشعر الحقيقى لا يعرف الصياغات النهائية، ولا النماذج المكتملة، أو الوصايا النقدية المعلبة، لأنه الفن القادر باستمرار على تجسيد حرارة اللقاء الفردى بين الذات والعالم، والمؤهل دائما لإضاءة ملامح النفس المتعددة والإمساك بمشاعرها المراوغة.

وقد ظل الشعر عبر تاريخه الطويل فى تراثنا العربى الممتد يراكم منجزه الجمالى، ويضيف الجديد إلى كيانه السامق المتنامى حتى وصل إلى محطته الحالية فى لحظتنا العصرية الحاضرة . وهى لحظة منفتحة على فضاءات التعدد ومذاقات التعبير المتنوعة، ترفض هيمنة نموذج شعري واحد لا يعترف بما سواه ، وتكرس في الآن ذاته لهوية شعرية مركبة، تشكلت عبر منظومة التفاعل العميق بين الشعر والعالم المحيط بكل تجلياته العديدة من ناحية، والتداخل المستمر بين الشعر والأجناس الأدبية والفنون التشكيلية والوسائط البصرية من ناحية أخرى.

إذ لم يكتف الشعر بأن يكون ذلك الكائن الاجتماعي الصاخب التابع للأحداث الكبرى، المنخرط في ترديد أصدائها الزاعقة، أو ذلك الكائن الحساس المنعزل عن العالم ، الملتحف برقته العاطفية وصياغته الغنائية المألوفة .

لقد غادر الشعر وضوحه القاتل ولغته المطمئنة ودلالاته الرتيبة، ولم تعد الكلمات تحظى فيه بهوية ثابتة يخضع لها الشاعر، كما يخضع لها عموم الناس، بل أصبح للكلمات هوية متحركة قابلة للتحول إن أراد لها الشاعر المقتدر ذلك.

وصارت معظم القصائد الحديثة تتظاهر بقول شيء وهى تعني شيئا آخر، وأضحى الوعى الذاتي بديلا عن المعارف المسبقة وأمست التأويلات الفردية مهيمنة على الحقائق المتاحة، وارتقى الشعراء الموهوبون إلى مقامات الرؤى المدهشة عبر صياغاتهم المختلفة القادرة على إنتاج معان جديدة للأشياء والمفاهيم ونسج عوالم أخرى لها ، دون أن يعنى ذلك أنهم غادروا الخارج الاجتماعي بل ظل انشغالهم " بالخارج" محفزا لتفرد "الداخل"، وصار انهماكهم في ممارسة "الكتابة" محرضا على إنتاج "المعرفة". وهى معرفة نوعية مغايرة للطرائق المعتادة في التفكير والتصورات المطروحة عن العالم؛ إنها معرفة تحمل روح التساؤل حين تهم بمعانقة اليقين وتحمل روح الأجوبة حين تشرع في إثارة الأسئلة.

وإذا كان مشهدنا الشعري الراهن يبدوا مجسدا لحالة كرنفالية تتجاور فيها الأشكال الشعرية ؛ فتتحاور أحيانا وتتصارع في أحيان أخرى، فإن حداثة الشعر وجدته وأصالته تكمن في قدرة الشاعر على التفاعل الحيوي مع عالمه وفي التقاط شفراته الدالة، الفاعلة في لحظته العصرية، بما يمتلكه من موهبة وثقافة وأدوات إبداعية قادرة على ابتكار الشكل الشعري الخاص الذي يطل منه الشاعر على مجتمع الأدب مبتدعا نافذة لرؤيا تستقرئ تجدد الحاضر وتستشرف أفق المستقبل.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

الزمالك يطالب حسام عبد المجيد بحسم موقفه من تمديد العقد

أسماء ضحايا حريق سنترال رمسيس من موظفي المصرية للاتصالات

وزير الاتصالات: عودة الخدمات بشكل تدريجى خلال 24 ساعة

"اليوم السابع" يجرى جولة بمحطات الخط الرابع لمترو الأنفاق.. التنفيذ يتخطى الـ50% والتشغيل 2027.. أول قطار يصل العام القادم والشركات المصرية تصنع التاريخ.. والرصيف بوسط المحطات وأبواب زجاجية لحماية الركاب.. صور

فلومينينسي يصارع تشيلسي على بطاقة نهائى كأس العالم للأندية 2025


بدء تلقى أوراق الترشح لانتخابات مجلس الشيوخ لليوم الرابع على التوالى

بدء غلق مؤقت للطريق الإقليمي لمدة أسبوع بدءا من اليوم

وزارة الزراعة: ضخ 300 ألف طن من الأسمدة خلال الشهرين الماضين مع بداية الموسم الصيفى.. و250 ألف طن مخزون استراتيجي لتلبية احتياجات المزارعين.. وتوافر الأسمدة بجميع الجمعيات التعاونية

بدأت حياتها مفتشة جمارك وجسدت أدوار الشر ببراعة.. ميلاد علية الجباس

وزارة الطيران: إقلاع جميع الرحلات التى تأثرت نتيجة عطل الاتصالات والإنترنت


حول الشوارع إلى جنة.. شاب قنائي يتطوع ويزرع 1000 شجرة على نفقته الخاصة بمدينته.. أحمد عبد العزيز: البداية كانت منذ عام وأحلم بزراعة المدينة كلها بالأشجار المثمرة.. وأسعى لتحقيق الفائدة العامة لأبناء بلدي.. صور

بي اس جي ضد الريال.. مبابي يتحدى باريس في مواجهة الثأر والانتقام

انتحار نائب بالبرلمان الفرنسى شنقا فى منزله

حسام أشرف لاعب الزمالك ينتقل إلى سموحة لمدة موسم واحد على سبيل الإعارة

عقوبات مشددة لمخالفة قانون ممارسة الحياة السياسية.. الحبس وغرامات تصل إلى مليون جنيه.. 500 غرامة المتخلف عن التصويت واسمه بالبيانات بغير عذر.. واحذر إتلاف أو سرقة صندوق الانتخابات أو التعدى على أعضاء اللجان

مقتل 5 جنود إسرائيليين وإصابة 10 آخرين في "كمين كبير" بغزة

تليفزيون اليوم السابع يوثق اللحظات الأولى من حريق سنترال رمسيس.. إخماد النيران وتجددها مرة أخرى والسحاب غطى وسط البلد.. الحماية المدنية سطرت ملحمة بطولية.. ووزراء ومسئولون يتابعون الحادث من موقع الحريق

المصرية للاتصالات: فصل التيار خلال الحريق سبب تأثر الخدمة.. وتعويض المتضررين

محمد شكرى يظهر فى مران سيراميكا قبل انتقاله للأهلى.. صور

بعد عام على استشهاده فى غزة.. العثور على رفات اللاعب رامز الكفارنة

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى