"الندابة".. مهنة "النواح" من أجل المال أصولها فرعونية والزمن حصرها فى الريف

الندابة
الندابة
كتب محمد عبد الرحمن

تتشح بالسواد من أعلاها لأسفلها، عباءتها السوداء المهترئة وصريخها هما مصدرا رزقها الوحيد، نبرتها العالية هي رأسمالها فى هذه الحياة التى تفتح أمامها أبواب العيش، عشوائيتها فى النحيب ودموعها اللتان لا يهدئان يعطيانها ميزة وسطوة عمن حولها من النسوة فى الجنازات عن أي شخص آخر، هكذا كانت الندابات فى المجتمع المصرى، أصحاب إمبرطورية "النحيب" فى الجنازات.

امرأة عادية جدا، لا يفرقها عن النساء سواء ما ذكرناه، تجدها تضحك وتسعد وتحزن، هادئة أحيانا وغاضبة فى أوقات أخرى، فهى مثل جميع السيدات، يقطع جلستها خبر وفاة أحدهم، لتقوم من جلستها وسط أسرتها، لتخرج إلى العالم بثيابها السوداء الرثة، وتنطلق فى الجنازات وتبدأ فى استعراض مهاراتها السالفة الذكر، "تولول" على المتوفى، التى ربما عرفت اسمه منذ قليل فقط، لكنك سوف تشعر للوهلة أنك أمام أحد أقارب المتوفى وربما من الأشخاص المقربين له.

images

والندابة فى المعجم اللغوى، هى "امرأة تحترف البكاءَ على الميِّت وتعدِّد محاسنَه"، والاسم "ندب" هو "صوت الداعي للآخر في أمر؛ صوت القوس يخرج منه السهم بسرعة؛ صوت المرأة تعدد محاسن الميت  صوت المنادي-وا فلان".

ومهنة "الندابة" التي اشتهرت في مصر لمدة طويلة وهى أيضا لها وجود فى بعض مناطق من الجزيرة العربية وبلاد الشام، كما لا يزال لها وجود فى دولة أفريقيا السمراء مثل غانا، ومع تطور العصور انحسرت منذ عشرات السنين فى مصر، إلا أنها لا يزال لها صدى فى بعض الأوساط الريفية في القرى والنجوع في المحافظات.

وتعد "الندابة" أحد طقوس الموت الغنائية التى اشتهرت فى الصعيد باسم "العديد" وتسمى المرأة هنا "المعددة" وهن النساء اللواتى يقومن بالنواح على الميت من خلال قول بعض المقطوعات الشعرية التى تستدعى البكاء ويبدأ العديد من بدء خروج الميت من البيت ولا تخرج وراءه مودعه ولكنها تصور لحظة الوداع فتقول.

46513854_2240802639326711_6622158307014475776_n

ورصد أحمد أمين في كتابه "قاموس العادات والتعابير المصرية"، "المعددة"، بقوله "إنها امرأة تدعى للغناء في المأتم، وهي تستفسر أولا عن الميت ومن هو، وعلى أي حال كان، وما فضائله ومزاياه، وتصوغ من كل ذلك كلاماً في "تعديدها" يثير كوامن النفوس، ولها لسان فصيح وقدرة تامة على الإبكاء، وبعضهن يصحبن معهن الدف، فيثرن بذلك دوافع اللطم على الوجوه".

كانت المعددة منهن تتدرب على كيفية البكاء الغزير والسريع المتواصل إضافة إلى حفظ الجمل التي كانت ترددها أثناء العمل؛ مثل: "يا جملي، سايبنا لمين يا سبعي؟ مكنش يومك يا أخويا، يا حنين يا أخويا / يا أبويا/ يا ابن.."، وكانت لهن طرائق في التعديد؛ فيتشعب حديثهن إلى نواح كثيرة؛ مرة على الغرقى، ومرة على القتلى، ومرة على الموتى الذين قضوا نحبهم بطرائق مختلفة.

الندابة الفرعونية

ويتميز العديد بأنه يجعل لكل ميت ما يلائمه من المراثى فما يقال فى الطفل الصغير لا يقال فى الرجل الكبير ولا يقال فى المرأة.

وهناك من الروايات الدينية، ما يشير إلى أن النائحة كانت إحدى الوظائف الرائجة في الجزيرة العربية قبل الإسلام، وبالرغم من تعدد فتاوى الفقهاء بتحريمه عبر التاريخ؛ فإنها ظلت وظيفة مهمة لم تبدأ بالانحسار إلا منذ عدة عقود.

وانتشر هذا الفن فى صعيد مصر فقط عند الفتح العربى لمصر عن طريق البحر الأحمر من شبه الجزيرة العربية وانتشر فى الصعيد وأصبحت هذه المنطقة مشبعه بالكثير من عادات وتقاليد العرب، وعندما نشأت هذه القبائل فن الرثاء تحول إلى مقطوعات غنائيه بكائية بلهجة صعيدية تؤديها فقط فى المأتم.

في كتاب "قاموس الصناعات الشامية" تأليف محمد سعيد القاسمي، يشير بأن "اللطامة" كانت تعد مهنة النساء المتهتكات، وأنها كانت رائجة جداً في الزمن السابق، أما في عصره فقد أصبح رواجها قليلًا، وذلك لانصباغ الزمن بغير الصبغة الماضية تمدناً وعادة وتقاليد. ومع ذلك فلا تزال طوائف منهن يندبن للندب فيندبن؛ وذلك عندما يموت أحدُ الأغنياء أو التجار الكبار، فيأتي أهله باللطامات، ويوفوهن أجورهن سلفاً، وعلى قدر ما يعطوهن من الأجرة يقمن بنظيره من العمل: إن كان كثيراً فكثير، وإن كان قليلاً فقليل.

ونقلا عن تقرير نشرته مجلة مصر المحروسة الثقافية، الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، يرجع الأديب خيرى شلبى العدودو فى مقدمة كتاب "فن الحزن" إلى أصول مصرية فرعونية مستندا إلى اهتمام المصرى القديم بطقوس الموت وإيمانه بعقيدة الخلود

وهو ما يتفق معه فى الرأى الباحث فى علم المصريات الدكتور أحمد صالح فى أن فن العديد كان معروفا  فى العصور المصرية القديمة، واعتبر أن أول معددتين فى التاريخ هى الإلهة إيزيس زوجة أوزوريس الذى قتله أخوه بحسب الأسطورة المصرية القديمة، وأخته نفتيس، ودلل على وجود هذا الفن فى عصر الفراعنة هو الصور على بعض جدران المقابر، وتظهر فيها المعددات أو النادبات وهن يسرن خلف الجنازة ومثالا على ذلك الصورة الموجودة على مقبرة "رعموزا" أحد نبلاء الأسرة التاسعة عشر الفرعونية.

يقول الشاعر والباحث فى الأدب الشعبى محمد شحاتة العمدة: "كانت هناك امرأة تقود العديد فى الجنازات وكانت تقول نصوص قوية وتسمى بمهنة "الشلاية" ولكنها اندثرت منذ أكثر من عشر سنوات بسبب التطور.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

مصطفى كامل والليثى وحمزة الصغير فى استقبال عزاء أحمد عامر

كواليس نهاية علاقة الهلال السعودى مع حمد الله بعد مشاركة 15 دقيقة فقط

جندي إسرائيلي يحرق نفسه داخل سيارة بسبب حالته النفسية لمشاركته فى القتال

الزمالك يعلن تشكيل الجهاز الفني بقيادة فيريرا.. وعبد الناصر محمد مديرا للكرة

أحمد السقا ضيف برنامج كلام كبير مع مها الصغير على قناة ON E.. فيديو


بشائر خير فى الزمالك خلال 24 ساعة

تفاصيل مفاوضات الأهلي مع مصطفى محمد.. زيزو وعاشور يُعرقلان الصفقة

ميركاتو الأهلى..7 راحلين و8 صفقات جديدة والقوس لا يزال مفتوحا

كريم عبد العزيز ينفرد بصدارة نادى الـ 100 فى إيرادات السينما المصرية

الداخلية تكشر عن أنيابها.. حملات مرورية مكبرة على الطريق الإقليمى.. القبض على 48 سائقا يتعاطون المواد المخدرة.. ضبط 36 هاربا من أحكام قضائية.. والتحفظ على 7 سيارات وتحرير 744 مخالفة متنوعة خلال 24 ساعة


عادل إمام وعبلة كامل وشريهان ظهور نادر يؤكد مكانة الثلاثى فى قلب الجمهور رغم الغياب.. مليونية فى حب الزعيم بعد ظهوره بكتب كتاب حفيده.. شريهان فى عرض مسرحى بكامل أناقتها.. وعبلة كامل محتفظة بجمالها بعد ظهورها

لارا ترامب زوجة نجل الرئيس الأمريكي تشارك في تدريبات عسكرية مع وزير الدفاع.. فيديو

الاقتصاد المصرى ينطلق ويحقق أعلى معدل نمو فصلى فى 3 سنوات.. 4.8% نمو بالربع الثالث من العام المالى 2024-2025.. استثمارات القطاع الخاص ترتفع 24.2% مستحوذة على 62.8%.. خبير: خلق بيئة جاذبة للمستثمرين يدعم النمو

إيفا لونجوريا تتدخل لإنهاء الخلاف بين فيكتوريا بيكهام وابنها بروكلين

الداخلية تضبط 48 سائقا لتعاطيهم المخدرات على الطريق الإقليمي

وزيرة التضامن تعلن زيادة الدعم النقدى تكافل وكرامة إلى 900 جنيه الشهر الجارى

إيقاف 7 مهندسين بسبب بناء جسر بزاوية 90 درجة فى الهند.. فيديو

ريال مدريد ينفرد برقم تاريخى فى كأس العالم للأندية تحت أنظار الأهلى

وزارة التعليم تحقق فى تداول أسئلة امتحان الرياضيات البحتة للثانوية العامة

ضجة تسونامى المزعومة.. لماذا يثير البحر المتوسط قلقاً غير مبرر؟.. الموج العالى وظهور القرش ظواهر طبيعية لا علاقة لها بالكوارث.. والنشاط الزلزالى طبيعى ولا ينذر بكارثة وشيكة.. والوعى العلمى خط الدفاع ضد الشائعات

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى