القارئ د. هانى سليمان يكتب: لماذا نقرأ التاريخ؟

 ورقة وقلم
ورقة وقلم

التاريخ هو أحد فروع العلوم الإنسانية التى تتناول نقل أحداث الماضى عبر الزمن لتصل إلى من لم يعاصروا تلك الأحداث، وقد اهتم الإنسان بأن يدون الأحداث كما هو مكتشف من نقوش فرعونية وبابلية واشورية توثق أحداثاً انتقلت عبر الزمن، وتطور التاريخ خلال القرون من مجرد التدوين إلى أن يأخذ شكل العلم من اتباع منهج علمى فى تحليل الأحداث والاثار وجمع لكافة ما تم كتابته وتدوينه وتقييمه والوصول إلى نسق مقبول من النتائج والتى إذا انتهت إلى الإجماع عليها أصبحت بمثابة ما يطلق عليه الحقائق التاريخية.

والتاريخ يتم قراءته فى إطار دراسات إلزامية سواء فى المدارس أو الجامعات كما يتم قراءته بشكل حر واختيارى من راغبى ومريدى التزود بالثقافة التاريخية، ولكن هل التاريخ يتم قراءته كحكاية أو حدوتة فى نسق روائى يقتصر على سرد وتسلسل الاحداث؟، اعتقد أن هذا خطأ كبير يقع فيه الغالبية، التاريخ ليس علم سرد روايات أحداث الماضى ولا يمكن ان يقتصر على ذلك فلعلم التاريخ غاية أكبر وأعظم ألا وهى التدبر والتحليل وعرض التجارب السابقة لاستخلاص دروس نستفيد منها فى تجربتنا الحالية والتى سوف تصبح لأجيال قادمة تاريخاً يقرأوه ليتسفيدوا منه.

فهناك منهجية ثابتة لدراسة الظواهر تقوم على فرضية مؤداها " أن الماضى يفسر الحاضر ويساعد على التنبوء بالمستقبل" وبذلك فإن هذه الفرضية يجب أن تشكل الغاية التى من أجلها يتم قراءة ودراسة التاريخ، فعند راسة الظواهر الاجتماعية على اختلافها ثقافية أو سياسية أو اقتصادية وتصدى الباحثين فيها لتفسير ما تمت ملاحظته فى الوضع الحالى للظاهرة محل الدراسة يشكل الاستقراء التاريخى والنظرة الثاقبة عبر الزمن أساساً فى تفهم التطورات والتغيرات والهياكل المختلفة لتفهم الأسباب والمقدمات وتحديد المتغيرات   ذات التأثير على تلك الظاهرة.

ففى علم السياسة على سبيل المثال يمثل التاريخ حجر الزاوية فى تفهم خلفية العلاقات بين الدول والتكتلات والأحلاف السابقة، كما يوفر التاريخ دروساً مستفادة فى نظام الحكم ويوفر مزيجاً من التجارب السابقة التى توفر لرجل السياسة من الاطلاع عليها خبرات واسعة تتعدى سنوات عمر القارئ لتضيف إليه سنوات عمر سابقيه ممن يقرأ تاريخهم وتجاربهم السياسية وقصص نجاحهم وإخفاقهم أو ليس من يقرأ تاريخ  سقوط دولة المسلمين فى الأندلس ويتدبر فيه ليعرف أن التناحر على السلطة فيه سقوط للدولة وأن استقواء أبناء الوطن الواحد - فضلا عن كونهم أبناء عمومة- بالقوى الخارجية ممثلة فى ملوك فرنسا وأسبانيا كان مآله إلى ضياع الملك والدولة بأكلمها إن هذا ما هو إلا درس ضمن دروس عدة يتضمنها التاريخ.

 أما فى علم الاقتصاد فإن الاستقراء التاريخى للظواهر الاقتصادية يمثل أحد منهجيات البحث لتفسير الظواهر الاقتصادية، كما ان عرض التجارب السابقة لتطبيق السياسات الاقتصادية يوفر دليلاً استرشادياً لصانع السياسة الاقتصادية، فعلى سبيل المثال كانت سياسة الخديوى اسماعيل التوسعية التى انتجت تنمية ظاهرية مستندة على الديون الخارجية والتى أدت إلى تراكم الديون بداية لزيادة التدخل الأجنبى فى مصر لينتهى الحال بإجبار الحكومة المصرية على أن يكون وزير المالية أجنبياً من الدول الدائنة وهو درساً يمدنا به التاريخ لإدارة السياسات الاقتصادية والحذر فى استخدام أدوات الدين، كما أن حرص المؤسسات الدولية ممثلة فى صندوق النقد الدولى والبنك الدولى على توثيق برامج الإصلاح الاقتصادى وإعادة الهيكلة التى خاضتها عدة دول على مدار الثلاثون عاماً الأخيرة بمثابة تاريخ لتجارب الإصلاح يستفيد منه صانع السياسة الاقتصادية المقدم على خوض تجربة الإصلاح الاقتصادى.

 أما فى علم الاجتماع فإن دراسة تاريخ المجتمعات توفر للباحث فى الظواهر الاجتماعية مراحل تطور المجتمعات والبوادر الأولى للتغيرات الاجتماعية والتركيبات الاجتماعية ومدى تقبل أو رفض المجتمع للأفكار والمبادئ الاجتماعية التى يتم طرحها، اليس حدثاً تاريخياً كالاستعانة بجنود من وسط آسيا فى عصر الدولة العباسية الثانية شكل طبقة اجتماعية عرفت من هؤلاء الجند سميت فيما بعد بالمماليك وشهدت هذا الطبقة حراكاً اجتماعياً فأكسبت  المجتمع عادات جديدة ومسميات للأشياء مختلفة عن قبل ، أو ليس مثلا تناول فكرة تعليم وخروج المرأة المصرية وما دار بصدد تلك الفكرة من مجادلات ورفض وتأييد وما انتهى إليه الأمر بحق المرأة فى التعليم والعمل، ألا يعد ذلك إشارة يمكن معها التنبوء بما حدث خلال العقود التالية من طرح تلك الفكرة من تزايد دور المرأة فى المجمتع والقوى العاملة، وكذا التغيرات التى لحقت بالبيئة التشريعية والقوانين لتمنح المرأة مزيداً من الحقوق والتى كانت لا تتمتع بها من قبل، وهنا كان الاستقراء التاريخى الدقيق لبدايات طرح فكرة تحرر المرأة والمطالبة بحقها فى التعليم والعمل دليلاً على تغيرا اجتماعياً.

ونهاية فإن هناك غاية عظيمة لقراءة التاريخ ألا وهى الأخذ بالقدوة الحسنة وقصص النجاح الخاصة بالشخصيات التاريحية سواء عند السن الصغير كطلبة المدارس والشباب فسيرة شخصيات مثل أحمس وعمر بن الخطاب و لينكولن و غاندى وغيرهم تمثل جذوة للمبادئ الحسنة والطموح والإصرار على النجاح وتحدى الصعاب، أوليس ذلك قد يوفر لهؤلاء الشباب والمراهقين دافعاً نحو التميز وطاقة دافعة لمواجهة صعاب الحياة؟.

 

 

 

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

التضامن تفتح باب التقديم لإشراف حج الجمعيات الأهلية موسم 1447هـ - 2026م

جلسة مع عدي الدباغ فى الزمالك خلال ساعات

معاش استثنائي للمستحقين.. اعرف إزاي تقدم طلبك لو ظروفك المادية صعبة

توروب يجري تعديلات على تشكيل الأهلي أمام سيراميكا بكأس عاصمة مصر

تفاصيل تعاون هيدى كرم مع محمد سعد لأول مرة فى عيلة دياب عالباب


دليل قانوني لكتابة قائمة الزواج وحماية الحقوق المالية

5 معلومات عن مباراة مصر ونيجيريا الودية استعداداً لـ أمم أفريقيا

اعرف حقوقك.. لا يجوز تشغيل العامل أكثر من 8 ساعات في اليوم

المصري ينتظر رداً من أحمد عيد لحسم تجديد تعاقده مع النادي

قانون التأمينات يحدد 4 حالات تُقطع فيها معاشات المستحقين أول الشهر


كواليس مفاجأة مونتيري المكسيكى لـ"أهلى البدري" لحرمانه من تكرار إنجاز المونديال

موعد بداية كأس أمم أفريقيا ومواعيد مباريات منتخب مصر.. إنفوجراف

انهيار سد فى ولاية واشنطن.. والسلطات الأمريكية تصدر أوامر إخلاء للسكان

محافظ القليوبية: المنازل المجاورة للسكة الحديد لم تتأثر بسقوط الحاويات

غرامة تصل لـ 5 ملايين جنيه عقوبة نشر أخبار خاطئة عن الطقس

مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء 16 - 12- 2025 والقنوات الناقلة

موعد مباراة المغرب والأردن في نهائي كأس العرب 2025

تعرف على موعد استطلاع دار الإفتاء هلال شهر رجب لعام 1447 هجريا

الأرصاد تتوقع فرص سقوط أمطار على القاهرة الكبرى وتحذر من سيول بهذه المناطق

طلاق المخرج حسام الحسينى وزوجته رسميا بعد 21 عاما من زواجهما

لا يفوتك


العالم يترقب حفل 2025 THE BEST فى قطر الليلة

العالم يترقب حفل 2025 THE BEST فى قطر الليلة الثلاثاء، 16 ديسمبر 2025 09:00 ص

المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى