الوجه الجميل للأوبئة.. الكوليرا سبب لزيادة الحدائق واتساع المساحات الخضراء

شكل وباء الكوليرا فى القرن التاسع عشر، بعضا من أشهر المناظر الطبيعية الحضرية فى العالم،  فمن المعروف أن الكوليرا مزقت نيويورك فى صيف عام 1832، تاركة ضحاياها بعيون غارقة وجلد أزرق وإسهال شديد وغثيان وقىء، وكان الوباء مصدره فى آسيا ثم شق طريقه عبر أوروبا قبل وصولها إلى شواطئ نيويورك، لم تستغرق الكوليرا سوى أسابيع قليلة كى تحصد أرواح أكثر من 3500 من سكان المدينة البالغ عددهم 250.000 نسمة، أى بمعدل وفاة مماثل، لأزمة كورونا حيث ستصل الوفيات في مدينة نيويورك إلى 118000 فى عام 2020، جاء ذلك بحسب ما ذكر موقع هيسترى.

عندما عادت الكوليرا للجولة الثانية في عام 1849 ، تجاوز عدد القتلى 5000 في المدينة، وطوال القرن التاسع عشر، ترك تفشى الكوليرا المتكرر علامة لا تمحى ليس فقط من حيث عدد الوفيات ولكن أيضًا فى عناصر التصميم الحضرى المحفزة مثل انتشار الحدائق المساحات الخضراء التي حولت نيويورك والمدن الرئيسية الأخرى إلى المدن الكبرى الشهيرة التى نعرفها اليوم.

الكوليرا تلقي اللوم على "الهواء الضار"

كانت مدن القرن التاسع عشر مزدحمة وقذرة وتوفر أرضا خصبة لتكاثر أمراض مثل الكوليرا، في حين أن القمامة وروث الحيوانات والنفايات البشرية تتدفق بحرية إلى مصادر مياه الشرب، كان كوكتيل الروائح القوية الذى ينتجونه هو السبب فى أن العديد من الأطباء يؤكدن أن انتشار المرض هو سببه قذاره الهواء.

والتزم مسؤولو الصحة العامة بفكرة تعود إلى العصور الوسطى بأن الأمراض المعدية كانت ناتجة فى المقام الأول عن الأبخرة الضارة التى تعرف باسم "الميازما" المنبعثة من المواد العضوية المتعفنة.

ودعا أنصار نظرية الميازما إلى تحسين التهوية والصرف والممارسات الصحية لتخليص المدن من الرائحة الكريهة والهواء الخبيث،  واستجاب قادة المدينة في نيويورك ، على سبيل المثال ، لتفشي الكوليرا من خلال طرد 20000 خنازير من قلب المدينة وبناء نظام قنوات مياه بطول 41 ميلًا يوفر مياه شرب نظيفة من شمال المدينة.

وتقول سارة جينسين كار، الأستاذة المساعدة في الهندسة المعمارية والحضارة والمناظر الطبيعية فى جامعة نورث إيسترن: "ربما يكون الخوف من الملاريا أكبر تأثير على البيئة العمرانية فى أعقاب وباء الكوليرا والحمى الصفراء".

وأوضحت سارة جينسين، أن قاد مبادرات البنية التحتية الضخمة في المدن الناشئة مثل تركيب أنظمة الصرف الصحى تحت الأرض، وغالبًا ما كانت هذه البنية التحتية تعنى أن الشوارع فوقها أصبحت أكثر استقامة وأوسع ، وكذلك رصفها بحيث يمكن غسلها بسهولة أكبر فى نهاية اليوم حتى لا تتسبب أكوام النفايات فى انبعاث الغازات المتصادمة.

فريدريك لو أولمستيد، مهندس مناظر طبيعية، دافع عن قوى الشفاء للحدائق، التى يعتقد أنها يمكن أن تعمل مثل الرئتين الحضريتين كـ "منافذ للهواء الفاسد ومداخل للهواء النقى".

وتشير كتاباته فى كثير من الأحيان إلى أهمية المساحات الكبيرة المفتوحة للسماح للناس بالوصول إلى الهواء النقي وضوء الشمس، ويناقش كيف يمكن" تطهير "الهواء بواسطة الشمس وأوراق الشجر، وبدأ التخطيط لمنتزه سنترال بارك، الذى صممه أولمستيد وكالفرت فو، فى أعقاب تفشى الكوليرا الثانى في نيويورك مباشرة، وبفضل نجاح هذا المشروع ، ذهب أولمستيد، الذى توفى طفله الأول بسبب الكوليرا، إلى تصميم أكثر من 100 حديقة عامة وأماكن ترفيهية بما فى ذلك تلك الموجودة فى بوسطن وبافالو وشيكاغو وديترويت.