اقرأ مع عباس العقاد.. "أنا" لست متكبرا لكن لا أبالى بآراء البعض

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
كتب أحمد إبراهيم الشريف
نواصل التعرف على مشروع الكاتب العربى الكبير عباس محمود العقاد (1889 -1964) الذى قدم فكرا تنويريا وأعاد قراءت التراث والواقع العربي، ونتوقف اليوم مع كتابه "أنا".

يقول عباس محمود العقاد فى الكتاب تحت عنوان " مكان التواضع واللين".

إننى لا أزعم أننى مفرط فى التواضع.
ولكننى أعلم علم اليقين أننى لم أعامل إنسانًا قط معاملة صغيرٍ أو حقير، إلا أن يكون ذلك جزاء له على سوء أدب.
وأعلم علم اليقين أننى أمقت الغطرسة على خلق الله، ولهذا أحارب كل دكتاتور بما أستطيع، ولو لم تكن بينى وبينه صلة مكان أو زمان، كما حاربت هتلر ونابليون وآخرين.
وأنا لا أزعم أننى مفرط فى الرقة واللين.
ولكننى أعلم علم اليقين أننى أجازف بحياتى، ولا أصبر على منظر مؤلم أو على شكاية ضعيف.
فعندما كنت فى سجن مصر رجوت الطبيب أن يختار لى وقتًا للرياضة غير الوقت الذى تُنصَب فيه آلة الجلد لعقوبة المسجونين.
فدُهِش الطبيب، ظن أنه يسمع نادرة من نوادر الأعاجيب …
وقال لى فى صراحة: ما كنت أتخيل أن أسمع مثل هذه الطلب من العقاد "الجبار".
أنا
 
وأُصِبت فى السجن بنزلة حنجرية حادة حرمتنى النوم وسلبتنى الراحة، ولم تزل هذه النزلة الحنجرية عندى مقدمة لأخطر الأمراض كما حدث قبل نيف وعشرين سنة، ونجوت منها يومئذ بمعجزة من معجزات العلاج والعناية وتبديل الهواء، ومن أجل هذه النزلة الحنجرية ألبس فى الشتاء تلك الكوفية التى علقتها الصحف الفكاهية فى رقبتى لا تحل عنها فى صيف أو شتاء، ولا فى صبح أو مساء، حتى أوشكت أن تكون من علامات تحقيق الشخصية قبل الملامح والأعضاء.
وكانت زنزانة السجن التى اعتُقِلت بها على مقربة من أحواض الماء، شديدة الرطوبة والبرودة، يحيط بها الأسفلت من أسفلها إلى أعلاها، ولا تدخلها الشمس إلا بإشارة من بعيد.
فعرض المحامون أمرى على المحكمة وحوَّلته المحكمة إلى النيابة، ودرسته النيابة مع وزارة الداخلية ومصلحة السجون، وتقرر بعد البحث الطويل نقلى إلى المستشفى، وإقامتى هناك فى غرفة عالية تشرف على ميدان واسع وحديقة فسيحة، وتتصل بالداخلين والخارجين أثناء النهار، ويتردد عليها الأطباء والموكلون بالخدمة الطبية من الصباح إلى الصباح.
فرج من الله، وأمنية عسيرة التحقيق تمهدت بعد جهد جهيد!
فصعدت إلى المستشفى وأنا أعتقد أن الخطر الأكبر قد زال أو هان، ولكنى لم ألبث هناك ساعة حتى شعرت أن الزنزانة المغلقة أهون ألف مرة من هذا المكان الذى أصغى فيه إلى أنين المرضى، وشكاية المصابين والموجعين، ثم غالبت نفسى ساعة فساعة، حتى بلغت الطاقة مداها ولما يطلع الفجر من الليلة الأولى، وإذا بى أنهض من سريرى وأنادى حارس الليل ليوقظ ضابط السجن ويعود بى إلى الزنزانة من حيث أتيت، ولتفعل النزلة الحنجرية وعواقبها الوخيمة ما بدا لها أن تفعل.
أنا أعلم من نفسى هذا، وأعلم أن الرحمة المفرطة باب من أبواب العذاب فى حياتى منذ النشأة الأولى، وأعلم ما أعلم عن تلك العواطف التى يتحدث بها بعض الفضوليين ولا يعرفون منها غير التصنع والتمثيل، وتدميع العيون، وتبليل المناديل، ثم أسمع جبلًا من هذه الجبال البشرية يذكر الرحمة وما إليها، كأنها حلية لا يزين الله بها إلا أمثاله، ولا يعطل الله منها إلا أمثال عباس العقاد … فماذا يكون حكمى بعد هذا على آراء الناس فى الناس؟!
لن يكون إلا قلة اعتداد برأى من الآراء يحسبونها الكبرياء وليست هى الكبرياء، ولكنها موقف من لا يبالى أن يعتقد من يشاء ما يشاء.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

هداف الدوري الإنجليزي التاريخي.. محمد صلاح خامس العظماء

أحمد العطار يعود للساحة الفنية بكليب "تعالى" بعد غياب سنوات

مروان عطية ينتظم فى تدريبات الأهلي خلال 10 أيام بع جراحة "الفتاق"

مصر تعود لقلب أفريقيا.. تخصيص 5 آلاف فدان لمزارعين مصريين فى كينيا.. اتحاد العمال يطلق مشروعا زراعيا مصريا ضخما فى نيروبى.. عيد مرسال يكشف: تسهيلات لسفر العمال وتأمينهم ومتابعتهم دون أى عائد مادى للنقابة

مجلس الشيوخ المصرى رحلة قرن ونصف من التشريع والحكمة.. من 1829 إلى 2024 ألغاز وحقائق تنكشف.. حكاية 9 ساعات فقط عُمر دورة انعقاد كاملة عام 1925.. تم حله 5 مرات ومازال صامدا.. المجلس رفضته الثورات وأعادته الدولة


من البطاطس إلى القهوة.. موجة الغلاء تضرب موائد العالم.. الأرز والكاكاو وزيت الزيتون ضحايا جديدة للتغير المناخى.. ارتفاع الأسعار تصل حتى 280%.. سعر القهوة يزيد 100%.. والزيتون يواصل الصعود بنسبة 50% سنويا

غدا.. النقل تبدأ برنامج التدريب المجانى لتأهيل سائقى الأتوبيسات والنقل الثقيل

التحقيقات: لصوص الهواتف المحمولة فى القاهرة نفذا 19 جريمة بأسلوب الخطف

حمدي فتحي في اختبار صعب مع الوكرة ضد العربي في الدوري القطري

مواعيد قطارات خط القاهرة أسوان والإسكندرية والعكس اليوم الجمعة 15-8-2025


سيدة استولت على أموال الشباب بزعم العمالة بالخارج والجهات المختصة تباشر التحقيق

موعد مباراة الأهلى أمام فاركو اليوم الجمعة فى الدوري المصري والقناة الناقلة

أشرف زكى يصدر قرارا بمنع الفنانين الحديث عن أزمة بدرية طلبة بأى وسيلة إعلامية

مواعيد قطارات خط القاهرة الإسكندرية والعكس اليوم الجمعة 15- 8 - 2025

حكم قضائى غير قابل للطعن.. تعرف عليه

محمد صلاح يتصدر قائمة أفضل لاعبي البريميرليج وفق تصنيف سكاي سبورتس

باكستان تعلن إنشاء "وحدة صاروخية" جديدة لتعزيز قدرات بلاده العسكرية

محافظ نابلس: الاحتلال يشن حرب استنزاف ومصر تقود الموقف العربى ضد التهجير

سنة دون مبرر.. غلق الوحدة السكنية يوجب إخلاءها فى قانون الإيجار القديم

بيراميدز يهزم الإسماعيلي ويحصد أول فوز بالدورى فى مباراة البطاقات الحمراء

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى