اقرأ مع عباس العقاد .. "داعى السماء" حكاية "صدق" بلال بن رباح

داعى السماء
داعى السماء
كتب أحمد إبراهيم الشريف
نواصل مع المفكر العربي الكبير عباس محمود العقاد، قراءة مشروعه الفكرى الذي يعد من أبرز ما أنتجته الثقافة العربية فى القرن العشرين، ونتوقف اليوم عند كتابه "داعى السماء : بلال بن رباح".

يقول عباس محمود العقاد عن صفات بلال:

كان بلال رجلًا على سواء الفطرة.
وآية ذلك أنه كان كما ينبغي أن يكون كل رجل قوي الطبع من بني جلدته وفي مثل نشأته، يمر بالحوادث التي مرَّ بها ويمارس التجارب التي مارسها.
وقد تقدم في صفات الموالي الأفريقيين أنهم ينقمون الإساءة على المسيئ ويحفظون الحسنة لمن يحسن إليهم ويملكهم بمهابته وطيب سجاياه.
داعي السماء
 
وهكذا كان بلال رضي الله عنه في مجمل صفاته: كان متصفًا بأجمل صفات بني جلدته: وهي الأمانة والطاعة والولاء والصدق مع الولاء، وكانت فيه مع ذلك قسوة وعناد في موضع القسوة والعناد، ولكنه لم يكن بالمبتدئ في قسوته ولا بالمكابر في عناده. إنما كان لقسوته عذر أو سبب، وكان لعناده فضل الإصرار على الإيمان بالصواب.
قال ابن الرومي:
إذا الأرض أدَّت ريعَ ما أنت زارعٌ من البذر فيها فهي ناهيك من أرضِ
ولا عيبَ أن تُجزي القروضَ بمثلها بل العيبُ أن تدَّانَ دَيْنًا فلا تقضي
فالذين أساءوا إلى بلال كانوا لا يحمدون أثر الإساءة فيه، وكانوا يطلبون منه الرضا حيث أسلفوا له المساءة، فلا يجدون الرضا حيث طلبوه؛ فإذا بهم ينحلونه صفاتهم ويعيبونه بمساءتهم، وينكرون صحبته كما ينكر صحبتهم. ومن ذاك أنَّ مشتريًا أراد أن يساوم فيه سيدته "قبل أن يفوتها خيره وتحرم ثمرته" فقالت له متعجبة: وما تصنع به؟ إنه خبيث … وإنه. وإنه إلى آخر ما وصفت به سخطه على سوء المعاملة وسوء العشرة.
ومع هذا قد أجمع الذين وصفوا بلالًا على أنه كان طيب القلب صادق الإيمان، وأنه أبعد ما يكون عن خبث أو كنود، وإنما هو بشرة سوداء على طبع صاف يرى الناس وجوه أعمالهم فيه.
وقد كان أكرم صفاته الفطرية مما يوافق الطاعة وصدق الولاء، فكان إيمانه القوي بالله، وإخلاصه المكين لرسول الله، هما الذروة التي ترتقي إليها محاسن بني جلدته، ومحاسن كل مولى مطيع، سواء أكان ولاؤه ولاء تابع لمتبوع أم ولاء معجب بمن يستحق الإعجاب.
كان حبه لرسول الله هو لب الحياة عنده، وهو معنى الدنيا والآخرة في طوية قلبه، وعاش ومات وهو لا يرجو في دنياه ولا بعد موته إلا أن يأوي إلى جواره وينعم برضاه.
وحضرته الوفاة فكانت امرأته تئن وتغلبها النكبة في قرين حياتها فتصيح: واحزناه.
وكان هو يجيبها في سكرات الموت: بل وافرحتاه! غدًا نلقى الأحبة. غدًا نلقى الأحبة، محمدًا وصحبه.
على هذا عاش وعلى هذا مات، وما كان له علاقة تربطه بهذا الكون العظيم إلا وهي في جانب منها علاقةٌ بمحمد رسول الله ومحمد سيده ومولاه.
وتلك الزوجة الوفية البارة كانت ترضيه في معظم حالاتها، وكانت لا تخليه من مناكفة في بعض حالاتها؛ كما يتفق أحيانًا في كل عشرة بين الزوجين وفي كل صلة بين إنسانين، فكان يقبل منها كل ما يسر ويسوء إلا أن تمسه في لب اللباب وأصل الأصول ومناط الحياة والكرامة عنده: وهو إخلاصه لرسول الله وصدق الرواية عنه. فاستعظمت يومًا ما يحدثها به عن رسول الله فإذا به يثور ويغضب ويهم بالبطش بها ثم يدع المنزل محنقًا مقطبًا حتى يلقاه الرسول، فيلمح ما به من تغير حال ويعلم سره فيشفق أن يدعه على ما هو فيه وأن يدع لزوجه مظنتها في صدقه.
ويذهب معه إلى بيته فيقول للمباركة: "ما حدثك عني بلال فقد صدق. بلال لا يكذب، فلا تغضبي بلالًا".
فإذا المولى الأمين هانئ قرير.
وقد أثر عنه هذا الصدق بين الصحابة فكانوا يشكون في أبصارهم ولا يشكون في روايته ونقله. ويروون عنه رواية اليقين في شئون الصلاة والصيام.
ففي صحراء العرب حيث يضيء النهار إلى ما بعد غروب الشمس وتشيع لمحات النور قبل مطلعها كان بعض المسلمين يترددون في مواعيد السحور والإفطار فيقولون: إنا لنرى الفجر قد طلع، أو يقولون: ما نرى الشمس ذهبت كلها بعد، فإذا سمعوا من بلال أن رسول الله أكل أو أنه ترك رسول الله يتسحر فالقول ما قال بلال، وليس للشك في ضوء النهار مكان.
وقد لزمت بلالًا عادة الصدق في كل كلام يبلِّغه المسلمين عن النبي أو يبلغه إليهم في شأن من عامة الشئون وخاصتها، فلما رجاه أخوه في الإسلام — أبو رويحة — أن يسفر له في زواجه عند قوم من أهل اليمن لم يزد على أن قال: «أنا بلال بن رباح وهذا أخي أبو رويحة، وهو امرؤ سوء في الخلق والدين، فإن شئتم أن تزوجوه فزوجوه، وإن شئتم أن تدعوا فدعوا …»
فزوجوه فكان حسبهم عنده أن يقبل الوساطة ولا يرده أو يموِّه عليهم أوصافه!
وقد كان من ولائه لأبي رويحة هذا أن ضُمَّ ديوان عطائه إليه حين خرج إلى الشام. فلما دون الفاروق دواوين الصحابة سأله: إلى من تجعل ديوانك يا بلال؟ قال: "إلى أبي رويحة لا أفارقه أبدًا؛ للأخوة التي كان رسول الله عقد بينه وبيني".
وذاك أن رسول الله قد آخى بينهما قبل الهجرة إلى المدينة كما آخى بين غيرهما من صحابته الأوفياء. فكانت أخوة العمر عنده من فضل الولاء لرسول الله. وكان أحب الناس إليه وأولاهم برعيه من أمره رسول الله أن يحبه ويرعاه.

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

أزمة مباراة القمة.. التظلمات تستمع لأقوال رئيس لجنة المسابقات قبل إصدار القرار

قرار هام من وزير التربية والتعليم لمعلمى الحصة بعد قليل

وفد روسى يصل إلى اسطنبول للمشاركة فى المحادثات بشأن السلام مع أوكرانيا

بعد زلزال اليونان.. تعرف على الاستعدادات الدائمة لمركز السيطرة الموحد بالإسكندرية لمواجهة الأزمات والكوارث.. 1250 مُعدة هندسية تشمل الصرف الصحى ومياه الشرب والكهرباء.. و20 عربة إسعاف مجهزة لنقل الحالات

منتخب الشباب يواجه المغرب في نصف نهائي أمم أفريقيا تحت 20 سنة.. اليوم


الزمالك يدرس مقترح أيمن الرمادى لاستغلال فترة التوقف قبل مواجهة بتروجت

الأهلى يواجه الزمالك بالجولة الثانية من نصف نهائي سوبر السلة رجال

لجنة التظلمات تحسم اليوم مصير شكاوى الأهلى والزمالك وبيراميدز في أزمة القمة

الرئيس الإيرانى ردا على ترامب: لن نرضخ لأى متنمر

لقاء الخميسي تفاجئ جمهورها بجلسة تصوير داخل الجيم بفستان سهرة.. صور


الأطفال تموت جوعًا ومرضًا.. تحذيرات أممية من استمرار الحصار على سكان غزة.. الصحة العالمية: القطاع يواجه أسوأ أزمات الجوع فى العالم.. أوتشا: الاحتلال الإسرائيلى يعرقل مهام أفراد الإغاثة لمنع إنقاذ حياة الأهالى

حريق بكورنيش مصر القديمة.. والحماية المدنية تتمكن من إخماده (صور)

وزيرة خارجية كندا تتهم إسرائيل باستخدام نقص الغذاء سلاحا سياسيا في غزة

موعد إجازة وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025 فلكيًا

فى فيديو مؤثر.. حسام البدري يشكر الدولة على عودته الآمنة من ليبيا

موعد مباراة الأهلي أمام البنك فى دوري nile والقناة الناقلة

6 مواجهات لا تفوتك فى صراع الهبوط بالدورى هذا الموسم.. الإسماعيلى والمحلة الأبرز

"حر نار نهارا متعدل ليلا".. حالة الطقس اليوم الخميس 15 مايو 2025 فى مصر

الخارجية الأمريكية: إعادة بناء غزة أمر مستحيل فى ظل احتمال تدمير القطاع مجددا

الخارجية تعلن تشكيل غرفة عمليات لمتابعة التطورات فى ليبيا

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى