فتوى اليوم.. ما حكم صلاة الجماعة لمن كان مريضا بمرض معدٍ؟

دار الإفتاء
دار الإفتاء
كتب لؤى على
يواصل اليوم السابع تقديم خدماته "فتوى اليوم"، حيث ورد سؤال لأمانة الفتوى بدار الافتاء المصرية كالآتى: ما حكم صلاة الجماعة لمن كان مريضًا بمرض مُعدٍ، ويخشى أن يؤذي الناس وينتشر بينهم المرض؟، وجاء الرد كالآتى: 
 
حرص الإسلام على لمّ شمل المؤمنين وضم قوتهم المادية والمعنوية بعضها إلى بعض حتى يكونوا يدًا واحدة وصفًّا واحدًا وقوة عظمى في عمل الخير وصد الشر، ولذلك كان من أهم شعائر الإسلام المؤكدة لتلك الوحدة صلاة الجماعة؛ قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ [آل عمران: 103]، وقال عز وجل: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ [البقرة: 43]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة: 119]. 
 
فلا ينبغي للمؤمن أن يكتفي بكونه صادقًا بل لا بد أن يكون قريبًا من المؤمنين الصادقين وفي جماعتهم في بيوت الله وعلى طاعة الله عز وجل، فالمؤمن لا يعيش فردًا منعزلًا وإنما يحيا فردًا في جماعة وأمة وثيقة الروابط والصلات.
 
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلَاةُ إِلَّا قَد اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ، فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ مِنَ الْغَنَمِ الْقَاصِيَةَ». قَالَ زَائِدَةُ: قَالَ السَّائِبُ: يَعْنِي بِالْجَمَاعَةِ: الصَّلَاةَ فِي الْجَمَاعَةِ. رواه أبو داود والنسائي والحاكم.
 
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ؛ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى، دَعَاهُ، فَقَالَ: «هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَأَجِبْ» رواه مسلم.
 
فدلت هذه الآيات والأحاديث الشريفة على عظيم قدر صلاة الجماعة وأهميتها في حياة المسلم، حتى قال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنِ الصَّلَاةِ إِلَّا مُنَافِقٌ قَدْ عُلِمَ نِفَاقُهُ، أَوْ مَرِيضٌ، إِنْ كَانَ الْمَرِيضُ لَيَمْشِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ حَتَّى يَأْتِيَ الصَّلَاةِ"، وَقَالَ: "إِن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ عَلَّمَنَا سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّ مِنْ سُنَنَ الْهُدَى الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يُؤَذَّنُ فِيهِ" رواه مسلم.
 
فأفاد بأن المرض كان مما يستساغ معه التخلف عن صلاة الجماعة، فإن اجتمع مع المرض ما يتأذى منه المصلون أو ينفرهم أو يلحق بهم الضرر تعين على المريض الامتناع عن الجماعة حتى يذهب عنه ذلك، فإيذاء المسلمين أو التسبب في إلحاق الضرر بهم يتنافى مع مقاصد الشريعة من صلاة الجماعة؛ فَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْبَقْلَةِ -الثُّومِ- وقَالَ مَرَّةً: مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ» متفق عليه، واللفظ لمسلم.
 
وعن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضِي اللهُ عنهُ أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: الثُّومُ وَالْبَصَلُ، وَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَأَشَدُّ ذَلِكَ كُلُّهُ الثُّومُ، أَفَتُحَرِّمُهُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: «كُلُوهُ، وَمَنْ أَكَلَهُ مِنْكُمْ فَلَا يَقْرَبْ هَذَا الْمَسْجِدَ حَتَّى يَذْهَبَ رِيحُهُ مِنْهُ» رواه أبو داود.
 
وقد قاس العلماء بطريق الأولى منع المريض بمرض معدٍ على المنع الوارد في الحديث في شأن الإيذاء برائحة الثوم والبصل؛ إذ إن المصلين يتأذون من المريض المصاب بمرض معد أشد من تأثرهم وتأذيهم بمن أكل البصل والثوم، وقد أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أكل شيئًا منهما بألا يقرب المسجد، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» رواه ابن ماجه.
 
ويؤكد المنع ما ورد في الحديث عَنْ عَمْرو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: «إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ» رواه مسلم. قِيلَ: لِأَنَّ الْجُذَامَ يَتَعَدَّى عَادَةً، وَقِيلَ: لِئَلَّا يَظُنَّ أَحَدٌ الْعَدْوَى إِنْ حَصَلَ لَهُ جُذَامٌ. "حاشية السندي على سنن ابن ماجه" .
 
هذا وقد ورد حديثان ظاهرهما التعارض، لكن حقيقة ما تناوله كل واحد منهما يختلف عما تناوله الآخر؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، حِينَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا عَدْوَى وَلَا صَفَرَ وَلَا هَامَةَ»، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَمَا بَالُ الْإِبِلِ تَكُونُ فِي الرَّمْلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ، فَيَجِيءُ الْبَعِيرُ الْأَجْرَبُ فَيَدْخُلُ فِيهَا فَيُجْرِبُهَا كُلَّهَا؟ قَالَ: «فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ؟» متفق عليه.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ قَالَ: «لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ» رواه مسلم.
 
قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (14/ 213-214، ط. دار إحياء التراث العربي): [قال جمهور العلماء يجب الجمع بين هذين الحديثين وهما صحيحان، قالوا: وطريق الجمع أن حديث لا عدوى المراد به نفي ما كانت الجاهلية تزعمه وتعتقده أن المرض والعاهة تعدي بطبعها لا بفعل الله تعالى، وأما حديث لا يورد ممرض على مصح فأرشد فيه إلى مجانبة ما يحصل الضرر عنده في العادة بفعل الله تعالى وقدره، فنفى في الحديث الأول العدوى بطبعها، ولم ينف حصول الضرر عند ذلك بقدر الله تعالى وفعله، وأرشد في الثاني إلى الاحتراز مما يحصل عنده الضرر بفعل الله وإرادته وقدره، فهذا الذي ذكرناه من تصحيح الحديثين والجمع بينهما هو الصواب الذي عليه جمهور العلماء ويتعين المصير إليه] اهـ.
 
إذَن، فالمرض لا يعدي ولا تنتقل العدوى وتصيب الإنسان بذاتها، وإنما بقضاء الله وقدره؛ فهناك أمراض جعلها الله تعالى سببًا لنقل العدوى بالمخالطة، أو بتعبير أدق لحدوث مرض مماثل لشخص آخر، ولكن ذلك على سبيل العادة الجارية؛ كتأثير النار بالإحراق، والماء بالري، والطعام بالشبع، فإن كل التأثيرات وما شابهها إنما تقع بإرادة الله، وتتخلف كذلك، فهذا ما يجب الإيمان به، أما العمل فينبغي للمريض بمرض معدٍ أن يحترز عن مخالطة الأصحاء حتى لا يكون سببًا لجريان العادة عليهم أو سببًا في زعزعة إيمانهم بأن ذلك قدر الله الواجب عدم الاعتراض عليه؛ إذ لا يد للمريض الأول فيه على الحقيقة، ولكن الناس عادة في مثل هذه المواقف قد تذهل عن هذا المعنى ويغلب عليها سوء الظن فتقع بينها وبين المريض الوحشة والنفور.
 
وبناءً على ما سبق: فإنه إذا تمكن المريض بمرض مُعدٍ أن يحضر صلاة الجماعة ويتخذ موضعًا يصح له فيه الاقتداء بالإمام، ويغلب على ظنه ألَّا يتضرر به الناس، فيجوز له ذلك، وإلا فلا يجوز له إيذاء المسلمين بمرضه ولا التسبب في الإضرار بهم، وإن كان الإضرار من باب التسبب في جريان العادة؛ إذ كثير من الناس قد يذهلون عن أن وقوع المرض بالقدر لا بالعدوى والانتقال من المريض الأول، فتقع العداوة أو الكراهية والنفور على خلاف ما قصده الشرع الشريف من صلاة الجماعة وبث الشعور بالإخاء والمحبة بين المسلمين.
 
 
 

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

هل تنتهى "العداوة المصطنعة" بين الأهلي والإسماعيلى بعد إلغاء الهبوط؟

تزوجى من غيرى ولا تحرمى نفسك من شىء.. آخر كلمات إيلى كوهين فى وصيته

جوزاف عون: مصر أم الدنيا وبيروت "ست الدنيا" والنقوش على المعابد تؤكد أخوّتنا

ميمي عبد الرازق يقود اليوم أول مران للمصري بعد تعيينه مديراً فنياً

شيماء سيف تقضى عيد الأضحى على المسرح بالكويت


تطورات تمديد عقد حمزة علاء مع الأهلى بعد رفض عرض الزمالك

النيابة تحقق فى سرقة ملايين الدولارات من مسكن الدكتورة نوال الدجوى بأكتوبر

بلومبرج: بوتين واثق من امتلاكه "اليد العليا" قبل مكالمته مع ترامب

أمن الجيزة يفحص مشتبه بهم لكشف هوية المتهم بسرقة مسكن الدكتورة نوال الدجوي

رئيس اتحاد الاسكواش للاعبين بعد التتويج ببطولة العالم: أنتم قدوة في الإصرار


فحص كاميرات المراقبة لكشف هوية المتهم بسرقة مسكن الدكتورة نوال الدجوي

ماذا كتب الجاسوس الإسرائيلى إيلى كوهين فى وصيته قبل إعدامه بساعات؟

الأكبر منذ 20 عاما.. مظاهرات فى هولندا تندد بمجازر الاحتلال فى غزة.. فيديو

الإعدام لمتهم قتل طليقته وأشعل النار فيها بالإسكندرية

طليقها يطالب برؤية الطفل.. 6 معلومات عن دعوى رؤية نجل جورى بكر

مصطفى شعبان ليس نجم تمثيل فقط.. فارس ومذيع ومطرب ونجم إعلانات

الطقس اليوم.. حار بالقاهرة شديدة الحرارة جنوبا والعظمى بأسوان 47 درجة

الأهلي يحدد موعد إعلان تنصيب ريفيرو مديراً فنياً للفريق

وزارة التعليم: 4 سنوات سن التقدم لـ"kg1" بالمدارس الرسمية للغات لعام 2026

مواجهة من العيار الثقيل.. موعد مباراة الزمالك وبيراميدز فى نهائى كأس مصر

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى