سلامة موسى وفن الحياة.. كيف يصبح الإنسان سعيدا؟

فن الحياة
فن الحياة
كتب أحمد إبراهيم الشريف
كان سلامة موسى (1887-1958) شخصا مهما فى الحياة الثقافية المصرية، وكان دوره الأبرز فى قدرته التأثيرية فى الأجيال التى تلته، ونتوقف اليوم عند أحد كتبه "وهو فن الحياة".
 

يقول الكتاب:

يعيش الحيوان على المستوى البيولوجى يأكل ويشرب ويتناسل، لكنَّا نحن البشر نعيش على المستوى المدنى الفنى الثقافى، وقد لا يصدُق هذا على جميع البشر، أو بتعبير أصح: قد لا يصدُق هذا القول من حيث الدرجة التى يبلغها البشر فى المدنية والفنون والثقافة، ثم هو لا يصدُق على جميع الطبقات حتى فى الأمة المتمدنة؛ فإننا ما زلنا نجد الطبقات الفقيرة فى مصر والهند تعيش على المستوى البيولوجى، بل الحال كذلك أيضًا فى الطبقات الفقيرة فى أمم أوروبا الجنوبية؛ حيث يقنع أفرادها بالحياة السلبية؛ أى باتقاء الموت والجوع والمرض والفاقة. وهؤلاء جميعًا لا يلتذُّون الحياة وإنما يكابدونها.

فن الحياة سلامه موسى
 
لكن جميع الأمم المتمدنة تحتوى طبقات من الشعب تعيش الحياة الإيجابية؛ إذ هى قد اطمأنت من ناحيتى الجوع والمرض، بل هى قد استبعدت الموت إلى ما بعد السبعين أو الثمانين من العمر، وهى تجد فى كفاية العيش ما يتيح لها الاستمتاع الروحى والمادي. وهذه الطبقات تمثل فى عصرنا طلائع البشرية القادمة؛ حيث يعيش جميع الأفراد — جميعهم بلا تمييز — على المستوى الفنى الكمالي؛ لأن الضروريات تتوافر إلى الحد الذى لا يحسب لها حساب، ولا تكون سببًا للهموم والاهتمامات. وليس هذا العصر بعيدًا، بل هو أقرب إلينا مما نتخيل.
 
والإنسان فى كفاحه الاجتماعى ينشد الضروريات أولًا، حتى إذا توافرت طلب الكماليات، ثم تعود هذه الكماليات ضروريات الأجيال القادمة؛ فهى ترف أولًا يقتصر على أفراد معدودين، ثم رفاهية ثانيًا تشمل طبقة كبيرة، وأخيرًا ضرورة لجميع أفراد الشعب المتمدن المثقف.
 
انظر إلى الطعام ينشد فيه الإنسان البدائى الشبع، لا يرجو غير الضرورة البيولوجية، وانظر إلى المسكن الذى كان يبنيه للاحتماء من الوحش أو العدو أو الجو، وانظر إلى اللباس الذى كان يتخذه للدفء! أجل، لقد كان الطعام والمسكن واللباس من الضروريات، ولكن مَن منَّا نحن المتمدنين يقنع من هذه الثلاثة بالضروريات البيولوجية فى عصرنا؟!
 
صحيح أن للفاقة ضغطها المرهق بين الطبقات التى لا تزال فى أسفل الدرج من السلم الاجتماعي، وصحيح أن هذه الطبقات لا تزال تقنع بالضروريات البيولوجية من المسكن واللباس والطعام، ولكن فى كل أمة طبقات أخرى استمتعت بقسط كبير من المال والثقافة والحضارة، وهى لذلك تتوخى الفن فى كل ما تتناول من عمل؛ فالمسكن ليس مأوًى فقط؛ إذ هو متحف أيضًا يتزين بالأثاث الفاخر والصور الجميلة والطرف الأنيقة، وسيداتنا وآنساتنا لا يطلبن من اللباس دفئًا قدر ما يطلبن منه زينة وجمالًا، والمائدة التى تحمل ألوان الطعام تتفنن فى ترتيبها وإيجاد الأطباق الثمينة والآنية الغالية عليها. وهذا إلى ترتيب الزهور ونحو ذلك حتى ليُعدَّ تناول الطعام منها نشاطًا ذهنيًّا فنيًّا.
 
فهنا فنون فى البناء والأثاث واللباس والمائدة، نرتاح إليها، ولا نرضى بأن نعيش بدونها تلك المعيشة الفطرية التى كان يقنع بها الإنسان البدائي، وما زال يضطر إلى أن يقنع بها أو بما يقاربها الفقير المغبون. وقيمة الفن أنه يرفع مألوفنا إلى مستوًى من الجمال نزداد به لذة واستمتاعًا، بل نزداد به فهمًا ووجدانًا.
 
وبالفن نرفع المشى إلى الرقص، ونرفع النثر إلى الشعر، ونجعل من الكلام بلاغة، وكذلك نستطيع أن نعيش الحياة الفنية؛ فنهدف إلى الفن فى الحياة، والبلاغة فى السلوك والتصرف.
 
ويجب أن يكون فن الحياة أخطر من فنون الحضارة؛ لأنه إذا كان من الحسن أن نتخذ الزى الفنى للباسنا؛ فإن من الأحسن أن نتخذ الزى الفنى لحياتنا وتصرفنا وسلوكنا.
 
والمشكلة الأولى لكل إنسان على هذا الكوكب أنه سيعيش سبعين أو ثمانين سنة، فكيف يقضيها؟! هل يعيش تلك الحياة التى يصفها شكسبير بأنها «قصة يقصها أبله، فتحفل بالضوضاء والغضب ثم لا يكون لها مغزًى؟» أو يعيش تلك الحياة البقلية يولد وينمو ويموت وكأنه بعض البقول؛ لأن قصارى ما كان يطلب طعامٌ وكساء ومأوًى؟!
 
قد يخطر بذهن القارئ عندما نذكر الحياة الفنية أو الحياة البليغة أننا إنما نقصد إلى زخارف وبهارج، ولكن الفن الخالص والبلاغة الحقيقية يعنيان فى لبابهما حكمة وسدادًا؛ لأن كلمات الحكمة هى أسمى أنواع البلاغة والفن. ولكن ما هى الحكمة؟
 
هى العمل أحيانًا بالمعرفة.
 
وهى أحيانًا تجاهل المعرفة.
 
وهى التمييز فى القيم والأوزان.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

لارا ترامب زوجة نجل الرئيس الأمريكي تشارك في تدريبات عسكرية مع وزير الدفاع.. فيديو

مصدر في الأهلي: صفقة الحملاوي لم تُحسم.. وأوجستين خارج حساباتنا

9 آلاف دولار للفرد بإجمالى 5 مليارات.. شركة أمريكية تضع تكلفة تهجير الفلسطينيين

تلبية لاحتياجات السوق المحلى وتعزيز الصادرات.. الحكومة: إطلاق استراتيجية وطنية طموحة لتعميق صناعة السيارات محليًا: و1.5 مليار جنيه مخصصات لها لعام 2024/2025.. وتوقعات دولية بنمو قطاع السيارات فى مصر

اختبارات القدرات 2025.. نماذج استرشادية للامتحان بكليات الفنون الجميلة


الوطنى الفلسطينى: التهجير القسرى في الضفة ليس معزولا عما يجري في غزة

تنسيق الجامعات 2025.. نماذج استرشادية لاختبار القدرات لكليات الفنون التطبيقية

جيش الاحتلال: سلاح الجو قصف 130 هدفا فى قطاع غزة خلال 24 ساعة

بمناسبة عاشوراء.. أول ظهور علنى لخامنئى منذ بدء حرب إيران وإسرائيل

مليونية حب فى الزعيم عادل إمام بعد ظهوره..والجمهور يعبر عن اشتياقه


إنقاذ 60 شخصا علقوا داخل مبان جراء الفيضانات جنوب غرب الصين

بدون أسباب.. إقالة المتحدث باسم نتنياهو وتعيين زيف أغمون

نرمين الفقي تخطف الأنظار بصورها على البحر.. والجمهور: جمال طبيعى

المهدي سليمان .. هل يصبح إضافة وتدعيم لمركز حراسة مرمى الزمالك؟

منتخب قطر يتلقى عرضًا لمواجهة مصر وديًا استعدادًا لكأس العرب

رضا سليم يرحب بعرض الوداد.. والأهلي يميل إلى العروض المحلية

محمود محيي الدين: مؤتمر إشبيلية قدم حلولا جريئة لأزمة الديون العالمية

الصين بصدد إجراء تجارب انفتاح مؤسسى على مستوى أعلى فى مناطق التجارة الحرة

حراس المرمى الأكثر حفاظًا على شباكهم في البيج 5 منذ عام 2000

سلاح الجو الأمريكى يعترض طائرة فوق نادى ترامب للجولف

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى