ليس ثمة ما يدعو للبهجة.. الإنسان فى مواجهة نفسه

أحمد إبراهيم الشريف
أحمد إبراهيم الشريف
أحمد إبراهيم الشريف
المجموعة القصصية "ليس ثمة ما يدعو للبهجة" لـ مصطفى أبو حسين، والصادرة عن دار نشر الأدهم، مجموعةٌ تستحق بالفعل أن نتوقف أمامها، وذلك لكونها تتجاوز مفهوم قص الحكايات إلى تشكيل الحكايات، وذلك لما تقدمه من فنيات متعددةـ ورؤية واضحة.
 
ويمكن لنا النظر إلى المجموعة القصصية من خلال مستويات عديدة منها:
مستوى البناء
مستوى الرؤية
مستوى التأويل
 

المستوى الأول: مستوى البناء 

أول ما يستوقفنا فى المجموعة هو التريث قبل الدخول إلى النصوص، أى ما يمكن أن نطلق عليه العتبات.

سنجد أنفسنا أمام عدد من هذه "العتبات"، تمثلت فى التمهيدات المتعددة من (غلاف، وعنوان - وإهداء - واقتباس –و إشارة - وتحذير) كل ذلك فصلنا عن القصة الأولى "هَنَا.. وشغل السيما"، كما نجد أن "الاقتباسات" تظهر مرة أخرى فى مقدمات العديد من قصص المجموعة، وهذه التمهيدات عادةً ما تكون لها وظيفةٌ توضيحيةٌ أو دلالة ما ستظهر لنا فى النصوص.
 
وبالفعل حدث ذلك: فالإهداء الذى تقدم به المؤلف إلى الأب والأم فى حالة إنسانية "من الحزن المضاعف" فقد رحلا ولا يفصل بينهما إلا واحد وعشرون يوما، ينتهى هذا الإهداء باسم "مصطفى أبو حسين" وأسفله اسم "نادر"، ونادر هذا سنجده كثيرًا فى القصص، يقدم إمضاء فى آخرها مسجلا تاريخ "انتهاء كتابة القصة".
أما فى "تحذير" فيقول "إذا كنت تبحث عن التسلية فلن تجدها فى هذا الكتاب.. هنا تُكتب الفاجعة"، وهى جملة خطيرة بالفعل، لأنها تتماشى مع العنوان، وسوف نعود إليه، حيث صبغا (الإهداء والتحذير) الحالة النفسية المطلوبة لقراءة المجموعة، وذلك "خطير" كما ذكرنا من قبل، لأنه قد يدفع البعض للخوف من قراءة المجموعة، لكن بسبب الرؤية الفلسفية للمؤلف، فإنه يرى الصراحة فى مثل هذه الأمور أكثر فائدة من الخداع.
 
المقولات 
وهى منتشرة داخل المجموعة، فأسماء الفلاسفة ومقولاتهم بمثابة ركائز أساسية، ظهرت على ألسنة الكثير من الشخصيات داخل العمل، نتفق مع معظمها، ونختلف مع القليل، أى القليل من الشخصيات التى استخدمتها، تقريبا فى قصة "اعترافات الروائية سميحة توفيق" لأنها، بعيدا عن حالة الاعتراف التى تمر بها الآن، هى شخصية سطحية على مستوى الثقافة، بدليل أنها لجأت إلى الطرق السهلة فى تحقيق أهدافها، ولا أعتقد أنها على علم بـ كانط وأفكاره، وبطلر ورؤيته، وفرانسيس كام، أو الحديث عن نظرية التداعى الحر، أو حتى رمزية الأخ الأكبر فى رواية 1984 لجورج أورويل.
لكن معظم الشخصيات الأخرى كان التوظيف للمعرفة الفلسفية متسقا معها بدرجة أو أخرى.
أما مقدمات القصص، فيمكن ملاحظة أمرين، الأول "الدخلة الفلسفية" فكثير من القصص تقوم على التأمل والمراقبة، والأمر الثانى أنه فى غياب "الفلسفة" تحضر الدخلة الرومانسية.
 
ومن الملاحظات المهمة أيضا المتعلقة بالبناء، التصاعد الدرامى فى المجموعة، فدائما فى نهاية القصص يزداد التوتر وتزداد حركة الشخصيات وتعلق القارئ بالحدث والرغبة فى معرفة المصائر.
 
وأريد، أيضا، أن أشير إلى البلاغة، خاصة التشبيهات مثل: "كأنى أصوب رصاصة ساخنة على قلب العالم البارد" فى القصة الأولى، ومن ذلك الاستعارات ومنها التشبه بالأنبياء التى تنتشر فى المجموعة بشكل أو بآخر.
 وفى موضوع البلاغة وصل الأمر فى قصة "ماذا عن أمينة 2" إلى أن القصة مبنية لغويا على الصور البلاغية.

المستوى الثاني: مستوى الرؤية

يتعلق هذا المستوى بتقنيات منها "الاعتراف" ويمكن النظر إلى جميع القصص من هذه الزاوية، وهنا وجبت الإشارة إلى أن المقصود الاعتراف وليس البوح.
وبالطبع فإن الاعتراف يختلف عن البوح، من وجهة نظري، فمعناه أن ما يقال الآن يقال للمرة الأولى، وأنه ربما يدين الشخص المعترف، وأن الغرض منه ليس البحث عن الراحة النفسية، ولكن التطهير أو المجاهرة، وقمة هذه التقنية تمثلت فى قصة "مسعود عبد الله.. الشيخ التعس" تبدأ القصة بـ "أنا شيخٌ تعس" وذلك فى بحثه عن السعادة التى لن يجدها فيرتكب الكثير والكثير من التصرفات، وها هو الآن يعترف لنا دون سبب يدعوه لذلك.
ويمكن ملاحظة "الاعتراف" فى أن بعض القصص يتحدث فيها الراوى إلى "القراء" بشكل مباشر، أى أنه يعرف أن ما يقوله سوف يعرفه الكثيرون وليس شخصا واحدا.
 
الجانب الثقافي
الشخصيات فى المجموعة لديها حصيلة ثقافية عالية، لأن أسماء الفلاسفة حتى غير المشهورين ومقولاتهم منتشرة فى العمل، بالتالى يمكن أن نتحدث بسهولة عن "القصة المثقفة" هنا، وسنجد إشارات كثيرة إلى أفلام سينمائية، وأعمال روائية وشعراء وكتاب عالميين بعضها فاعل فى بناء العمل مثل (رواية اللص والكلاب، ونصوص شعرية لـ محمد الماغوط، ومحمود درويش)، وغير ذلك.

المستوى الثالث التأويل 

هذا المستوى متعدد يبدأ من فكرة اختيار مصطفى أبو حسين لـ فن القصة القصيرة، فى إبداعه عامة، مع أن نَفَس شخصياته طويل ويمكن أن تدخل بسهولة فى فن الرواية (الشخصيات معا بتنوعها وتقارب عالمها يمكن أن تقدم عملا روائيا متكاملا"، من وجهة نظرى.
 
ثم نتحرك بعد ذلك إلى العنوان الذى قد يراه البعض محكمًا لا يعطى براحًا لعاطفة مخالفة، إنه يقول لنا "ليس ثمة ما يدعو للبهجة" أى أن ما ستقرأه فى المجموعة ليس مبهجًا بالمرة، وبغض النظر أنها عنوان لإحدى القصص، بطلها "مختار خليفة" الذى يرصد التحولات التى لحقت بصديقه "عادل أمين" على مر الزمن، إلا أنها تيمة متحققة فى كل القصص فعلا.
والعنوان يمثل رؤية عامة لـ أفكار مصطفى أبو حسين، ويدفعنا إلى سؤال مهم: ما الذى صنع غياب البهجة لأبطال المجموعة؟
سنجد أن كل شخصية لها وضعها الخاص فى ذلك:
بطل قصة "هَنَا.. وشغل السيما" الذى يسمى نفسه على الفيس بوك "غيوم بلا مطر": ضاعت يهجته بسبب الواقع فهو بالنسبة إليه ممل رتيب، لذا هرب منه، وذهب بكامل إرادته إلى السينما التى يحبها، لدرجة أنه ظن نفسه فى فيلم يشاهده الناس الآن.
أما "سميحة توفيق: فغياب البهجة سببه شعورها الكبير بأنها خطأ وأنها غير محظوظة كامرأة وغير موهوبة كروائية، وأنها لجأت للسبل المهينة للذات فى تعبيرها عن وجودها.
 
المستشار ياسر جلال: غابت البهجة بسب اختياراته منذ قرر أن يدرس الحقوق مرورا بالأحكام التى اتخذها وانتهاء بمخالفته وصية والده بدفنه فى مقبرة غير التى اختارها لنفسه.
مسعود عبد الله: ضاعت بهجته فى بحثه الصعب عن السعادة وعدم عثورها عليه، وهو يشبه الأبطال التراجيديين فى القصص الإنسانية الكبرى.
مختار خليفة: فى عدم توافقه مع المدينة (القاهرة) وفى مراقبته للزمن، وتأملاته فى اختلاف المصائر.
مختار وأمينة .. بسبب ضياع الحب، لقد فرطا فيه أو قضت الظروف عليه، المهم أن رجوعهما كان صعبا على المستوى النفسي، فما الذى سيستفيدانه بعد مرور كل هذه السنوات.
 
بطل رواية ليس فى وداع عيسى الجمال: بسبب تحطم المثاليات فى عينيه، وتغير الأفكار والمبادئ، وبسبب المدينة متحجرة القلب التى تشبه السيرك.
 بطل قصة "سعد الزعيم" شخص خائف متلعثم يفكر كثيرا لكنه لا ينفذ أفكاره.
 
.........
وهناك جانب آخر يمكن الإشارة إليه هو أن: القاهرة لها صورة واحدة فى المجموعة "سيرك"، كما أنها قاهرة بالفعل تجعل الجميع يغيرون مبادئهم ويشعرون بعجزهم وقلة حيلتهم.
 
كذلك جمال عبد الناصر أيضا له صورة واحدة لا تتغير، صورة تقف على الجانب الآخر من الصورة الشعبية، ناتجة من الرؤية الفلسفية المسيطرة على المجموعة.
 
وفى النهاية أقول: إن المجموعة القصصية غنية بكل ما بها من رؤى وأفكار وفنيات كتابة، ولغة قوية ودالة فى الوقت نفسه.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

موضوعات متعلقة

آرثر رامبو.. ابن موت

آرثر رامبو.. ابن موت الأربعاء، 10 نوفمبر 2021 11:27 ص

الأوبرا يا وزارة التربية والتعليم

الأوبرا يا وزارة التربية والتعليم الثلاثاء، 09 نوفمبر 2021 12:18 م

نصير شمة ومدن النرجس

نصير شمة ومدن النرجس الإثنين، 08 نوفمبر 2021 10:57 ص

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

محمد العتبانى حكما لمواجهة الأهلي وسيراميكا فى كأس عاصمة مصر

باريس سان جيرمان يحقق إنجازا تاريخيا بعد التتويج بلقب كأس الإنتركونتيننتال

تحذير هام من الشبورة المائية.. حالة الطقس اليوم الخميس 18 ديسمبر 2025

أخبار الرياضة المصرية الأربعاء 17 - 12 - 2025

بعثة منتخب مصر تصل المغرب استعدادا للمشاركة فى بطولة أمم أفريقيا


باريس سان جيرمان يتوج بكأس إنتركونتيننتال على حساب فلامنجو بركلات الترجيح

ركلات الترجيح تحسم قمة باريس سان جيرمان ضد فلامنجو فى نهائى كأس القارات

القضية السابعة.. فيفا يقرر إيقاف قيد نادى الزمالك لـ 3 فترات جديدة

مواعيد مباريات منتخب مصر فى بطولة أمم أفريقيا

طبيب الأهلى يكشف تطورات حالة أشرف بن شرقى


حالة الطقس.. سحب ممطرة على السواحل الشمالية الشرقية وأمطار متفاوتة الشدة

غياب الزعيم عادل إمام عن عزاء شقيقته

ابنة نيكول سابا تظهر لأول مرة فى كليب تلج تلج احتفالاً بالكريسماس

رئيس الوزراء: سنناقش إنهاء إجراءات تحويل الدعم العينى إلى نقدى الأسبوع المقبل

مجدى فكرى يقلب السوشيال ميديا بصور لرجل مختل عقليا.. والفنان يكشف الحقيقة

إصدار عملة تذكارية ذهبية وفضية بمناسبة 150 عاما على إنشاء هيئة قضايا الدولة

قرار حكومى بالعفو عن باقى مدة العقوبة لبعض المحكوم عليهم بمناسبة الاحتفال بعيد الشرطة

كيف دعم حسن حسني الراحلة نيفين مندور في فيلم اللى بالى بالك؟

أمم أفريقيا 2025.. موقف حكيمى من المشاركة فى مباراة المغرب وجزر القمر

طليقة مصطفى أبو سريع تحتفظ بصورهما بعد انفصالهما رسميًا

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى