معضلة الغرب وحقوق الإنسان

بيشوى رمزى
بيشوى رمزى
بيشوى رمزى
حالة من التفكك باتت تضرب أوروبا، تجلت في العديد من المشاهد، ربما أبرزها الأزمات الأخيرة، سواء فيما يتعلق بأزمة المهاجرين، على الحدود بين بولندا وبيلاروسيا، أو فيما يتعلق بالأزمة الروسية الأوكرانية، في ضوء تراجع الدعم الأمريكي من جانب، وضعف الاتحاد الأوروبى، على خلفية الخروج البريطاني، بالإضافة إلى الصعود الكبير، لتيارات اليمين المتطرف، والذى لا يحمل في أجندته ولاءً قاريا، على حساب الهوية، والتي تقوم في الأساس على احترام الخصوصية الوطنية لكل دولة، من جانب أخر، لتصبح أزمات القارة العجوز نتاجا لسياسات تبنتها حكوماتها لعقود طويلة من الزمن، أبرزها التبعية للحليف الأقوى، وهو الولايات المتحدة، بل والعمل على تدعيم قيادته الدولية، عبر نشر مبادئه، والعمل على تعميمها عالميا، عبر الحوافز، سواء سياسيا أو اقتصاديا، التي طالما قدمتها للدول التي دارت في فلك واشنطن ومن ورائها المعسكر الغربي تارة، أو من خلال استخدام "عصا" العقوبات، في وجه المارقين تارات أخرى.
 
ولعل أزمة المهاجرين، على سبيل المثال، تجسد بوضوح المعضلة الأوروبية الراهنة، في ظل معطيات عدة، من بينها، على سبيل المثال، سياسة الحدود المفتوحة بين دول القارة، أو استدعاء البعد الإنسانى، وهو ما ساهم في أزمة عميقة عانتها دول القارة، خاصة في الجانب الغربى منها، نظرا لغياب عامل هام وهو تنظيم عملية الهجرة واللجوء، حيث بات المهاجرون يستقطبون فرص العمل أكثر من المواطنين، وهو ما أدى إلى تفاقم نسبة البطالة، ناهيك عن مخاوف أمنية كبيرة، إثر تسلل عناصر خطرة إلى داخل الأراضى الأوروبية، وهو ما ترجمته العمليات الإرهابية التي ضربت بعض الدول في السنوات الماضية.
 
ولو نظرنا إلى الأسباب التي دفعت السلطات الأوروبية نحو هذا النهج المفتوح، ربما نجد أنها لا تقتصر على الأبعاد المذكورة سلفا فقط، حيث حملت في طياتها استجابة صريحة لدعوات أطلقتها أمريكا، ومن ورائها النشطاء الحقوقيين، والذين نجحوا إلى حد كبير في ابتزاز حكومات بلدانهم، إلى الحد الذى وصل إلى توجيه بوصلاتهم السياسية، وهو ما أدى إلى أزمة مزدوجة، تحمل في بعد منها التهديدات التي تسببت فيها تلك السياسات، بينما يقوم البعد الأخر على حالة الغضب الشعبي، تجاه الحكومات القائمة، وهو ما ترجمته نتائج الانتخابات في عدة دول أوروبية، حيث اتجه الشارع نحو تيارات أخرى بديلة، يحمل شعارات مناهضة، لمبادئ الليبرالية التي طالما تشدق بها القادة لسنوات طويلة.
 
وتعد ألمانيا أحد أهم النماذج البارزة في هذا الإطار، وهو ما يبدو في نتائج الانتخابات الأخيرة، والتي أطاحت بحزب المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، والتوجه يسارا، رغم ما تملكه من تاريخ سياسي كبير، مكثت به على قمة السلطة في بلادها لأكثر من 15 عاما، حيث استجابت في العديد من المراحل لمعطيات الصفقة الضمنية مع واشنطن، والتي تجلت في أبهى صورها خلال حقبة الرئيس الأسبق باراك أوباما، لتعتلى برلين عرش القارة العجوز، مقابل "التبشير" بما تفرضه أمريكا، وتكون أحد أذرعها لممارسة الضغوط على "المارقين"، بينما استجابت في أحيان أخرى، للنشطاء، على حساب القاعدة العريضة من الشارع، تحت مظلة حقوق الإنسان، مما دفع إلى تأجج الغضب الشعبي، ناهيك عن تراجع المكانة الدولية، في مرحلة ما بعد أوباما، إثر تدهور العلاقة مع واشنطن خلال حقبة خليفته دونالد ترامب، في حين لم ينجح، أو ربما لم يرغب، الرئيس الحالي جو بايدن، في القيام بدور المنقذ لها ولحزبها، متوجها نحو توطيد العلاقة مع بريطانيا، لتستعيد دورها القيادى في القارة، رغم ما يمثله هذا التوجه من تهديد صريح للاتحاد الأوروبى.
 
تجربة ميركل، ربما تكون ثرية سياسيا، فلا يمكن أن ينكر أحدا دورها القيادى، ونجاحاتها المبهرة، ولكن يبقى مشهد النهاية، في ذاته، درسا مهما، سواء لخليفة ميركل الحالي أولاف شولتس، والذى يبقى استمراره مرهونا بقدرته على احتواء أزمات الداخل، أو للحكومات الأوروبية الأخرى، حيث لم يعد الاعتماد المطلق على حليف واحد، مثمر، في ظل معطيات العالم الجديد، والتي تقوم في الأساس على التعددية، مع صعود قوى جديدة، أثبتت جدارتها، في تقديم يد العون للعالم في أزماته ذات الطبيعة المختلفة، وعلى رأسها الصين، بالإضافة إلى روسيا التي أثبتت الأزمات الأخيرة، في أوروبا، أن ثمة حاجة ملحة للحوار معها لتجاوز التحديات القارية، بعيدا عن الموقف الدولية الأخرى، والاعتبارات المسيسة التي طالما تشدق بها "المعسكر الغربي"، لعقود طويلة.
 
وهنا يمكننا القول بأن الحاجة أصبحت ملحة لدى الغرب الأوروبي، بعيدا عن حالات "التنظير السياسى"، الذى بات غير مجديا، في مواجهة شعوبهم، والتي شهدت تمردا صريحا على تلك "التابوهات" التي صنعوها في أعقاب الحرب العالمية الثانية، بينما لم تعد صالحة للتطبيق بنفس الآلية في الوقت الراهن، وهو ما ترجمته العديد من الاحتجاجات، التي شهدت بعضها، ما يمكننا تسميته بـ"الحنين" للديكتاتورية، في ظل الشعور العام، بأن الحكومات ينبغي أن تكون أكثر حسما وحزما في مواجهة أزمات الداخل لحماية حقوقهم، سواء في الأمن أو العمل أو الحياة الكريمة، بعيدا عن تنصيب أنفسهم في دور "المدافع" عن حقوق الإنسان في العالم.

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

القوة المقدسة.. رجال دين يلعبون دورا هاما فى سياسة غانا.. الدين والسياسة يتشابكان بشكل عميق فى الدولة الإفريقية.. قساوسة يتمتعون بنفوذ أخلاقى كبير على المواطنين.. وتأثير كبير على الناخبين وصناع السياسات والقادة

الزمالك يبلغ الراحلين عن الفريق بموقفهم بعد نهائى كأس مصر

الزمالك يختتم تدريباته استعدادا لمواجهة فاركو بختام الدورى

ضحكنا معه ولم ننساه.. إفيهات خالدة لحسن حسني في ذكرى رحيله

فيلم Thunderbolts يحقق 358 مليون دولار عالميا


كيلوغ: قلق روسيا بشأن توسع الناتو شرقا أمر طبيعى ومشروع

زد يبحث عن مهاجم سوبر لتدعيم صفوفه في الموسم الجديد

قضية الطفل ياسين تعود من جديد.. استئناف على حكم المؤبد للمتهم أمام الجنايات

اعترافات تشكيل عصابى بتهمة سرقة مواقع تحت الإنشاء

مسافر للصعيد.. إليك مواعيد القطارات المكيفة والروسى اليوم الجمعة 30-5-2025


الاستثمار فى المستقبل.. كيف تبنى مصر اقتصادًا مقاومًا للصدمات؟.. خارطة طريق لرفع الادخار لـ15.5% من الناتج المحلى 2028.. و45 مليار دولار مستهدفات تحويلات المصريين بالخارج.. و40 مليارًا استثمارات أجنبية مباشرة

400 قطعة من مقتنيات ديفيد لينش الشخصية فى مزاد علنى.. اعرف التفاصيل

تحذير هام من معهد التغذية: لا تشترِ هذه اللحوم فى عيد الأضحى المبارك

روبي تلتقى جمهورها فى الأردن الليلة

احذر الشبورة صباحًا.. حالة الطقس اليوم الجمعة 30 مايو 2025 فى مصر

الخارجية: لا مساس على الإطلاق بدير سانت كاترين والأماكن الأثرية التابعة له

بعد اطلاق اسم شقيق ووالدة حسن الرداد على أولاده.. لماذا خلد الرداد ذكراهم؟

موعد مباراة بيراميدز وصن داونز فى إياب نهائى دوري أبطال أفريقيا

مصطفى منصور وهايدى رفعت فى جلسة تصوير رومانسية احتفالا بخطبتهما

بنزيما: مباراة القادسية لن تكون سهلة.. ومستعدون لحسم لقب الكأس

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى