بحثا عن الثأر.. الضوى محمد الضوى يرثى الموتى والأحياء

أحمد إبراهيم الشريف
أحمد إبراهيم الشريف
أحمد إبراهيم الشريف
ذات يوم من شهر سبتمبر الماضى، وجد الصديق الشاعر الضوى محمد الضوى نفسه يتيمًا، حدث ذلك بعد ساعات قليلة من دخول الوالد العناية المركزة فى الأقصر، رحل فجأة، ومع ذلك ظهر الضوى متماسكا شجاعا فى مواجهة الفجيعة، لم يصرخ على صفحات السوشيال، لم يقل صرت وحيدا يا أبى، مع أنه صار وحيدا بالفعل، لكننى كنت أترقبه أعرف أن فى قلبه بركانا يريد أن يثور، يريد أن ينفجر، لا يمنعه سوى إيمان صاحبه.
 
وبعد هذه الشهور الصعبة خرج علينا الضوى بنص رثاء، لا تملك حين تقرأه سوى مجاوبته بالدمع، فقد تجاوز فيه شخصه وذاته، ووقف يرثى الجميع، يرثى الواقعين تحت سطوة الموت، الذى يحمل في يده منجلا يأخذ الأرواح ويخلف الحزن.

فى البيت
بعد موت أبي
يهرب كلٌّ منا بعينيه من عينى أخيه
من عينى أمه
كى لا تلتقى أعيُنُنا فتقول لبعضها بعضًا: (لقد مات)!

الذين عاشوا في الصعيد يعرفون ثقل الموت على البيوت التي فقدت أحباءها، إنه يحط على الجميع مرتديا القتامة ومصحوبا بدرجة من الإحساس بالذنب، فلا كلام، ولا ضحك، ولا ابتسامة، ولا حتى نظرة رضا في العيون، إننا لا نتحدث على الراحل إلا في صمت، لا نقول مات، لأننا لا نصدق أن ذلك حدث فعلا.

إننا نتحرك فى غرف البيت وممراته
كحركة النمل المنتظمة
الدؤوبة
عندما يمد شخصٌ متطفلٌ يدَه وينتزع من الصف المنتظم نملةً
لابد أن سرب النمل يصرخ 
يصرخ وينتحب ويسكب دمعا لا نراه
لكنهم أبدا لن يتوقفوا عن سيرهم المنتظم
خروجا ودخولا إلى الجُحر

إن الصورة التي اختارها الضوى مناسبة تمامًا للحالة، على المستويين العام والخاص، فإن حالنا بالفعل يشبه حال سرب نمل ضعيف رغم ما يبدو عليه من الانتظام والجدية، وذلك لأن هناك يدا أقوى تبطش به وتسرق منه فرحته.

وهذه القوة الخادعة التي نظنها في النمل، هي ما ظنناها في صمت الضوى وتجلده، ولم نتبنه للصراخ الذى لم نسمعه. 

لكننا مع ذلك، نفكر فى الانتقام
لقد غاب فردٌ من قبيلتنا الصغيرة.. قبيلتنا الهادئة.. ولابد أن ننتقم
لابد أن نأخذ القاتل مكانَه!
هل سنكتفى بالقاتل، أم سنأخذ مجموعةً من عائلته مقابل أبي؟
هذا ما يدور فى رؤوسنا لثلاثة أشهر مضت
لا تلتقى عيوننا، لكن رؤوسنا تجتمع على مائدة الفكرة ذاتها كل مساء

الألم هو الوقود الذى يحرك المشاعر ويطرح الأفكار، وبفكر الرجل الصعيدى الذى لا يتقبل موت الأحبة حتى يثأر لهم، فكر الضوى، فلابد من الثأر كى تهدأ النار، كي تلتقى العيون بين الأخوة والأم، ولكن المعضلة كانت كبيرة.

لكن القاتل هو الموت ذاته..
أى قبيلةٍ له فنهاجمها؟ 
أين يكمنون فنرتب للانقضاض عليهم ونفنيهم جميعا؟
إنه كائن فردٌ وبلا قبيلة!
ولو كان له قبيلة فقد كرهته، أنكرته
ألقته وحيدًا فى خرابات الخسّة والوضاعة
يهاجم المرضى المنهكين فى غرف العناية المركّزة 
يهاجم الأطفال والعجائز، الضاحكين والباكين معا
يهاجم ولا يشبع!
أين نجده فنقتله وننتقم لك يا أبي؟!

يا له من عدو، إن ما قدمه الضوى في هذا النص يشعرنا بالفزع فعلا، إننا نواجه قاتلا لا يخشى شيئا، ليس لديه ما نساومه عليه، إنه شريد ليس له قبيله، إنه نهم لا يشبع، إنه يهاجم لا ينتظر رد فعل، لا يترك أحدا، فالجميع ضحيته، يأخذ الأطفال والعجائز، والضاحكين والباكين، لذا ما أصعب الثأر. 


متى سنأخذ العزاء فيك بقلوب مطمئنة وقد اقتصت من قاتلك؟!
إننا نبحث عنه فى كل مكان
وهو خفي، يسقط ضحاياه فجأة، ويهرب
نسمع الآخرين يقولون فلان مات!
نركض إليهم ونسأل: هل رأيتم الموت وهو يقتلعه من بينكم فننقذه ونأخذ الثأر لأبينا؟!
لكنَّ أحدًا لا يجيب يا أبي.. أحدًا لا يجيب!
وأعيننا مازالت هاربة
وقلوبنا يخزيها أن قاتلك مازال حرا
ومازالت ضحاياه من قبائل أخرى -هادئةٍ مثلنا- تسقط وتسقط..
وما من واحدٍ قادرٍ على الأخذ بالثأر!

هذه الجملة الأخيرة هى جوهر القصيدة، وذلك لأن فيها رثاء للأحياء العاجزين على الثأر غير القادرين على توديع موتاهم كما ينبغى. 

ما قاله الشاعر الضوى محمد الضوى، أعده من عيون الرثاء في العصر الحديث، فقد جمع بين مشاعر الفقد والحزن وقلة الحيلة ومنح مساحة للتأمل في مصائر المنتظرين.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

موضوعات متعلقة

الحصاد

الحصاد الإثنين، 20 ديسمبر 2021 10:36 ص

 الأمل

الأمل الأحد، 19 ديسمبر 2021 10:39 ص

اليوم العالمى للغة العربية

اليوم العالمى للغة العربية السبت، 18 ديسمبر 2021 10:32 ص

خطة 2022.. زوروا متاحف مصر

خطة 2022.. زوروا متاحف مصر الثلاثاء، 14 ديسمبر 2021 12:10 م

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

البنك الأهلي يغلق ملف رحيل أسامة فيصل بعد توقف مفاوضات الأهلي

ليبيا تطرد وزراء داخلية إيطاليا واليونان ومالطا ومسؤولا أوروبيا

سجل بياناتك لتصلك نتيجة الثانوية العامة 2025

قهوة الزباد.. رحلة أغلى فنجان فى العالم من بطن حيوان إلى مائدة الأثرياء

إيلون ماسك يخسر 15.3 مليار دولار من ثروته بعد إعلان تأسيس حزب أمريكا


الزمالك يستقر على إقامة معسكره فى العاصمة الإدارية استعدادا للموسم الجديد

الأنجولى زينى سلفادور يدخل اهتمامات الزمالك فى الصيف

المقاولون يحصل على توقيع أحمد مجدى كهربا لـ3 مواسم

فلسطين حرة وأوقفوا الإبادة الجماعية.. هتافات خلال مهرجان الثيران بإسبانيا

اللغة الأجنبية الثانية مادة تخصص اختيارية فى البكالوريا


القدر يمنع جوتا من تحقيق حلم العودة إلى بورتو

ربنا يرحمهم.. أسماء ضحايا حريق سنترال رمسيس (إنفوجراف)

الأهلى يخطر أشرف دارى بموقف النادى من العروض الخارجية خلال ميركاتو الصيف

فرص عمل فى الإمارات براتب يصل إلى 24 ألف جنيه شهريا.. التقديم لمدة 4 أيام

حسن قداح نجم منتخب اليد يحتفل بزفافه

وزارة التموين: تشغيل المخابز لإنتاج الخبز المدعم منذ الساعة الخامسة صباحا

اليونان.. إغلاق العمل حتى الخامسة مساء لتجاوز درجات الحرارة 40 درجة

هنا الزاهد نجمة موسم صيف 2025 السينمائى بـ3 أفلام فى يوليو

أسماء ضحايا حريق سنترال رمسيس من موظفي المصرية للاتصالات

التعليم تكشف طريقة تغيير المسار الدراسى بالبكالوريا.. التفاصيل

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى