"شمولية" التنمية واستدامتها من منظور "الجمهورية الجديدة"

بيشوى رمزى
بيشوى رمزى
بقلم بيشوى رمزى

"التنمية الشاملة".. مفهوم هيمن على الساحة العالمية، خلال الثمانينات والتسعينات، وبداية الألفية، يقوم في الأساس على تعزيز الأبعاد التقليدية المتعلقة بالنمو الاقتصادي، عبر القضاء على الفقر وتوفير فرص العمل، ناهيك عن اقتحام مناطق الضعف في المجتمع، والتي تعاني قدرا من التهميش، بينما قدم أبعادا جديدة لمفهوم التنمية عبر ارتباطه بالتعليم ومحو الأمية واحترام حرية الرأي والتعبير وهى الأمور التي ارتبطت بمتطلبات الحقبة الزمنية، مع هيمنة الغرب الليبرالي، على النظام الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، في أعقاب الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي، إلا أن التغيير الراهن في "البنية" الدولية، كان لابد أن يتزامن معه تغير المفاهيم أو بمعنى أدق تطويرها، لتحمل في طياتها أبعادا جديدة تستجيب لمعطيات المرحلة الجديدة، وهو ما يبدو في التحول من الشمولية إلى الاستدامة.

"التنمية المستدامة" حملت أبعادا جديدة، أبرزها البعد البيئي واحترام الطبيعة، لمجابهة الأزمات الجديدة، التي باتت تطارد العالم، وعلى رأسها التغيرات المناخية في إطار ما أسميناه من قبل "حقبة البيئوقراطية" العالمية، في الوقت الذى أعطت فيه الأولوية إلى حقوق الأجيال القادمة، تزامنا مع تلبية احتياجات الحاضر، وهو ما يمثل انعكاسا لتطور المفاهيم، وتدرجها، لتصبح تلبية متطلباتها والوفاء بها، بمثابة أعباء جديدة تضاف على كاهل الحكومات، خاصة في الدول النامية، والتي عانت مجتمعاتها لسنوات من الإهمال، سواء بسبب التقصير أو الصراعات، فتتحول "فاتورة" التراخي على الأجيال الجديدة، سواء من القادة أو الشعوب، والذين يصبحون في صراع مع الزمن من أجل تحقيق أكبر قدر ممكن من الإنجاز، يمكنهم من خلاله اللحاق بالركب العالمي، سواء فيما يتعلق بمفهوم التنمية التقليدي، أو في أبعاده "الشاملة"، أو من ناحية "الاستدامة".

ولعل التجربة المصرية، في إطار "الجمهورية الجديدة"، تمثل نموذجا مهما، في هذا الإطار، والتي حملت "أوزار" عقود من الإهمال، ربما نجحت في فترات في تحقيق التنمية التقليدية، عبر معدلات نمو اقتصادى تجاوزت في بعض الأحيان 7%، إلا أنها لم تهتم بـ"الشمولية" في تحقيق التنمية، وهو الأمر الذي ترجمته شكوى قطاع كبير من المواطنين في العقد الأول من الألفية، بعدم الإحساس بثمار ما يتحقق، لتأتي بعدها مرحلة "الفوضى" لتأكل ما تحقق، وتعيد الأمور إلى المربع "صفر"، فتصبح المهمة الملقاة على عاتق المصريين "حكومة وشعبا"، تتمثل في البناء من جديد، للانطلاق من نقطة البدء، عبر تحقيق النمو ثم التوجه نحو "الشمولية التنموية"، لتأتى بعد ذلك قضية "الاستدامة".

إلا أن عبقرية "الجمهورية الجديدة" تجسدت في التحرك على المسارات الثلاثة بالتزامن، فارتبط النمو الاقتصادي، بـ"الشمولية" و"الاستدامة" ليتم صهرها في "بوتقة" واحدة، فسعت نحو التنمية عبر مشروعات عملاقة، تهدف إلى جذب الاستثمارات، بينما نجحت في تطبيق "الشمولية" عبر اقتحام المناطق المهمشة، سواء في سيناء أو الصعيد، بل والانتباه للقرى الفقيرة، والمناطق العشوائية سواء بتدشين المشروعات التي من شأنها توفير فرص العمل، أو من خلال مبادرة "حياة كريمة"، والتي نجحت فعليا في تحسين وتطوير حياة ألاف "المهمشين" من البشر، بينما لم تتجاهل مفهوم "الاستدامة" عبر الاهتمام بالاقتصاد الأخضر، وهو ما ترجمه اختيار مصر لاستضافة قمة المناخ الدولية، والمقررة في العام المقبل، والحرص على حقوق الأجيال القادمة في الحياة.

ولكن تبقى رؤية "الجمهورية الجديدة" لمفهوم التنمية تحمل أبعادا إضافية، تقوم على عدم اقتصاره على الداخل، وإنما العمل على تعميمه، في محيطها الجغرافي، وهو ما يعكس "فلسفة" تقوم في الأساس على ارتباط المجتمع الإقليمى والدولي ببعضه، خاصة وأن التنمية تساهم في إرساء الأمن، وهو ما يبدو، في دبلوماسية "إعادة الإعمار"، والتي انتقلت فيها مصر من الاهتمام بالمناطق المهمشة في الداخل، إلى "الدول المنكوبة" إثر الفوضى والصراعات، في محيطيها الدولي والإقليمي، في الوقت الذي باتت تتجه فيه قوى دولية أخرى للعودة إلى الوراء، عبر ما يسمى بـ"سياسات إفقار الجار"، والتي هيمنت على العالم لعدة سنوات منذ أواخر العشرينات من القرن الماضي، وهى الحقبة التي يطلق عليها "الكساد العظيم".

الرؤية المصرية لا تقتصر بأى حال من الأحوال على مجرد الاهتمام بالدول المنكوبة في مناطق الصراع، وإنما امتدت إلى دولا أخرى تعانى اقتصاديا، عبر تحقيق الشراكة معها، بما يحقق المصالح المشتركة، وهو ما تجلى في التحالف الثلاثى مع اليونان وقبرص، وهى دولا عانت كثيرا منذ الأزمة المالية العالمية التي ضربت العالم بين عامي 2007 و2008، لتحقق من خلال هذا التحالف الكثير من المكاسب الاقتصادية، خاصة في مجال الطاقة، بالإضافة إلى النجاح الكبير في اقتحام أوروبا عبر مناطق جديدة، لم تكن محل اهتمام لعقود طويلة من الزمن.

وهنا يمكننا القول بأن التجربة المصرية تبقى ملهما للعديد من النماذج الدولية، في تحقيق التنمية، عبر التحرك على كافة المسارات، لتحقيق الشمولية والاستدامة، سواء عبر استكشاف الفرص المتاحة في الداخل وتطويرها، من جانب، وتعزيزها عبر الدبلوماسية المتوازنة، القائمة على فكرة الشراكة مع أعضاء المجتمع الدولي، لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

موضوعات متعلقة

Trending Plus

اليوم السابع Trending

4 علامات خفية لانخفاض السكر في الدم

4 علامات خفية لانخفاض السكر في الدم الجمعة، 12 سبتمبر 2025 07:00 ص

الأكثر قراءة

تفوق على هالاند.. محمد صلاح يتصدر قائمة استثنائية في الدوري الإنجليزي

موعد مباراة بيراميدز وأوكلاند سيتي في كأس إنتركونتيننتال

انعقاد الاجتماع الفنى لبطولة أفريقيا لشباب الطائرة بمصر اليوم

أساطير لعبة الملوك.. ديوكوفيتش يتصدر قائمة أفضل لاعبي التنس تاريخيًا

زوجة تلاحق زوجها للحصول على 3.4 مليون جنيه حقوقها الشرعية المسجلة بعقد الزواج


المثلث الأخضر فى شمال سيناء.. من رمال الصحراء إلى واحات عامرة.. يضم قرى قاطية وأقطية والمريح والجناين.. صنع سكانها لوحة زراعية مدهشة من الزيتون والنخيل والرمان.. الدولة وفرت خدمات وبنية تحتية متكاملة.. صور

موعد مباراة الأهلي وإنبي في دوري nile والقناة الناقلة

احذروا.. مدارس تمريض وهمية تضلل الطلاب خارج اعتماد وزارة الصحة

مندوب مصر بمجلس الأمن: العدوان الإسرائيلي يكشف عن الجهة المعرقلة لوقف الحرب

باقٍ 158 يومًا.. موعد شهر رمضان 2026 وأول أيامه فلكيًا


ياسر ريان: عماد النحاس سيستمر فى قيادة الأهلى إذا حقق نتائج إيجابية

أزمة ثقة الحلقة الأخيرة.. مقتل تامر فرج على يد هاني عادل والحكم عليه بالإعدام

رادار المرور يلتقط 1123 سيارة تسير بسرعات جنونية فى 24 ساعة

لا تنخدع بالظل.. حالة الطقس المتوقعة اليوم الجمعة 12 سبتمبر 2025 فى مصر

أخبار × 24 ساعة.. موعد صرف مرتبات شهر سبتمبر 2025

اللجنة المصرية فى غزة تجهز مخيم جديد للنازحين وسط القطاع.. فيديو

إيميلى بلانت تثير الجدل بنحافتها فى مهرجان تورونتو.. صور

مجلس الأمن الدولى يستنكر الاعتداءات الإسرائيلية على قطر

حسين فهمى يمازح جمهوره بمناقشة فنية مع زوج من الباندا بمهرجان شينجدو

نتنياهو: لن تكون هناك أى دولة فلسطينية وسنحقق "أبدية إسرائيل"

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى