اقرأ مع زكى نجيب محمود.. "المعقول واللامعقول فى تراثنا الفكرى"

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
كتب أحمد إبراهيم الشريف
نواصل إلقاء الضوء على مشروع المفكر العربى الكببير زكى نجيب محمود (1905- 1993) الذى يعد أحد أبرز المفكرين المصريين والعرب فى القرن العشرين، ونتوقف اليوم مع كتابه "المعقول واللامعقول فى تراثنا الفكرى".

يقول الكتاب فى مقدمته:

أردت بهذا الكتاب الذى بين يديك أن أقف مع الأسلاف — فى نظراتهم العقلية وفى شطحاتهم اللاعقلية كِليهما — فأقف معهم عند لقطات ألقطها من حياتهم الثقافية، لأرى مِن أى نوع كانت مشكلاتهم الفكرية، وكيف الْتمَسوا لها الحلول، لكننى إذ فعلتُ ذلك، لم أحاول أن أُعاصرهم وأتقمَّص أرواحهم لأرى بعيونهم وأُحِسَّ بقلوبهم، بل آثرتُ لنفسى أن أحتفظَ بعصرى وثقافتي، ثم أستمع إليهم كأننى الزائر جلس صامتًا لِيُنصِت إلى ما يدور حوله من نقاش، ثم يُدْلى فيه بعد ذلك — لنفسه ولمعاصريه — برأى يَقبل به هذا ويَرفض ذاك.

المعقول واللا
 
قسمتُ الكتاب قسمَين: جعلت أحدَهما لرحلتى على طريق العقل عندهم، وجعلتُ الآخرَ لبعض ما رأيتُه عندهم مجافيًا للعقل، لائذًا بما ظنوه أعلى منه، وتعمدتُ أن يجيء القسم الأول أكبرَ القِسمَين؛ لتكون النسبة بين الحجمَين دالةً بذاتها على النسبة التى أراها واقعة فى حياتهم الفعلية بين ما وزَنوه بميزان العقل وما تركوه لشطحة الوجدان.
 
ولقد اهتديتُ فى رحلتى على طريق العقل بدرجات الإدراك فى صعودها من البسيط إلى المركَّب، وهى المراحل التى أشار إليها الغَزالى عند تأويله لآية النور: فالمشكاة، والمصباح، والزجاجة، والزيتونة هى عنده درجاتٌ مِن الوعي، تتصاعد وتزداد كشفًا ونَفاذًا، فاستخدمتُ بدَورى هذه المراحل لأرى من خلالها خمسة قرون من تاريخ الفكر فى المشرق العربى — من القرن السابع الميلادى إلى بداية القرن الثانى عشر — إذ خُيِّل إلى أن السابع قد رأى الأمور رؤيةَ المشكاة، والثامن قد رآها رؤية المصباح، والتاسع والعاشر قد رأَيَاها رؤية الزجاجة التى كانت كأنها الكوكب الدُّري، ثم رآها الحادى عشَر رؤية الشجرة المباركة التى تُضيء بذاتها.
 
وذلك لأنى قد رأيتُ أهل القرن السابع وكأنهم يُعالجون شئونهم بفطرة البديهة، وأهل القرن الثامن وقد أخَذوا يضَعون القواعد، وأهل القرنين التاسع والعاشر وقد صَعِدوا من القواعد المتفرقة إلى المبادئ الشاملة التى تضمُّ الأشتاتَ فى جذوع واحدة، ثم جاء الحادى عشر بنظرة المتصوِّف التى تَنطوى إلى دخيلة الذات من باطن؛ لترى فيها الحقَّ رؤية مباشرة.
 
كذلك تصورتُ لكل مرحلة من هذه المراحل سؤالًا محوريًّا كان للناس مَدارَ التفكير والأخذ والرد؛ ففى المرحلة الأولى كانت الصدارةُ للمشكلة السياسية الاجتماعية؛ مَن ذا يكون أحقَّ بالحكم؟ وكيف يُجزى الفاعلون بحيث يُصان العدل كما أراده الله؟ وفى المرحلة الثانية كان السؤال الرئيسي: أيكون الأساس فى ميادين اللغة والأدب مقاييسَ يَفرِضها المنطق لِتُطبَّق على الأقدمين والمحْدَثين على سواء، أم يكون الأساسُ هو السابقاتِ التى وردَت على ألسنة الأقدمين فنَعُدَّها نموذجًا يُقاس عليه الصواب والخطأ؟ وفى المرحلة الثالثة كان السؤال هو هذا: هل تكون الثقافة عربيةً خالصة، أو نُغذِّيها بروافدَ مِن كل أقطار الأرض لِتُصبِح ثقافة عالمية للإنسان من حيث هو إنسان؟ وجاء القرن العاشر فأخذ يضمُّ حصاد الفكر فى نظرات شاملة؛ شأن الإنسان إذا اكتمل له النُّضج واتسَع الأفق، وها هنا كان العقل قد بلَغ مَداه، فجاءت مرحلةٌ خاتِمة يقول أصحابُها للعقل: كفاك! فسبيلنا منذ اليوم هو قلوب المتصوفة.
 
وأما القسم الثانى من الكتاب ففيه نظرةٌ موجزة إلى الوجه الآخر من قطعة النقد، حتى لا نرى الحقيقةَ من جانب واحد؛ فإلى جانب الوقفات العقلية عند أسلافنا كان هنالك حالاتٌ رفَضوا فيها أحكام العقل ولاذوا بما نبضَت به قلوبهم حينًا، وبما أشبَع فيهم خيال الأيفاع حينًا آخر، وحاوَلتُ جهدى أن أُحلِّل المعنى المقصود بمصطلَح "اللامعقول" حتى لا يَنصرف فى الأذهان إلى شتم وازدراء، إنما هو لونٌ آخر يَنبع عند الناس دائمًا من صميم فِطرتهم الإنسانية، وكل ما فى الأمر أننى لا أجد هذا الجانبَ من السابقين قنطرةً تصلح لعبور اللاحِقين إذا أرادوا وَصْل الطريق، واكتفيتُ من جانب اللامعقول هذا بصورتَين: التصوُّف إحداهما، والسحر والتنجيم ثانيتُهما، ورأيتُ فى ذلك ما يَكفى لاكتمال الصورة التى أردتُ رسْمَها أمام القارئين.
 
إننى فى هذا الكتاب شبيهٌ بمُسافر فى أرض غريبة، حط رحالَه فى هذا البلد حينًا، وفى ذلك البلد حينًا، كلما وجد فى طريقه ما يَستلفِت النظر ويَستحق الرؤية والسمع، ومثلى فى رحلتى هذه مثل السائح؛ قد يُفلِت من نظره أهمُّ المعالم؛ لأنه غريبٌ لا يعرف بادئَ ذى بَدْء أين تكون المعالم البارزة، إلا إذا اهتدى بدليل من أبناء البلد، ولكننى أيضًا — مثل السائح الغريب — قد تقع عينى على شيء لا تراه أعيُن أبناء البلد؛ لأنه مألوف لهم حتى لم يَعودوا قادِرين على رؤيته رؤية صحيحة، ومن هنا كنتُ لا أستبعد وقوعى فى أخطاء بمَعنيَين؛ بمعنى إهمال ما لم يَكُن يجوز إهماله من معالم الطريق، وبمعنى وقوف النظر أحيانًا عند ما لا يستحق الوقوف عنده بالنظر، وواضحٌ أنه لو أراد مُسافر آخرُ أن يَستبدل لرؤيته منظارًا بمنظار لرأى رؤيةً أخرى، وانتهى إلى أحكام أخرى غيرَ التى رأيتُ وإليها انتهيت.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

70 % نتيجة التئام ترقوة إمام عاشور

70 % نتيجة التئام ترقوة إمام عاشور الثلاثاء، 19 أغسطس 2025 05:00 م

الأكثر قراءة

الشاعر محمد غنيم: التعاون مع راغب علامة شرف كبير

بشرى لأهالى الإسكندرية.. هدم كوبرى المندرة بالكامل وحل أزمة المرور شرقا.. المحافظة تعلن انتهاء المسارات البديلة.. المشروع امتداد لتوسعة الكورنيش 5 حارات.. وتجهيز الطريق لاستكمال مسار مترو أبوقير.. فيديو وصور

محمد صلاح يزين قائمة تاريخية جديدة في الدوري الإنجليزي

خطة حكومية لزيادة استثمارات القطاع الخاص لـ68% لتعزيز دوره فى التنمية

جاندالف وفرودو يعودان سوياً فى فيلم The Lord Of The Rings المقبل


ثلاثى الأثقال سندس وعبد الراضى وأشرف يستكملون منافسات بطولة أفريقيا بأكرا

بالزغاريد والدموع.. والدة شيماء جمال تعلن موعد العزاء.. وتؤكد: ربنا رجعلها حقها

دفاع قاتل الإعلامية شيماء جمال يكشف تفاصيل تنفيذ حكم الإعدام للمتهمين

هانى عادل يجسد دور محامٍ فى مسلسل أزمة ثقة والعرض الأحد المقبل

ياسر جلال يودع تصوير مسلسل للعدالة وجه آخر نهاية أغسطس


يديعوت أحرونوت: نتنياهو يرغب بصفقة شاملة

مشروع تطوير طريق الحرية بالإسكندرية باتساع 8 حارات.. المرحلة الأولى من سيدى جابر حتى محطة الوزارة.. المحافظ: يهدف إلى الحد من الاختناق المروري.. ويشدد على الالتزام بالحفاظ على الغطاء الأخضر والهوية البصرية

عشائر غزة: نقف بجانب مصر ضد محاولات ابتزازها للقبول بمخطط التهجير.. فيديو

الرقابة على الصادرات: تقليص زمن الإفراج الجمركى إلى يومين بنهاية 2025

النصر يتأهل لنهائى كأس السوبر السعودى بثنائية ضد اتحاد جدة.. فيديو

مصرع طفل وإصابة آخر فى حريق هائل بأحد المنازل بدمياط

70 % نتيجة التئام ترقوة إمام عاشور

رسوم ترامب الجمركية تهدد تجارة البن البرازيلى وسط قفزة قياسية فى الأسعار

خارجية الدوحة: مصر وقطر تلقتا رد حماس على وقف إطلاق النار وننتظر الرد الإسرائيلى

تشريح جثة طفل المتوفى بسبب وجبة سريعة التحضير فى المرج

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى