والمُنْعَزِلون كُثُر

هند أبو سليم
هند أبو سليم
هند أبو سليم

ليست العزلة فقط كعزلة يونس في بطن الحوت حين صلى لخلاصه، ولا كهنري دايفد ثورو في فصل العزلة في كتابه والدن.

 

فالمنعزلون كثر. منهم من اختارها طواعية، ومنهم من أجبرهم توحش البشرية عليها.

 

- هذه امرأة ذات وزن زائد طوال عمرها، لا تشعر بنظرات الآخرين -إليها بل عليها- نظرات لا تحمل إلا اشمئزازاً او نقداً.... غير ذلك، هي غير مرئية.... تضعها بشريتنا الشريرة في عزلة متناسين محاولاتها (إن كانت تحاول) محطمين ثقتها بنفسها (في حال ثقتها).. رافعين شعار رفض الذات.. إلى أن تتمكن منها العزلة داخلياً.. وهذه أحد المنعزلين.

 

- وذلك طفلٌ هادئ يحصر في عزلته لأنه لا يلعب على أحدث التقنيات، أو يتحدث بلغة أقرانه المحدثة... ولا يرتدي صرعاتهم، فهو محبٌ لألوانه الهادئة، وعملية ملابسه.. حصروه في عزله لأنه مختلف. وهذا أحد المنعزلين.

 

- وذلك معطاء محب صادق.... يقابل بالخداع والاستغلال والأنانية، فيلجأ للعزلة ليحمي بقايا روحه، رافضاً أن يفتح أبواب روحه مرة أخرى، لكي لا يتعرض لذات الخداع، وذات الاستغلال و ذات الأنانية.. وهذا ايضاً احد المنعزلين

 

وما هؤلاء إلا مثال بسيط لما نفعله بأنفسنا ومن حولنا.. ولكن أصعب هؤلاء المنعزلين هو ذاك الذي حين يرحل لا يترك أثراً لبقائه.

والمقصود بالأثر هنا لا الأبناء ولا الأصدقاء.. فهذا المنعزل حين يرحل، لا يترك حتى كلمة تضيء أفكارا بينه وبينهم وبين أنفسهم... فهو كان موجوداً، لكن وجوده كوجود قارة انتاركتيكا على الخريطة، موجودة ومنعزلة.

حين يرحل، يذرف أصدقاؤه الدمع البسيط عليه في ظاهره، وفي باطنه هي دموع الخوف من التذكير بظلال الموت.

 

وآخرون كثر، أترك لك عزيزي القارئ المجال لتعدد المنعزلين الذين مروا في حياتك (إن لم تكن أحدهم).

 

و لكن!

سواء عزلة إجبارية أو اختيارية.. أصبحت العزلة جزءا لا يتجزأ من حضارة البشرية، نمارسها ولو لبضع سويعات، ولو لمرة واحدة في حياتنا.

 

فغلقنا لباب غرفة النوم، والاستلقاء مستيقظين، خافيين رؤوسنا تحت الغطاء، هو رفع لراية العزلة ولو لبضع من الوقت.. حتى نلملم أسلحة مقاومتنا ونعود لمعركة الحياة اليومية.

إقفالنا هواتفنا النقالة (الملعونة) لبعض الوقت، هو حاجة صارخة للعزلة، حتى نستطيع اعادة شحن هذه الروح وهذا الجسد.

 

رفع شعار الـ silent treatment (المعاملة الصامتة) هو احدى ممارساتنا في عزل الأخرين عن دائرتنا الخاصة... وعزلنا نحن عنهم، نمارس العزلة حتى كتعبيرٍ عن غضبنا.

 

جلوسنا في سياراتنا لدقائق معدودات قبل النزول لمعركة العمل صباحاً، او حتى قبل ولوج منازلنا مساءاً هو عزلة سريعة، نتنفس فيها انفاساً لا يسمعها سوانا... أملين ان تكون هذه الانفاس في هذه الثواني استراحة محارب.

 

وجاءت عزلة الفيروس الشرس في العام المنصرم وعامنا الحالي لتتوج كل ألوان العزلة.

 

أعزائي:

العزلة ككل ما نعيشه من بدء الخليقة.. ثنائية الوجود.. لها دور ايجابي يساعدنا على السكون. ولها دور سلبي، يبعدنا حتى عن انفسنا.. فحذاري ثم حذاري فما بين الاثنين خط رفيع.

 

آخر الكلام:

دوماً ما يحضرني أسئلة:

من اخترع العزلة (وهو كتاب لبول اوستر)

من اخترع الكذب (وهو فيلم لريكي جيرفيز) ومن اخترع العناق (و هنا لما يجبني أحد).

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

ضبط مهتز نفسيا حاول حرق ماكينة صراف آلي بمدينة 6 أكتوبر

الأغذية العالمى: تحذيرات المجاعة فى غزة واضحة منذ أشهر

شوبير: أحمد عبد القادر لم يشارك فى تدريبات الأهلي الجماعية

إخماد حريق داخل شقة سكنية فى بولاق الدكرور دون إصابات

عرض أولى حلقات مسلسل أزمة ثقة على قناة ON و Watch it اليوم


إنشاء مستشفى التأمين الصحى بالعاصمة الإدارية بتكلفة 2.2 مليار جنيه.. حسام عبد الغفار: العيادات الخارجية بالتأمين الصحى تغطى 57 % من المؤمن عليهم.. والمرحلة الأولى للعيادات المسائية تشمل 29 عيادة بـ10محافظات

رحيل صادم للممثل الشاب بهاء الخطيب..سقط أثناء لعبه كرة القدم وذبحة صدرية أودت بحياته..تشيع جثمان الراحل في البدرشين ودفنه بمقابر ميت رهينة..نجوم الفن ينعونه ويشيدون بموهبته وأخلاقه وحبه وتشجيعه لأصدقائه

تشييع جثمان بهاء الخطيب في البدرشين ودفنه بمقابر ميت رهينة

أبطال فيلم ماما وبابا يحتفلون بعرضه الخاص الأربعاء المقبل

محمود سعد يكشف آخر التطورات الصحية لأنغام: الأطباء ينصحونها بالمشى فى غرفتها


لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى