سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 12 مايو 1805.. 40 ألفا يتجمعون فى فناء «المحكمة الكبرى» وحولها يهتفون: «يا رب يا متجلى.. اهلك العثمانلى»

خورشيد باشا
خورشيد باشا
سعيد الشحات
اعتدى جنود الوالى العثمانى خورشيد باشا، على أهالى مصر القديمة وأخرجوهم من بيوتهم ونهبوا مساكنهم وأمتعتهم وقتلوا بعض الأهالى يوم الأربعاء أول مايو 1805، حسبما يذكر عبدالرحمن الرافعى فى الجزء الثانى من كتابه «تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم فى مصر»، مؤكدا أن الهياج عمّ مصر القديمة، وحضر جميع سكانها رجالا ونساء إلى جهة الجامع الأزهر، وانتشر خبر الاعتداء والهياج بسرعة البرق فى أنحاء المدينة، واجتمع العلماء وذهبوا إلى الوالى خورشيد وخاطبوه فى وضع حد لفظائع جنوده، فأصدر أمرا لجنوده بالخروج من بيوت الناس، لكن هذا الأمر كان صوريا، فخاطب العلماء الوالى مرة ثانية، وطلب مهلة ثلاثة أيام ليرحل الجنود من المدينة قاطبة.
 
كانت هذه التطورات تقرب كرسى حكم مصر من محمد على، وكان يراقب الموقف انتظارا للحظة الحاسمة.. يذكر «الرافعى» أن الناس علموا بجواب الوالى فعمت الثورة أنحاء العاصمة، واجتمع العلماء بالأزهر وأضربوا عن إلقاء الدروس، وأقفلت دكاكين المدينة وأسواقها، فأدرك الوالى خطر الحالة وأرسل وكيله صحبة رئيس الانكشارية «المحافظ» إلى الأزهر لمقابلة العلماء، فلم يجدهم بالأزهر، وذهب إلى بيت الشيخ الشرقاوى، وهناك حضر عمر مكرم وزملاؤه، فأغلظوا له بالقول، وانصرف إلى القلعة «مقر الوالى»، وما كادت الجماهير تراه حتى انهالوا عليه بالحجارة، ورفض العلماء التدخل لإيقاف هذا الهياج وصمموا على إبعاد الجنود عن القاهرة، وظلت الأوضاع على هذا الحال أكثر من أسبوع.
 
حدد العلماء مهلة لجلاء جنود «خورشيد باشا» تنتهى يوم 11 مايو 1805، وتحت هذا الضغط الشعبى اضطر الوالى إلى إبعاد جزء لكن بقى منهم بالقاهرة نحو ألف وخمسمائة، وعلم زعماء الشعب أنهم ممتنعون عن الجلاء حتى تدفع رواتبهم، ولم يكن الوالى يستطيع دفعها لأن خزينة الحكومة خالية ولا سبيل إلى توفير المال إلا بفرض ضرائب جديدة.. يؤكد الرافعى أن هذه الأنباء أحدثت هياجا عظيما، وفى صباح يوم 12 مايو، مثل هذا اليوم، 1805 اجتمع زعماء الشعب واتفقوا على الذهاب إلى المحكمة الكبرى «بيت القاضى» لاختصام الوالى وإصدار قراراتهم فى مجلس الشرع.
 
يؤكد «الرافعى» أنه بمجرد أن علمت الجماهير بما استقر عليه رأى زعمائهم حتى احتشدت جموعهم واتجهت إلى دار المحكمة، وأقبلت الجموع من كل صوب، واحتشدت بفناء المحكمة وحولها، وبلغ عددهم أربعين ألف نسمة.. يعلق الرافعى: «كان اجتماع هذا البحر الزاخر هو الثورة بعينها، وظهرت روح الشعب قوية ناقمة على الوالى وعلى الحكم التركى، ويكفى لنتعرف على نفسية الشعب فى ذلك اليوم العصيب أن نتامل فيما ذكره الجبرتى عن صيحاتهم التى كانوا ينادون بها.. كانوا يصيحون: «يا رب يا متجلى، اهلك العثمانلى، فهذا النداء يدل على ما كان يجيش بنفوس المصريين من روح السخط على الحكم التركى واعتزام التخلص منه».
 
ينقل «الرافعى» وقائع ما حدث فى اجتماع المحكمة، قائلا: «طلبوا من القاضى أن يرسل باستدعاء وكلاء الوالى ليحضروا مجلس الشرع، فأرسل يستدعيهم على عجل، فحضروا ، وعندما انعقد المجلس عرض الزعماء ظلامة الشعب وحرروا مطالبهم وهى: ألا تفرض ضريبة على المدينة إلا إذا أقرها العلماء وكبار الأعيان، وأن تجلو الجنود عن القاهرة وتنتقل حامية المدينة إلى الجيزة، وألا يسمح بدخول أى جندى إلى المدينة حاملا سلاحه، وأن تعاد المواصلات فى الحال بين القاهرة والوجه القبلى».
 
كتب وكلاء الشعب هذه المطالب فى اجتماعهم بالمحكمة يوم 12 مايو 1805، وسلموا صورتها إلى القاضى، وقام وكلاء الوالى ليبلغوها إلى خورشيد باشا فى القلعة.. يذكر «الرافعى» أن الوالى رأى الحركة خطيرة، وأن الثورة تؤذن أن تقتلعه من مقره، وكان عمر مكرم نقيب الأشراف، فى مقدمة زعماء الحركة وأكبرهم نفوذا، وأراد الوالى أن يلقى القبض عليه ويعتقله بالقلعة ليشل الحركة القائمة فى المدينة، فلما وصلته رسالة القاضى أرسل إليه يستدعيه، ويستدعى عمر مكرم والعلماء إلى القلعة ليتشاور معهم فى الأمر، لكن «مكرم» فطن إلى مقاصد الوالى وخشى الغدر، فأشار برفض الذهاب إلى القلعة، وكان محقا فى حذره لأنهم علموا بعد ذلك أن الوالى أعد أشخاصا لاغتيالهم فى الطريق. 
    
لم يجب أحد من زعماء الشعب دعوة الوالى ولم يذهبوا إلى القلعة، فحنق عليهم، وعدّ امتناعهم عن الذهاب إليه تمردا وعصيانا، وتلقاء ذلك رفض إجابة المطالب التى قرروها، وعجل هذا الرفض بالحوادث حتى شهدت فى اليوم «التالى» تنصيب «العلماء» نيابة عن الشعب لمحمد على حاكما لمصر.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

ترامب يعلن حضور نهائى كأس العالم للأندية 2025

هدوء ما قبل الإعلان.. آخر تطورات نتيجة الدبلومات الفنية 2025

بطل من الحماية المدنية.. صاحب اللقطة الأشهر ظل ساعات أمام الأدخنة حتى إخماد حريق سنترال رمسيس

إحباط تهريب 300 كائن حى نادر بمطار القاهرة.. الأنواع المضبوطة شديدة الخطورة وتنشر أمراضا وفيروسات وبكتيريا غريبة لا نملك أمصالا لها.. وتتسبب فى خسائر فى الثروة الحيوانية

مديرية الشباب والرياضة تخاطب الإسماعيلى بسبب استمارات سحب الثقة


السجن 10 سنوات لـ7 متهمين بدفن شاب حيا داخل ماسورة مياه فى المحلة

إيران تستلم بطاريات صواريخ أرض جو من الصين

بالدموع والحزن.. ميت غمر تودع المهندس محمد طلعت ضحية سنترال رمسيس (فيديو)

نتنياهو: سنهزم حماس ونقضي على قدراتها

المصرية للاتصالات: لا نتنصل من مسؤولية حريق سنترال رمسيس والخطط عجلت عودة الخدمة


وزير الخارجية البريطاني: سنتخذ مزيد من الإجراءات ضد إسرائيل إذ لم يتغير الوضع في غزة

أسر شهداء حادث سنترال رمسيس يتسلمون جثامين ذويهم استعدادًا لتشييعها

التنظيم والإدارة: فرصة جديدة للمتخلفين عن امتحان "معلم مساعد" بسبب الظروف الطارئة

ليبيا تطرد وزراء داخلية إيطاليا واليونان ومالطا ومسؤولا أوروبيا

37 مترشحًا بانتخابات مجلس الشيوخ فى اليوم الرابع من فتح باب تلقى الأوراق

أول تقرير من تحقيقات الشرطة الإسبانية: السرعة الزائدة سبب حادث جوتا

مجهول انتحل شخصية وزير خارجية أمريكا وتواصل مع مسئولين برسائل نصية وصوتية

إيلون ماسك يخسر 15.3 مليار دولار من ثروته بعد إعلان تأسيس حزب أمريكا

الزمالك يستعد للموسم الجديد بـ8 تدعيمات قوية.. وحسم موقف الراحلين قريبا

بطل من ضهر بطل.. ابن الشهيد امتياز كامل يكتب فصلا جديدا من الفداء بحريق رمسيس

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى