زمن منيرة المهدية.. سنة أولى مسرح فى رحلة سلطانة الطرب

تعد الفنانة منيرة المهدية واحدة من أشهر نجمات النصف الأول من القرن العشرين، وعلى الرغم من أن معظمنا لا يعرف لمنيرة المهدية سوى غيرتها من أم كلثوم، لكنها أكثر من ذلك، فهى سلطانة الطرب وأول فنانة مصرية تقف على خشبة المسرح، فكيف كان ذلك؟

 

ويقول كتاب مسيرة المسرح فى مصر ١٩٠٠–١٩٣٥ "فرق المسرح الغنائى لـ الدكتور سيد على إسماعيل": ولدت سلطانة الطرب "منيرة المهدية" عام ١٨٨٨ بالإسكندرية، واسمها الحقيقى "زكية حسن منصور" وتوفِّى والدها وهى صغيرة، فقامت برعايتها أختها الكبرى، فأدخلتها المدرسة، ولكن زكية كانت دائمة المرح، وكانت تجمع زميلاتها لتغنِّى لهن بعض الأغانى، مما جعلها تهمل الدراسة، ومِن ثمَّ تركتِ المدرسة وانتقلت إلى القاهرة.

 

وعن بداية نشاطها الفنى فى القاهرة قالت مجلة "المسرح" فى ٢٧ / ٦ / ١٩٢٧: بدأت حياتها الفنية كمغنية فى قهاوى الرقص المعروفة، ثمَّ بزغ نجمها وذاع صيتها، فانتقلت إلى قهوة نزهة النفوس التى اشتُهرت بحلولها فيها، وظلت تُشجِى الجمهور وتُطرِبه فى تلك القهوة، وكان المرحوم الشيخ سلامة حجازى فى أوج مجده وعظمته حين أُصيب بمرضه المعروف، الذى حرم الجمهور منه أشهرًا عديدة، وشعر الناس بفراغ شديد عقب ذلك، رغمًا من قيام عبد الله عكاشة بأدوار الشيخ سلامة، وألحَّ الكثيرون على السيدة منيرة بأن تَعتَلِى المسرح لكى تملأ ذلك الفراغ، ولكنها كانت ترفض. وكان الأستاذ عزيز عيد أول الذين ألحُّوا عليها بذلك الأمر، إذ كان وقتئذٍ بلا عمل، لم تسمع السيدة منيرة لإلحاح الناس، بل ظلت تعمل فى نزهة النفوس، وهى مغتبطة سعيدة، يحيط بها هالة من المعجبين.

 

وأصدرت السلطة العسكرية أمرها بإغلاق القهاوى والبارات من الساعة العاشرة مساءً وسرى هذا الأمر طبعًا عَلَى نزهة النفوس، وانتهز عزيز عيد هذه الفرصة وأعاد الكَرَّة عَلَى السيدة منيرة، وما زال يُزيِّن لها الآمال ويُمنِّيها بالمجد حتى قَبِلَتْ أخيرًا.

 

موسم 1915- 1916

حاولت منيرة المهدية فى أغسطس 1915، أن تبدأ عملها بالغناء عَلَى مسرح دار التمثيل العربى - الذى أجَّره لها زوجها محمود جبر - ولكنها فشلت فى ذلك، بسبب عدم استكمال المعدَّات الواقية من الحريق بهذا المسرح، فاتفق معها عزيز عيد كى تقوم بالغناء فى لياليه التمثيلية بمسرح برنتانيا فوافقت، وفى يوم 25 أغسطس 1915 أعلنت جريدة "الأخبار" هذا الحدث الفنى قائلةً تحت عنوان "أول ممثلة مصرية":

تُحيِى فى مساء يوم الخميس ليلة الجمعة 26 الجارى فى تياترو برنتانيا، ليلة يُحتفل فيها بدخول المغنية المشهورة الست منيرة المهدية التمثيل العربي، فتنشد قصيدة استقبال من تلحين الموسيقى المُبدِع كامل الخلعى، تستمر ثلثى ساعة، ثمَّ تمثل لأول مرة دور وليم فى الفصل الثالث من رواية "صلاح الدين الأيوبى"، ويُمثِّل فى هذه الليلة أيضًا جوق الكوميدى العربى رواية من نوع الكوميدي، وهى رواية "مدموازيل جوزيت امرأتى" الشهيرة الجديدة التى لم تُمثَّل بعدُ.

 

وظلَّت منيرة تُطرِب جمهور المسرح بقصائد الشيخ سلامة حجازى حتى منتصف سبتمبر 1915، وفى كل يوم يزداد الجمهور حضورًا، فعلمت منيرة أن الجمهور لا يحضر إلا لسماع صوتها، وعلى الفور اتفق معها الممثلان على يوسف وحسين حسنى عَلَى تكوين فرقة خاصة بها، ولكن الاتفاق لم يتمَّ فى ذلك الوقت، وظلت منيرة تعمل بالغناء والتمثيل، بجانب عروض عزيز عيد المسرحية بتياترو سينما باتيه بجانب التلغراف المصرى بشارع بولاق.

 

نالت منيرة شهرة لا بأس بها فى هذا الوقت، مما جعل إدارة كازينو الكورسال تتفق معها عَلَى إحياء بعض الليالى الغنائية والتمثيلية، بجانب أَشْهَر الفرق المسرحية فى ذلك. وفى 11 / 11 / 1915 قالت جريدة "الأفكار" تحت عنوان "أعظم حفلة عَلَى مسرح الكورسال": أشهر ممثلى وممثلات العصر، ثلاث روايات فى حفلة واحدة، رواية "صلاح الدين" دور وليم الست منيرة المهدية، رواية "الزوج ذو الوجهين" من الأستاذ عزيز عيد، رواية "الطفلين" من المطرب المبدع عبد الحميد عكاشة لحنًا وتمثيلًا، ألعاب الكورسال لم يسبق تقديمها. وهذه الليلة تُعتبر من معجزات ومدهشات الكورسال، والدور الثانى بأجمعه مخصص للسيدات المصريات ولهن باب خصوصي. ولكى لا يُحرَم أحد من مشاهدة هذه الحفلة جعلنا أسعار الدخول مخفَّضة.

 

ويعتبر شهر يناير عام 1916 هو الميلاد الفنى الحقيقى لفرقة منيرة المهدية، فلأول مرة نقرأ إعلانات بها عبارة: "جوق الست منيرة المهدية" ففى هذا التاريخ كوَّنت منيرة فرقتها المسرحية، وبدأت عروضها بمسرح سينما باتيه، حيث مثَّلت مسرحية "أنيس الجليس" يوم 6 / 1 / 1916، وانتقلت بها إلى مسرح المجلس البلدى بطنطا يوم 8 يناير، وأيضًا إلى مسرح الهمبرا بالإسكندرية يوم 15 يناير.