البشر والسحالى .. أحلام الإنسان والحيوان وجمال الكتابة

أحمد إبراهيم الشريف
أحمد إبراهيم الشريف
أحمد إبراهيم الشريف
الكتاب الذى يشغلك بعدما تنتهى من قراءته، حتى أنه يجعلك تفكر فى خياله ولغته وأسلوبه وجمله وكلماته ورؤيته وجمال فكرته، هو كتاب مهم فعلا، فما بالك بكتاب يعجبك لدرجة أنك تتمنى لو كنت كاتبه، إننى، هنا، أتحدث عن "البشر والسحالى" للكاتب المتميز حسن عبد الموجود، والصادر حديثا عن الدار المصرية اللبنانية، برسوم عمرو الكفراوى.
 
الذين عاشوا فى صعيد مصر فى ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، أو قبل ذلك بالتأكيد، سيدركون كيف جاءت فكرة الكتاب إلى ذهن حسن عبد الموجود، ففى ذلك الزمن كان الحيوان والإنسان متقاربين فعلا، ولم تكن هناك نظرة السيد والخادم، ولا نظرة المالك والمملوك، بل كان نوعا من "وحدة الوجود" فى بيئة محملة بالأساطير، ومن هذه الروح انطلق الكتاب القصصي، والذى يقول لك لسنا فى حاجة كى ينطق الحيوان أو يأتى بسلوك "خيالى" كى يستحق أن يكون موضوعا لنص أدبى أو فكرى، بل إن واقعه يكفى للتعبير عن حاله وحالنا، ويكفى لكتابة جميلة عن واقع يراه البعض سحريًا وغرائبيا.
 
الحيوان فى كتاب "البشر والسحالى" شاهد على قوتنا وضعفنا، على أحلامنا المتكسرة وعلى أمانينا التى لا تفارق غرفنا المظلمة، سنقرأ عن حب مكتوب عليه الفشل بسبب خنازير القصر ودلالتها، وعن السحالى بكل تراثها الذى يحمله الكبار والصغار، حيث إنها تحمل مفتاح الجنة فى بطنها وتفسد الخبز الشمسى بأقدامها، هنا رجل يفقد ذاكرته فيصبح بالنسبة للأطفال والكلاب مثل "طُعم حى وجد نفسه معلقا فى صنارة والوحوش ذات الزعانف تمرح حوله".
 
فى الكتاب أعاد حسن عبد الموجود صياغة أسطورة الطفل التوأم الذى يتحول ليلا إلى قط، ويعود بالنهار ليحكى عما رآه ليلا، فيكشف الأسرار ويمنح الناس الضحك وأحيانا البكاء، كما يحضر العجائز بحكمتهم التى يودعونها لنا قبل الرحيل، ويحضر العلم والخرافة متجاوران فلا تعرف من المصيب ومن المخطئ، وتحضر الذكريات بكل قسوتها وجمالها أيضا، ويحضر الزمن - ذلك القاسى - الذى لا يترك شيئا على حاله يتجسد كارثيا فى واحدة من أجمل قصص الكتاب "العقرب.. سحابة قريبة ومطر أصفر"، حيث يتحرك كل شىء نحو النهاية "كبر أبى، وكبرت، وكبر أخي، وشاخ العالم" نعم، رغم إعجابى الشديد بكل قصص الكتاب، لكن هذه كانت قصتى الأجمل، أعدت قراءتها بقلب مرتجف، رأيتها اختصارا لحياتنا، ولحياة العالم كله، حياة صعبة محاطة بفزع الاستيقاظ بملابس مبللة، حيث لا يخفف قسوة الوجود سوى شغف قديم بصيد العقارب بشوك النخيل، فى استعراض حقيقى عن الخوف والفرح معا.
 
كما قدم الكتاب تنويعات متعددة على حيوانات كثيرة وأناس مختلفين فظهر الديك الرومى والرجل الحالم بالترقية فى عمله، والحمار الراغب فى إلقاء من يمتطيه فى المصرف، والطفل الذى يتملكه إحساس بأنه كان ذات يوم حمارا ركبه المسيح، كما ركبه باخوس، كما يجعلنا الكتاب القصصى نلتقى بـ"جمعة" الذى يشبهه أخوه بالتيس، وعلاقتهما بالحيوانات التى يذبحونها، قبل أن يقدم حسن عبد الموجود كتابة جميلة عن "أبو دقيق" الفراشة التى طاردناها صغارا فى حقول البرسيم، وكان حلمنا أن نضعها فى "صوامعنا" كى يزيد الدقيق فيزيد الخبز، وهنا قدم حسن نصا بديعا عن اللون الأبيض وتراثه فى صعيد مصر.
"البشر والسحالى" ليس مثل الكتب التراثية التى يتحدث فيها الحيوان أو يأتى بأفعال رمزية دالة على ما يعجز الكاتب أن يصرح به، أبدا، إنها عن الإنسان بهمومه والحيوان بشجونه، كلٌ فى موضعه، لكنهما معا يكملان الحياة التى نعيشها والأمانى التى لم تتحقق.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

موضوعات متعلقة

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

ألوان مائية ونوتة موسيقية ومأكولات.. هدايا ماكرون للملك تشارلز بزيارته لبريطانيا

بطل جديد بحريق سنترال رمسيس.. الرائد طارق الدسوقى اقتحم النار لإنقاذ الموظفين

فيلم أحمد وأحمد للسقا وفهمى يحصد 20.9 مليون جنيه خلال أسبوع عرض

تفاصيل شكوى "زيزو" ضد الزمالك بسبب 82 مليون جنيه.. (مستند)

رئيس الوزراء: حريصون على وضع تصور واضح لمستأجرى "القانون القديم"


نتنياهو: أعتقد أن هناك فرصة جيدة لوقف إطلاق النار 60 يوما

صوت من وسط الدخان داخل حريق سنترال رمسيس.. وائل مرزوق لم يخرج من مكتبه لكن بقيت قصته.. تفاصيل آخر مكالمة لموظف الموارد البشرية مع زميلته تكشف لحظات الوجع: "مش عارف أخرج.. إحنا كده خلاص".. صور

باحثة فى جامعة بنى سويف تحصل على الماجستير فى العلوم السياسية

رئيس الوزراء يوجه الشكر لرجال الحماية المدنية على جهودهم فى التعامل مع حريق سنترال رمسيس

رئيس الوزراء يشدد على التأكد من السلامة الإنشائية لمبنى سنترال رمسيس


هل يستطيع ترامب شل حركة "إف-35" فى أوروبا؟.. تقارير: مخاوف متصاعدة من "زر أمريكا"

شاطئ خاص وسينما.. تفاصيل فيلا محمد صلاح الفاخرة فى تركيا

تعرف على موعد عودة ريبيرو إلى القاهرة بعد انتهاء إجازة إسبانيا

محمد صلاح يشترى فيلا فاخرة فى تركيا.. السعر مفاجأة

النيابة العامة تعاين اليوم موقع حادث حريق سنترال رمسيس لكشف أسبابه

باريس سان جيرمان يتحدى الريال في قمة نارية بنصف نهائي مونديال الأندية

نتيجة الدبلومات الفنية برقم الجلوس 2025.. مراجعة الدرجات وتجميعها

تجهيز نتيجة الدبلومات الفنية 2025 وإتاحتها إلكترونيا للطلاب

بي اس جي ضد الريال.. مشوار عملاقي أوروبا إلى نصف نهائي كأس العالم للأندية

قبل ما تشغل التكييف.. 9 نصائح تحميك من كارثة حريق مفاجئة

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى