رحلة منطقة العتبة من الزرقاء إلى الخضراء.. المنطقة جانب مهم من تراث القاهرة الخالد.. عاش فيها نابليون بونابرت.. ومحمد على باشا بدأ الحكم من هناك.. عباس حلمى الأول غير اسمها.. والخديوى إسماعيل طورها

منطقة العتبة الخضراء قديما
منطقة العتبة الخضراء قديما
كتب أحمد إبراهيم الشريف
القاهرة جميلة تاريخ وحاضر، وقد انشغل كثير من حكامها عبر التاريخ بتجميلها بالاستفادة من مواردها الطبيعية، وجميعنا نعرف منطقة العتبة فى وسط البلد، لقد كانوا فى البداية يسمونها العتبة الزرقاء، ثم راحوا يطلقون عليها العتبة الخضراء فما السبب.
 
نعتمد فى هذه القصة التاريخية على ما ذكره الكاتب الراحل مكاوى سعيد (1956- 2017) فى كتابه المهم "القاهرة وما فيها" والصادر عن الدار المصرية اللبنانية، ويلقى الضوء على حكايات وأمكنة وأزمنة القاهرة عبر سنواتها المختلفة ويرصد التغيرات والتحولات التى لحقت بها.
 
العتبة الخضراء
 
ويقول مكاوى سعيد: "تم إنشاء سراى عظيمة على حافة بركة الأزبكية الشرقية فى عهد العثمانيين، بناها الحاج "محمد الشرايبى شاه" صاحب جامع الشرايبى بالأزبكية، الذى اشتهر فيما بعد باسم "جامع البكرى"، وتملك هذا القصر من بعده (فى عام 1160هـ الموافق 1750م) الأمير "رضوان كتخدا الجلفى"، الذى جدده وبالغ فى زخرفته، وسماه العامة "العتبة الزرقاء"، لأن بوابته المؤدية إلى شارع الأزهر كانت زرقاء اللون، وكذلك لأن لون بلاطات عتبته كان أغلبه أزرق أيضًا، وتملك هذه السراى فيما بعد الأمير محمد بك أبو الدهب، الذى كان اليد اليمنى للمملوك الكبير "على بك الكبير"، الذى استقل بمصر عن السلطنة العثمانية، ثم غدر به مملوكه وتلميذه وقائد جيوشه "محمد بك أبو الدهب"، وتزوج محمد بك أبو الدهب من محظية "رضوان كتخدا"، صاحب القصر، وصار القصر ملكًا له بعد ذلك!
 
وعقب دخول نابليون وحملته الفرنسية مصر عام 1798م، عادت الأضواء مرة أخرى إلى الأزبكية، لأن نابليون فى محاولته لكسب الشعب المصرى إلى جانبه ضد المماليك بدأ فى تعلم مبادئ الدين الإسلامي، وصار يكثر من التردد على دار خليل البكرى فى ميدان الأزبكية ليدرس على يديه القرآن الكريم، ويتلقى دروسًا فى آداب الإسلام وشرائعه، وقد أعجب نابليون جدًا بالمكان إلى درجة أنه اتخذ لنفسه دارًا فيه.
 
القاهرة
 
وعندما خرجت جماهير القاهرة فى عصر يوم 13 مايو 1805م، تنادى مبايعة "محمد على" أميرًا على مصر، بدلاً من الحكم العثمانى والمملوكى نيابة عنهم الذى أذاقهم المر والظلم، كان أول قرار اتخذه بعد توليه الحكم أن يقيم بمنطقة الأزبكية وفى ميدانها بالأخص، حتى يكون فى قلب المدينة، وفعلا أقام بها فترة قليلة وغادرها بعد تعرضه لمحاولة اغتيال فيها قام بها بعض الجنود من "الأرناؤود"، وهذا هو السبب الذى دفعه للسكن فى قصره بقلعة الجبل «القلعة»، ولكن رغم ذلك "ظلت الأزبكية" مسكنا للطبقة العليا من المجتمع، ولم تنقص أهميتها بل زادت، لأنها ظلت مركزًا للطبقة الحاكمة والحاشية، ولأنها عادت منطقة تجتذب الفنادق وتفيض بالمتنزهات، ثم ميزها الوالى "محمد على" بوجود ديوان المدارس فيها - وزارة المعارف فيما بعد - والذى احتل قصر الدفتردار بالأزبكية بالمشاركة مع مدرسة الألسن (التى أنشئت عام 1835م، وسميت بمدرسة المترجمين حتى عام 1957م)، وتولى "رفاعة الطهطاوى" نظارتها فى أول عهدها.
 
العتبة
العتبة
 
وفى أواخر عهد محمد على (فى فترة مرضه العصيبة بالاضطراب العقلى) ردم إبراهيم باشا بركة الأزبكية تمامًا، وكان والده "محمد على" قد أمر بتنفيذ مشروع لتحويل بركة الأزبكية تدريجيا إلى منتزه عام وكلف بذلك برهان رئيس إدارة الأشغال، وقام إبراهيم باشا بتحويلها إلى منتزه ضخم فى عام 1847م، أما قصر "العتبة الزرقاء" فقد أطلق اسمه على نصف الميدان، وسمى نصف الميدان الآخر باسم ميدان "أزبك"، حيث يوجد مسجد "أزبك"، ثم اشترى الخديوى "عباس باشا حلمي"، ثالث ولاة أسرة محمد علي، قصر العتبة الزرقاء وهدمه ووسعه وأعاد بناءه، وغيَّر لون مدخله إلى اللون الأخضر لأنه كان يتشاءم من اللون الأزرق، وأطلق عليه "قصر العتبة الخضراء"، الذى صار اسم هذه المنطقة من حينها إلى لحظتنا هذه، ثم خصصه لإقامة والدته أرملة الأمير "طوسون".
 
واستمر كذلك إلى زمن الخديوى "إسماعيل"، وكان عهد الخديوى "عباس باشا حلمى" هو بداية إنشاء المدارس الأجنبية بمصر، حيث أنشأ الأمريكان مدرسة للبنين فى الأزبكية عام 1854م، وبعدها فكر الفرنسيون فى إنشاء مدرستين للبنين أيضًا، ووقع اختيارهم على منطقة "الموسكي" لتكون مكانًا لهاتين المدرستين.
عندما قرر "الخديوى إسماعيل" تخطيط منطقة الأزبكية على الطراز الأوروبى ردم الجزء الباقى من بركة الأزبكية، فضاع جزء كبير من هذا القصر بسبب التنظيم الجديد، وما بقى منه صار مكانًا للمحكمة المختلطة فى عهد وزارة "نوبار باشا" (موقعها كان بجوار مبنى البوسطة العمومية خلف دار الأوبرا القديمة)، قبل أن تنقل إلى دار القضاء العالى بمنطقة الإسعاف. 
 
شارع الأزهر
 
وكان قد أمر الخديوى إسماعيل فى عام 1867، بتحويل بركة الأزبكية إلى حديقة عامة، وأسند هذه المهمة إلى "مسيو دلشفيارى" مفتش المزارع الخديوية والأميرية، ويروى فى كتابه (حدائق القاهرة ومنتزهاتها): "أن حديقة الأزبكية لم يكن معتنى بها، يؤمها الغوغاء ويغشاها باعة اللحوم المشوية والمقاهى المتنقلة ومحترفو الألعاب البهلوانية والمغنون، والضاربون بالدف ولاعبو الميسر"، فقرر الخديوى وضع حد لهذه الحالة السيئة وأمر بردم البركة.
 
منطقة العتبة
 
ومما يؤسف له أن مصلحة تنظيم الطرق وضعت طبقة سميكة من الأتربة المتخلفة عن فتح شوارع القاهرة الكبيرة، فلم تتمكن إلا من وضع طبقة رقيقة من الأتربة الصالحة، فوق هذا الردم الذى وضع قبل وصولنا إلى القاهرة، فاضطررنا إلى زراعة النباتات الجديدة على هذه التلال المملوءة بالأملاح التى أضرت بالنباتات الجديدة وحالت دون نموها السريع، لكن بتوالى الرى بالمياه العذبة تخلصت التربة تدريجيا من الأملاح. ويذكر دلشفيارى فى كتابه أن افتتاح الحديقة احتفل به رسميا عام 1872. وأحصى الشجيرات المزهرة والمثمرة يوم افتتاحها ب 153 نوعا غير الأصناف التى غرست لتكون أحراشا. وقد جلبت الأشجار كلها من الهند والصين ومدغشقر والسودان والمناطق الحارة، وقد أحيطت الحديقة التى بلغت مساحتها 18 فدانا بسور من البناء والحديد وفتحت بها أبواب من الجهات الأربع. 
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

كهرباء الإسماعيلية يتعاقد مع عمر السعيد فى صفقة انتقال حر

نصف مليون جنيه تعويض لأسرة عبدالحليم حافظ بسبب إعلان "دقوا الشماسى"

زوجة كريم الحسينى تخضع لعملية جراحية خطيرة

إحالة سائق ومالك السيارة المتسببة فى حادث الطريق الإقليمى محبوسين للجنايات

الطقس غدا شديد الحرارة وشبورة ورطوبة مرتفعة والعظمى بالقاهرة 36 درجة


القومى لعلوم البحار: لم نرصد أى نشاط للحركات الأرضية المسببة لـ"تسونامى"

"حتى لا ننسى" كيف أطاحت جماعة الإخوان الإرهابية بحقوق الإنسان واستغلت الشعارات؟.. قمع الحريات وملاحقة الصحفيين والإعلاميين.. الإعتداء على المتظاهرين والتميز الديني والتحريض ضد الأقباط

تشكيل ريال مدريد المتوقع ضد يوفنتوس في كأس العالم للأندية

سقوط أمطار غزيرة على مناطق بالقاهرة والجيزة رغم ارتفاع درجات الحرارة

ريبيرو يرفض رحيل زيزو.. ويؤكد: نمبر وان فى تشكيل الأهلى بالموسم الجديد


موعد مباراة ريال مدريد ضد يوفنتوس فى كأس العالم للأندية والقناة الناقلة

"سيعود إلى جنوب أفريقيا".. ترامب يشن هجوما جديدا على إيلون ماسك

طقس اليوم.. ارتفاع جديد فى الرطوبة إلى 90% على القاهرة الكبرى

إيلون ماسك يصف الجمهوريين بـ"حزب الخنزير السمين".. ويهدد بإنشاء بديل سياسى

كأس العالم للأندية.. الهلال يطارد الأهلى وريال مدريد فى قائمة ملوك الانتصارات

وسام أبو على يطير إلى وجهة مجهولة بعد قرار الأهلى برفض بيعه

مباراة الهلال القادمة.. مواجهة أمام فلومينينسى بربع نهائى مونديال الأندية

اختفت 3 أيام فى البحر.. عوامة وأمواج وغفلة الأب تفاصيل غرق الطفلة مريم

ناشئو اليد أمام إسبانيا وبولندا ببطولة أوروبا المفتوحة استعدادا للمونديال

استعدادا لامتحان الخميس.. نموذج امتحان في مادة الكيمياء للثانوية العامة

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى