د. داليا مجدى عبد الغنى تكتب:كلمات يمحوها الزمن

أحيانًا يكون الإنسان كالبحر، كلٌ يراه وفقًا لنظرته الخاصة، لا يجتمع عليه رأي واحد، ولا يرونه الناس بنظرة واحدة، فالكل يحكم وفقًا لموقف تعرض له، وطبقًا لرؤية خاصة به وحده، وبناءً على إحساس قد يكون عابرًا، ولكنه يظل مُسيطرًا على مُخيلته، لدرجة أن هذا الإحساس هو الذي ينسج بقية أفكاره ويغزلها.

ففي أحد الأيام ضاع حذاء طفل في البحر، فكتب الطفل على الشاطئ: "هذا البحر لص"، وكان هناك رجل صياد وقد اصطاد الكثير من السمك فكتب على الشاطئ: "إن هذا البحر كريم"، وغرق شاب في البحر.. فكتبت أمه على الشاطئ: "إن هذا البحر قاتل"، ورجل عجوز اصطاد لُؤلؤة من البحر... فكتب على الشاطئ: "إن هذا البحر سخي"، ثم جاء الموج، فمسح كل ما كُتِبَ على الشاطئ... واستمرت الحياة.

هل تدرون المغزى من هذه القصة.. أن كل ما يُردده الناس من حولك عن شخصيتك وعن طبائعك.. وعن تصرفاتك وسلوكياتك.. وعن آرائهم فيك سواء بالسلب أو بالإيجاب ستأتي الحياة بمشاكلها وأفراحها وأحزانها وأحداثها وتمحيها، فهناك من سيموت، وآخر سيسافر، وغيره سيهاجر، وهناك من سيصاب بالزهايمر، وهناك من سيغير رأيه لأن مصالحه أصبحت معك، وهناك من سيصحو ضميره، وهناك أيضًا من سيُغير مبادئه وأفكاره، وهناك من ستتبدل مشاعره، وأنت نفسك قد تتغير طبائعك، أو مشاعرك، أو سلوكياتك، أو آراؤك، وبالتبعية ستتغير معها آراء وكلمات الناس في شخصيتك.

لذا لا تقف كثيرًا عند آراء الناس، فما أسرع تبدلها وتغيرها، وما أسهل نسيانها وطيها عبر صفحات الزمن، فأنت كالبحر كل موقف له رد فعله، وآراء الناس كالكلمات المُدونة على الشاطئ، والحياة كالموج العالي تمسح كل شيء وتستمر.

فلا تجعل تلك الكلمات تستوقفك كثيرًا؛ لأنها ستُمحَى مع الوقت مهما كانت قوة ألفاظها وتعبيراتها ورنينها.