منتدى التمويل وفلسفة الجمهورية الجديدة

حازم حسين
حازم حسين
بقلم : حازم حسين

فجأة استيقظ العالم على تحدٍّ قاس. العقود الطويلة الماضية من التنمية ومراكمة فوائض الإنتاج لم تعد قادرة على تلبية احتياجات مُلحّة، والاستجابة السريعة والفعالة لأزمة طارئة، بدت فى البداية أقل كثيرا من قدرات العالم. وعلى غير توقع أو رغبة من أحد، تطورت الأمور فى مسارات سلبية، وتعطلت أغلب ماكينات الاقتصاد، حتى فى المراكز المالية والإنتاجية العملاقة. هنا باتت جائحة كورونا أزمة حقيقية، تكشف عن اختلالات عميقة فى السوق العالمية وتفاعلاتها، وتتطلب تدخلات أكثر جدية وحسما لمعالجة تلك الآثار!

المشهد الآن يتجه إلى التعافى، لكن ما تزال الرواسب تلطخ كثيرا من الأسواق. دول كبرى سجلّت نموا سلبيا خلال 2020، وأغلب الناجحين تقلصت نسب نموهم إلى ما دون الثلث. أما فى مصر فقد كان المشهد أقل ارتباكا، ربما بفضل مرونة هياكل الاقتصاد، وفاعلية برنامج الإصلاح واسع المدى المطبق منذ العام 2016، وأخيرا المبادرة العاجلة بدعم السوق وضخ تمويلات تنشيطية للقطاعات الأكثر تضررا، بما ساعد على إبقاء قدرات الإنتاج والاستهلاك فى حدود آمنة. من هنا تأتى أهمية وضع الرؤية المصرية على طاولة البحث، ومن هنا أيضا تكتسب فعالية مهمة، مثل منتدى مصر للتعاون الدولى والتمويل الإنمائى، أبعادا أكبر من كونها مؤتمرا نقاشيا أو حدثا اتصاليا بين المعنيين بالاقتصاد والمهتمين بالاستثمار والتنمية، لأنها تلخص مسارا مصريا بدأ منذ اللحظة الأولى لدولة 30 يونيو، ويتصل يوما بعد آخر بثبات وثقة، استنادا إلى انحياز واضح لقيم التعاون والتكامل وتضافر الجهود بين كل الأطراف من أجل مصلحة إنسانية لا تفرز ولا تستثنى أحدا.

الأهمية التى يمثلها المنتدى الوليد، تنبع من فلسفة التأسيس وآليات العمل واستراتيجيات الوصول إلى التكامل. أولا لا يمكن فصل الأمر عن العمل الدؤوب الذى اضطلعت به مصر لتنشيط قنوات الاقتصاد الدولية إقليميا وعالميا، عبر شراكات مباشرة أو دعم واضح لمؤتمرات وأفكار دولية، مثل تيكاد وUK – Africa والقمة الأفريقية الأوروبية ومنتدى الصين الأفريقى، ورفع صوت القارة السمراء فى محافل مهمة مثل قمة ميونيخ للأمن ومجموعة الدول السبع الكبرى ومجموعة العشرين وغيرها. وإلى ذلك تلعب وزارة التعاون الدولى دورا نشطا فى تقوية دبلوماسية الاقتصاد، والوصول إلى أفضل صيغة تنموية مع الشركاء الإقليميين والدوليين، وتعزيز الرباط العضوى بين السوق المحلية من حيث كونها مساحة ديناميكية للعمل والاستثمار، والمنصات العالمية العاملة وفق أهداف تنموية أو ربحية. وتحت تلك اللافتة والانحيازات جاء منتدى مصر الأخير.

فلسفة الحدث ومستهدفاته تضمنتها كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسى، إذ أشار إلى عُمق الأزمة العالمية بين الجائحة وتغيرات المناخ، وتحديات التنمية لا سيما فى الدول النامية، ومن هنا تقع المسؤولية على عاتق الأسواق الكبرى فى مساندة الاقتصادات الناشئة، من أجل تعزيز قدرتها على النمو ذاتيا، ووضعها على طريق التعافى الأخضر والمستدام، إنقاذا لها وللدول الكبرى نفسها، التى لا يمكن أن تستقيم منظوماتها الداخلية إن لم يتوفر شركاء حقيقيون وقنوات اتصال وتجارة وأسواق قادرة على تغذيتها أو خلق طلب فعال على منتجاتها. وأشار الرئيس إلى استراتيجية التنمية المستدامة المصرية 2030، رابطا بينها والاستراتيجية الأممية 2030 واستراتيجية أفريقيا 2063، ومنطلقا من هذا الربط لتأكيد أهمية التعاون وصولا إلى التكامل، وخلق توازن فعال بين مقتضيات التنمية المستقبلية ومواجهة تحديات الواقع وما تركه الماضى من معوقات، مع التزام المؤسسات والمنصات الدولية بالعمل الجاد من أجل تحفيز الأسواق الناشئة ومعاونتها فى عبور محطاتها الصعبة. هكذا لخص الرئيس فلسفة الجمهورية الجديدة فيما يخص الاقتصاد والتنمية والعلاقات الدولية، ولخص أيضا مستهدفات منتدى مصر للتعاون الدولى والتمويل الإنمائى.

وزيرة التعاون الدولى النشطة، الدكتورة رانيا المشاط، أوضحت أن المنتدى نجح فى أن يكون منصة حوار مهمة بين المسؤولين والفاعلين الاقتصاديين وطنيا وفى المؤسسات الدولية، تأكيدا على أهمية التعاون متعدد الأطراف وتوظيف الشراكات الدولية الفعالة من أجل إحراز خطوات واسعة ومستدامة على طريق التنمية، مع العمل على تعزيز أدوار القطاع الخاص وتيسير عبور الاستثمارات، لكن أهم ما تضمنه حديثها استعراض التجربة المصرية خلال السنوات الأخيرة، بدءا من الإطار الواضح والمتماسك لرؤية الإصلاح الاقتصادى، ثم إدارة الملف بكفاءة وفاعلية عبر أكثر من موازنة سنوية، وصولا إلى ترميم كفء وحقيقى لشروخ السوق وضبط أوضاع المالية العامة والموازين الاقتصادية ومؤشرات البطالة والتضخم، ما كان له أكبر الأثر فى تجاوز جائحة كورونا وتداعياتها القاسية على أسواق العالم، والدليل أن مصر إحدى الدول الأقل تضررا من الأزمة، ولم تشهد تعطلا فى الإنتاج أو اهتزازا فى سلاسل الإمداد والتوريد.

أحسنت وزارة التعاون الدولى بعقدها لهذا المنتدى المهم، استكمالا لخطوات تنموية حقيقية أنجزتها الدولة فى أوقات قياسية، وتأكيدا لنجاح التجربة المصرية محليا، بما يؤهلها لأن تكون رؤية استرشادية لكل الأسواق الناشئة والنامية، وأن تكون شريكا حقيقيا وفعالا للاقتصادات والمؤسسات المالية الكبرى، مع امتلاكها قاعدة استثمارية ضخمة واقتصادا بالغ التنوع وفرصا جذابة فى كل المجالات، والأهم أن هذا الحدث يؤكد فلسفة الجمهورية الجديدة ويُرسخها، وهى فلسفة تقوم على التعاون الجاد والشراكة الحقيقية، وتحقيق الاستقرار بالعمل والتنمية، وليس بالضغوط أو القوة أو التوازنات السياسية، انطلاقا من أن التكامل واقتسام المنافع أكبر الضمانات لأن تعمل كل الأطراف بجدية وأن تتحرك إلى الأمام.

انتهى المنتدى الذى عُقد تحت رعاية رئاسية، وبمشاركة نحو 1500 من المسؤولين الحكوميين والمجتمع المدنى والقطاع الخاص ورؤساء مؤسسات التمويل الإقليمية والدولية، بعد يومين وجلسات عدة تناولت محاور مهمة وحيوية فيما يخص التنمية والاستثمار والتكامل والاقتصاد الأخضر، لكن آثاره الإيجابية محليا وخارجيا لن تنتهى سريعا، فمن جانب قدّم المنتدى رسائل مهمة للعالم عن قدرة السوق المصرية وجاهزيتها وامتلاكها طموحا عظيما وإرادة سياسية للتنمية المستقرة والمستدامة، ومن جانب آخر أعاد التأكيد على فلسفة مصر المنحازة إلى دبلوماسية التنمية بدلا من دبلوماسية المشاحنات والتجاذبات السياسية، وأخيرا وضع العالم بمؤسساته ودوله الكبرى أمام مسؤولياتهم الفعلية عن التنمية الحقيقية، والتصدى للأزمات والمشكلات الوجودية، ودراسة توظيف القدرات البشرية فى كل الأسواق على الوجه الأمثل، بما يُحقق العدالة فى العمل والإنتاج واقتسام المنافع، ويضمن الاستدامة، ويُقلّص المخاطر التى يُمكن أن تعصف بثروات الكوكب فى أية لحظة، كما حدث جزئيا خلال أزمة كورونا، ويتصل ببطء وإزعاج فى ملف التلوث والتغيرات المناخية.

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

الأهلي يتوج بالسوبر الأفريقي لليد على حساب الترجى ويتأهل لمونديال الأندية (صور)

حر نار.. تحذير عاجل من الأرصاد عن حالة الطقس اليوم الأربعاء 14 مايو 2025

بشرى سارة.. "التعليم" تعلن عن مسابقة فى يونيو لتعيين معلمى الحصة

5 لاعبين يستعدون للرحيل عن الأهلي وتوديع ملعب التتش

الحرارة ترتفع لـ 44 درجة.. تغيرات مفاجأة فى حالة الطقس اعتبارا من الجمعة


القاهرة الإخبارية: رصد صاروخ ثان أطلق من اليمن باتجاه إسرائيل

زيارة ترامب للسعودية.. 600 مليار دولار استثمارات وصفقات سياسية ورفع عقوبات

التحقيقات: التيك توكر أم رودينا تمتلك حسابا بـ2.4 مليون جنيه ومحافظ إلكترونية

نزول الجزيري بعد إصابة منسي.. الزمالك يجري تغييرا اضطراريا أمام بيراميدز

الخارجية السورية ترحب بتصريحات ترامب بشأن رفع العقوبات المفروضة على دمشق


وفاة "سما عادل" المصابة فى حريق خط غاز طريق الواحات

ترامب: أنا وولي العهد السعودي نكن لبعضنا كثيراً من الود.. صور

الشوط الأول.. الأهلي يتقدم على سيراميكا بهدف بن شرقي.. صور

لجنة التخطيط بنادى الزمالك توافق على ضم سام مرسى بشرط

مصرع عامل وإصابة 4 آخرين فى انهيار سقف مسجد تحت الإنشاء ببنى سويف

وزير العمل يعلن 1072 فرصة عمل فى الإمارات بمرتبات تصل لـ55 ألف جنيه

التصريح بدفن جثة سائق توك توك لقى مصرعه على يد عاطل فى شبرا الخيمة

تصعيد عسكرى جديد فى السودان.. الجيش يواصل التقدم على 3 محاور.. نزوح 7 آلاف أسرة بالخوى والنهود خلال يومين بغرب كردفان.. والقوات المسلحة تجرى عمليات إجلاء لمدنيين فى أم درمان بعد حصار ميليشيا الدعم السريع

القبض على الفنان محمد غنيم لتنفيذ حكم 3 سنوات فى اتهامه بتهديد طليقته

تشابي ألونسو يرسم خريطة صفقات ريال مدريد

لا يفوتك


مواعيد حجز قطارات عيد الأضحى 2025

مواعيد حجز قطارات عيد الأضحى 2025 الثلاثاء، 13 مايو 2025 09:25 م

المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى