محمود قرنى يكتب: عرائس إبراهيم

الشاعر محمود قرنى
الشاعر محمود قرنى
عندما تلقيت دعوة للكتابة عن ستينية صديق الرحلة الشاعر إبراهيم داود لم أنصت لفعل الزمن كما ينبغى، ربما لأننى لا أكاد أصدق أن ثمة محطة يجب أن تتوقف عندها تجربة باذخة كتلك التجربة. فعندما نقرأ تجربة داود فنحن نقرأ خرافة يصنعها الجمال كما صنعته العرائس الشقراوات على ضفاف نهر الراين من أجل عيون " أبو لينير". لكن عرائس إبراهيم تبدو أكثر رقة ورهافة، لأنها الأكثر معرفة بالناس. عرائس إبراهيم تأخذ منه بساطته وعفويته، لغته التى تخاصم لغة المجامع وتأخذ سحريتها من غناء الفلاحين وعمال المصانع والصيادين. إبراهيم شاعر له أهل. ولأنه يحبهم ويؤمن بخرافة قوتهم وسحر ضحكاتهم وربقة أحزانهم فإنهم لا يغادرون شعره. هم مقيمون أبدا. ومع تلك البساطة الآسرة التى تشبه ضحكات إبراهيم، وتشبه هزله وجده، لم يقع أبدا فى الوعظة الأخلاقية، كما لم تخمد شعلته نيران معلميه الأوائل. إبراهيم يحب معلميه لكنه يحدد بدقة مساحة وجودهم فى شعره. هكذا يكون الشاعر المخضرم الذى عرك كل الأشكال الشعرية، وأجاد فى جميعها. إبراهيم ليس كغيره من شعراء الفردانية رغم أنه يبدو من دعاتها. الفارق بسيط جدا، لكنه رقيق عذب مثل عرائسه الجميلات.
فإبراهيم لا يتصنع جمالا خارج حدود التصور، لذلك تأخذ لغته سحريتها من كون تخييلاته ومجازاته وجنونه عناصر قابلة للتصديق.
الفردانيون عادة ما يرون الجمال فى أن تكون الكتابة على حافة المحنة الشخصية، لكن الشاعر الحقيقى، وداود هنا مثال، هو الذى تستحيل معه تلك الجمالية من ذات إلى موضوع. هنا فقط يصبح شاعر الناس، يصبح كبيرهم. وإبراهيم بهذا المنطق وبغيره شاعر كبير. 
 
sami-wahib-(49)
 
إبراهيم رفيق الرحلة وشريك تلك الطريق الوعرة، مناضل بطريقته، رغم ما يبدو من لين جناحه، وأناقة غدوه ورواحه. هذا المثقف الذى تغلبه الفطرة، أعنى تغلبه البراءة، لم يلوث يديه أبدا بقضايا العرفانية، رغم أنه كثيرا ما يسلك سلوك العرفانيين وإن شئت قل "أهل الخطوة". فهناك شعراء لا يهتمون بفهم بواعث نصوصهم، لأنهم يدركون أن المعرفة الحاذقة بذواتهم هى الطريق إلى الصنمية والوظيفية. وأعتقد أن ابراهيم واحد من هؤلاء الذين يعرفون لكنهم غير مشغولين بالمعرفة، فلم يجلس شاعرنا ذات مرة ليقول لنفسه كيف أكتب نصا يشبه ما يحدث فى العالم. فالعالم الواسع لا يخصه، هو يملك رموزه المشتركة، يملك لغته الهشة اللينة كجناح الطير، والشعر بالنسبة لداود لا يستبدل السحر بحفنة من العملات المنطقية كما يقول بورخيس لأنه معنى، كما سبق أن أسلفت، بإعادة اللغة إلى النبع الذى تشكلت فيه على هيئتها الأولى.
 
 
إبراهيم داود فى ستينيته يبلغ مرتقاه الذى دفع حياته من أجله. فهو اليوم واحد من أهم شعراء العربية كما هو واحد من الذين حفروا نهرا عميقا لقصيدة النثر تعمدت فيه بلغة وعوالم لا تشبه إلا إبراهيم داود . 
كل سنة وأنت كبير القامة والقيمة يا إبراهيم .. يا صاحبى . 
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

انهيار سد فى ولاية واشنطن.. والسلطات الأمريكية تصدر أوامر إخلاء للسكان

زاوية سلطان بالمنيا تضم واحدة من كبرى جبانات مصر.. وتحتوى على بقايا هرم يرجع تاريخه للأسرة الثالثة ومقابر صخرية للأمراء والنبلاء.. وطهنا الجبل بها معبد نيرو للإله أمون والإله سوبك.. صور

هند صبرى تصور مسلسل مناعة فى الغورية مع رياض الخولى ومها نصار

موعد مباراة مصر ونيجيريا الودية قبل انطلاق بطولة أمم أفريقيا والقناة الناقلة

سقوط حاويات فارغة من أعلى قطار بجوار طريق الإسكندرية الزراعي دون إصابات


العمل: طفرة في طلب العمالة المصرية بالخارج وإجراءات حماية من الشركات الوهمية

موعد مباراة المغرب والأردن في نهائي كأس العرب 2025

حسام الحسينى عن انفصاله: الطلاق حصل من 2020 واليوم انتهينا من إجراءاته الرسمية

الأرصاد تتوقع فرص سقوط أمطار على القاهرة الكبرى وتحذر من سيول بهذه المناطق

طلاق المخرج حسام الحسينى وزوجته رسميا بعد 21 عاما من زواجهما


الأردن يفوز على السعودية ويواجه المغرب فى نهائى كأس العرب 2025

كيف تنضم لمنظومة التأمين الصحى الشامل؟.. هيئة الرعاية الصحية تجيب

ابنة شقيقة طارق الأمير: دكتور حسام موافى طلب من الأطباء تركيب جهاز لتنظيم ضربات القلب لخالى

حقيقة تصنيف مواليد الثمانينيات ضمن كبار السن في منظمة الصحة العالمية

شرط وحيد من الأهلى للموافقة على رحيل مصطفى شوبير للاحتراف الخارجى فى يناير

صور الأقمار الصناعية.. تدفق السحب وتوقعات أمطار بهذه المحافظات تصل للسيول

موقف يحسد عليه.. بن أفليك يحضر عرضا مدرسيا لابنه بحضور زوجتيه السابقتين

الإدارية العليا تقضي برفض 27 طعنا على نتائج 19 دائرة ملغاة بانتخابات النواب

الأرصاد تحذر: تدفق السحب الممطرة وأمطار على هذه المحافظات الساعات المقبلة

بعد عام من الغموض.. اتهام زوج ملكة جمال سويسرا بتقطيع جثتها وطحنها فى الخلاط

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى