فوائد المرض!

محمد أحمد طنطاوى
محمد أحمد طنطاوى
بقلم : محمد أحمد طنطاوى

نعم العنوان صحيح "فوائد المرض"، حتى مع ظن البعض أنه بلا فائدة، بل مصيبة وبلوى تحل على رأس صاحبها، لكنه في الحقيقة نعمة كبيرة، تذكرنا بالضعف البشرى، والعجز الإنساني، والصحة الخائنة، والقوة العاجزة، والقدرة الواهية، التي ندًعيها ونعتقد فيها، ونتصور أننا خرقنا الأرض وبلغنا الجبال طولاً، فتأتى محنة المرض لتشعر معها بجحم الضعف والوهن الذي يعتري جسدك، حتى صارت الأيادي ترتعش والقلب يرتجف، والتنفس يضيق، دون حول منك أو قوة.

لا نعرف فضل العافية إلا بتجربة المرض، لا نعرف فضل الطبيعي والعادي إلا عندما نتعرض للطارئ المفاجئ، لا يمكنك أن تميز ما تمحنه لك قدمك، إلا حينما تعجز عن حملك، والتحرك بجسدك الضعيف، لن تفكر في وظيفة رئتيك إلا حينما يحاصرك السعال من كل جانب، وتشعر بأن التنفس ليس في أفضل حالاته، لن تتعرف على دقات قلبك إلا في ساعات الظلام في ليل هادئ على وسادتك الناعمة، تشعر بها تدق في أذنك وتتابع هل تستمر الدقات بنفس الطريق أم يحكمها اللغط ارتفاعاً وانخفاضاً، بل لن تعرف قيمة شفتيك إلا حينما تحاصرها الفيروسات الانتهازية بعد نزلة برد شديدة، وقد تشققت وامتلأت بمظاهر الالتهاب من كل جانب، حتى صارت حرارتها تمنعك الاقتراب من الطعام أو الشراب وتفسد مزاجك كاملاً!

تجربة المرض تدفعنا دائماً إلى إعادة الحسابات الخاطئة مرة أخرى، أو على الأقل تصحيح مسارها والإفاقة من الأوهام الزائفة والمظاهر الخادعة، وكل أشكال النفاق الاجتماعي التي نمارسها بقصد أو بدون وتتلاشى مع صرخات الألم، بل أكثر من ذلك فإن المرض يأتيك بصورة أقرب إلى جواب مسجل بعلم الوصول، ليؤكد لك أن الصحة ليست منحة أبدية، بل قد تخونك في أي وقت ودون مقدمات، وتصبح مصدر ألم لا ينقطع إذا ما أهملت فيها لصالح ما دونها.

الحكمة التي نتعلمها من المرض أنه مهما كانت قدرتك وقوتك ومنصبك ونفوذك، لن يتحمل عنك الألم أحد، ولن تشفع لك كل مظاهر الرفاهية التي تمارسها في أيامك العادية، بل إن الطبيب نفسه ولو كان أشهر وأمهر الأطباء لن يمنحك أكثر من المسكنات والمهدئات، حتى يمن عليك القدير بالشفاء ويمنحك العافية من جديد، لذلك عليك أن تتوقف فوراً عن غرورك البشرى، وصلفك المستمر، وقهرك الدائم لمن حولك، وفخاخك التي تسهر ليل نهار لتنصبها لكل من حولك، لاسيما أن عداد العمر لا يتوقف عن الهرولة!

المرض فرصة كبيرة لنعيد حساباتنا من جديد، ونتعرف على الحجم الطبيعي لكل من حولنا، والقيمة الحقيقية للأسرة والأصدقاء والأقارب والزملاء، بل فرصة عظيمة لتقييم كل المحيطين، وفرصة أعظم لاكتشاف نقاط ضعفك، وما قد يغضب صحتك، ويعكر صفو مزاجك، لذلك أتصور أن للمرض فوائد كبيرة لا تقل بأى حال عن محنته، والمهم أن نتعلم الدرس وندرك الحقيقة، التي نعرفها جميعا ولا نحيط بها، ونتذكرها فقط دون أن نضعها أمامنا للتعلم والاعتبار.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

موضوعات متعلقة

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

مهاجم بتروجت يقترب من المقاولون العرب في الموسم الجديد

تعرف على موعد انطلاق بطولة الدورى المصرى للموسم الجديد 2025 – 2026

زيزو يحتفل مع السقا بعرض فيلم "أحمد وأحمد" فى دبى.. صور

رئيس الوزراء: حريصون على وضع تصور واضح لمستأجرى "القانون القديم"

بالأسماء.. القائمة الوطنية تتقدم بأوراقها لانتخابات الشيوخ عن قطاع شرق الدلتا


الزمالك يستعيد أحمد حمدى بعد أداء مناسك العمرة

صوت من وسط الدخان داخل حريق سنترال رمسيس.. وائل مرزوق لم يخرج من مكتبه لكن بقيت قصته.. تفاصيل آخر مكالمة لموظف الموارد البشرية مع زميلته تكشف لحظات الوجع: "مش عارف أخرج.. إحنا كده خلاص".. صور

محامى زيزو يتقدم بشكوى جديدة ضد الزمالك فى اتحاد الكرة

هل يستطيع ترامب شل حركة "إف-35" فى أوروبا؟.. تقارير: مخاوف متصاعدة من "زر أمريكا"

"تسجيلات مسربة" ترامب يهدد بقصف روسيا والصين و قمع الجامعات.. التفاصيل


دجاج فاسد سر غياب مبابى عن الريال فى دور المجموعات بمونديال الأندية

باريس سان جيرمان يتحدى الريال في قمة نارية بنصف نهائي مونديال الأندية

نتنياهو وترامب يناقشان ملف الرهائن فى لقاء ثانٍ بالبيت الأبيض

نتيجة الدبلومات الفنية برقم الجلوس 2025.. مراجعة الدرجات وتجميعها

تجهيز نتيجة الدبلومات الفنية 2025 وإتاحتها إلكترونيا للطلاب

سكارليت جوهانسون النجمة الأكثر ربحا بسبب Jurassic World: Rebirth

الأندية تعترض على عقوبة إنذارات اللاعبين فى لائحة الدورى الجديد

متى يتم طرد المستأجر .. شروط قانونية يجب توافرها

محاولات لإنهاء أزمة سيف الجزيرى في الزمالك

قبل ما تشغل التكييف.. 9 نصائح تحميك من كارثة حريق مفاجئة

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى