الصدفة.. دعم ربانى ومنح خفية

محمد أحمد طنطاوى
محمد أحمد طنطاوى
بقلم : محمد أحمد طنطاوى

"ما يحدث عرضاً على غير انتظار، دون توقع"، هذا التعريف الأقرب للصدفة في معاجم اللغة العربية، بالإضافة إلى العديد من التفسيرات والتأويلات الدينية المرتبطة بها، فالمتشددين يرون أن الاعتقاد في الصدفة إلحاد، ومن يتصور حدوث الأشياء دون علم الله يخرج عن الملة، والبعض الآخر لا يتفق مع هذا الطرح ويرى المصادفة حالة عادية قد تحدث لكل منا بصورة أو بأخرى، كأن يرى صديق أو قريب دون ترتيب أو إعداد.

النص القرآني لم يذكر لفظ الصدفة بمعناها المتعارف لدينا، بل جاء ذكر الفعل صدف، ويصدفون بصيغة الجمع، 4 مرات في سورة الأنعام في قوله تعالى " فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا"، وهنا صدف عنها بمعنى أعرض وابتعد عنها أو صرف الناس عنها، ثم آية " انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ"، وآية "سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ"، وكذلك آية "بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ"، وجميعها تحمل نفس المعنى، بينما جاءت كلمة "الصدفين" بمعنى مختلف في سورة الكهف في قوله تعالى " حتى إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ"، وهنا بمعنى الجبلين، والآية تتحدث عن قصة ذي القرنين المعروفة في القرآن الكريم.

بعيداً عن التفسيرات والتأويلات المرتبطة بكلمة الصدفة ومعناها وما رسخ في الأذهان عنها، إلا أنها تحمل دلالات قوية وندين لها بالكثير، فالصدف تؤثر في حياتنا بصورة كبيرة، كيف تصنع لنا الأصدقاء في أوقات كثيرة، أو الأعداء في صدف أقل حظاً، كيف تجمعنا بمن نحب أو تفرقنا عنهم؟!، كم مرة كشفتك الصدفة وقادتك إلى مشكلات وأهوال؟، وكم مرة كانت الخلاص من مشكلات وأعباء وعقبات لم تكن تتخيل حياتك بدونها؟، هل فعلا "رب صدفة خير من ألف ميعاد"؟، فهذه العبارة الدارجة على الألسن، لا نعرف حتى من قالها وما قصتها الحقيقية، لكننا نتداولها دائماً في باب محاسن الصدف، ونعتبرها سبيلا للمدح والإطراء.

أتصور أن الصدفة لها الكثير من الفضل في حياتنا اليومية، حتى وإن كانت هامشية أو عارضة، لتصبح واحدة من دلائل الدعم الإلهي والعناية الربانية، التي قد نحظى بها من وقت لآخر، ففي كثير من الأحيان قد تصادف من يقضى حوائجك فجأة دون مقدمات، أو حتى سابق معرفة، فقط ساقته الأقدار ليخفف معاناتك، لذلك تظل الصدفة واحدة من مصادر البهجة الخالصة، التي قد نمر بها، والأثر النفسي الذي تتركه فينا أكبر وأعمق بكثير من حسابات وترتيبات وأفكار قد تفشل جميعاً في مواجهة هذه الصدفة!

الكتب العملية ومبادئ النقد الفني والأدبي تشير دائماً إلى ضعف أي عمل قائم على الصدفة، فلا يمكن لشخص يغرق أن يجد قارب نجاة فجأة دون مقدمات أو ما يشير إلى سبب وجود هذا القارب، ونكران الصدفة هنا مقبول ويضفى على العمل الواقعية ويجعله حقيقياً إلى قلب وعقل القارئ أو المشاهد، لكن الصدفة الحقيقية قد يجد صاحبها الشاطئ قريباً، أو يصادف من يقدم له يد العون، بعناية ورعاية ربانية، وأظن أن ما ساقته الصدف والأقدار لنبي الله يونس، الذي مكث في بطن الحوت عدة أيام، حتى لفظه على الشاطئ، وجاءت ثمرة "اليقطين" التي يعرفها الناس بـ "القرع"، لتضمد جراحه وتشفى ما تعرض له داخل معدة الحوت، فتلك عناية من الله حركتها الأقدار وأكملتها الصدف.

أظن أن الصدف أحد النعم التي يشمل الله بها عباده، ويرسل لهم من خلالها مصادر الدعم والمدد، كما أظنها أحد المنح الخفية، التي تسوقها لنا الأقدار، لتربط على قلوبنا، وتمنحنا السلام والسكينة، بل الطمأنينة أحياناً، وكم من الصدف غيرت مسارنا يمينا أو يساراً، دون أن ندري في حينها ما قد يترتب عليها مستقبلاً، لتظل الصدفة أحد الأسرار التي يجب أن نحترمها، والغيبيات التي لا يمكن أن نتوقعها، بل سياقات ربانية خالصة تدفعنا لأقدارنا دون حول منا أو قوة.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

موضوعات متعلقة

النسيان.. العقل يختل دون سلة محذوفات!

النسيان.. العقل يختل دون سلة محذوفات! الثلاثاء، 18 يناير 2022 11:08 ص

فوائد المرض!

فوائد المرض! الأربعاء، 12 يناير 2022 11:11 ص

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

سجل سلبي يطارد مبابي أمام باريس سان جيرمان قبل موقعة مونديال الأندية

تنسيق الجامعات 2025.. هل يمكن التقدم لأكثر من اختبار قدرات؟

محمد صلاح يزين قائمة الأكثر موهبة في تاريخ ليفربول

قبل ما تشغل التكييف.. 9 نصائح تحميك من كارثة حريق مفاجئة

مرسى مطروح مصيف السعادة.. متعة السباحة والمناظر الخلابة تُحسن المزاج وتجدد النشاط.. ملايين المصريين والسياح أسرى طبيعة مطروح البكر.. والشواطئ على موعد مع ذروة المصيف والصخب الجميل بعد نهاية امتحانات الثانوية


تفاصيل اتفاق الزمالك مع شيكو بانزا لاعب امادورا البرتغالى

الجبهة الوطنية: القائمة الوطنية تضم كوادر وكفاءات تثرى مجلس الشيوخ القادم

ترامب يعلن حضور نهائى كأس العالم للأندية 2025

رجلان غيرا نظرة توم هانكس للحياة.. اعرف القصة بمناسبة عيد ميلاده

هدوء ما قبل الإعلان.. آخر تطورات نتيجة الدبلومات الفنية 2025


الحرارة تصل 42 درجة.. حالة الطقس المتوقعة اليوم الأربعاء 9 يوليو 2025

نتنياهو: ما حدث في بيت حانون شيء صعب على إسرائيل

فلومينينسى ضد تشيلسى.. المتألق بيدرو يضيف الثانى للبلوز 0-2.. "فيديو"

رجال الحماية المدنية بالجيزة يشاركون فى إخماد نيران سنترال رمسيس.. صور وفيديو

استشهاد 3 فلسطينيين فى قصف للاحتلال غرب خان يونس

كيف أنقذت مصر نفسها من كارثة بيولوجية بعد إحباط تهريب 300 كائن حى نادر فى مطار القاهرة؟.. الأنواع المضبوطة شديدة الخطورة وتنشر أمراض وفيروسات وبكتيريا غريبة لا نملك أمصال لها.. وتسبب خسائر فى الثروة الحيوانية

السجن 10 سنوات لـ7 متهمين بدفن شاب حيا داخل ماسورة مياه فى المحلة

القومي للاتصالات: خدمات كثيرة رجعت وتعمل بكفاءة وسنترال رمسيس ليس الوحيد المعتمد عليه

وزارة الصحة بغزة: ارتفاع مقلق في حالات الإصابة بالحمى الشوكية

رسميًا.. نجل أنشيلوتي يقود بوتافوجو البرازيلي

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى