"متلازمة" الصراع والحشد.. والتحول نحو حقبة "السلام الساخن"

بيشوى رمزى
بيشوى رمزى

ربما تبقى "ثنائية" الصراع والحشد، بمثابة "متلازمة" ترتبط بالنظام الدولي، وخاصة مراحل المخاض، التي يمر بها العالم، فتبدو المنافسة الشرسة هي المهيمن الرئيسي على العلاقة بين القوى الساعية نحو القيادة الدولية أو الإقليمية، بينما سياسة "الحشد"، تمثل جزء لا يتجزأ من النهج الذي تتبناه القوى الطامحة، لبناء معسكراتها، ودعم قدراتها على مجابهة المنافسين، عبر خلق تحالفات دولية، سواء في مناطقها الجغرافية أو في مناطق أخرى من العالم، وهو الأمر الذي من شأنه تعزيز مكانتها الدولية، وبالتالي التحول نحو دور فاعل وحقيقي في المنظومة الدولية برمتها، بينما تساهم المستجدات، وما يرتبط بها من أزمات، في طغيان أحد طرفى المعادلة (الصراع والحشد) على الأخر في العلاقات الدولية.

 

ولعل الصورة التي تبنتها القوى الدولية في إدارة المعادلة، بين الصراع مع المتنافسين، أو حشد الدول الأخرى لاستقطابهم لصفها، شهدت اختلافا كبيرا، مع مختلف المراحل التي مر بها النظام الدولي، تبعا لاختلاف مفهوم "النفوذ"، في كل مرحلة، ففي الحقبة الاستعمارية، طغى النهج "الصراعي" على العلاقات الدولية، في ظل هيمنته على عمليتى الحشد والصراع، حيث اعتمدت القوى النافذة سياسة الاحتلال والسيطرة على أراضي الدول الأخرى، لضمان دورانهم في فلكها، باعتبارها القوى المهيمنة عليها، وهو الأمر الذي انعكس على طبيعة الجانب الاخر من المعادلة (الصراع)، حيث تحولت العلاقة بين القوى المتنافسة إلى صورة أكثر خشونة في إطار "الحروب العالمية"، والتي ساهمت في تآكل نفوذها القوى الحاكمة خلال تلك الحقبة تدريجيا، إثر الخراب الذى لحق بهم، جراء  تواتر المعارك العسكرية التي استمرت لسنوات، بينما شهدت المعادلة قدرا من التوازن، بعد الحرب العالمية الثانية، عندما تبنت الولايات المتحدة نهجا "لينا" في حشد معسكرها، قائما على البناء وإعادة الإعمار، وتقديم الدعم الاقتصادي إلى دول أوروبا الغربية، بينما واصل الاتحاد السوفيتي نهجه الفيدرالي، في المعسكر الشرقي، مما أدى إلى بزوغ بؤر "صراعية" في ظل تنامي حركات الاستقلال، والتي أججها الغرب، لتفجيره من الداخل، وهو ما أضفى، في المحصلة النهائية، قدرا من "البرودة"، على الصراع الدولي، في إطار "الحرب الباردة"، والتي أسفرت في نهاية المطاف إلى الهيمنة الأحادية المطلقة.

 

وهنا يثور التساؤل حول طبيعة "المعادلة" الدولية، بين الصراع والحشد، في مرحلة المخاض، التي يعيشها النظام الدولي في اللحظة الراهنة، في ظل مستجدات، أبرزها دائرة الأزمات المستحدثة، ذات النطاق غير المحدود جغرافيا أو زمنيا، مع تعددية القوى الدولية المؤهلة لمزاحمة الولايات المتحدة على قمة النظام الدولي، على رأسها الصين وروسيا، لتتجاوز حقبتي "الهيمنة الأحادية" الحالية، وكذلك "الثنائية القطبية" السابقة ناهيك عن بروز أهمية القوى الإقليمية، والحاجة إلى قيامها بدور فعال، للمساهمة في احتواء حالة الطوارىء الدولية الراهنة، وهو ما يعكس حالة متداخلة من الصراع، بين القوى المتنافسة (أمريكا والصين وروسيا)، من جانب، وزيادة وتيرة الاستقطاب، والذى تجلى على مسارين أولهما من حيث الامتداد إلى الأقاليم الجغرافية الأخرى، على غرار القمم الأخيرة التي عقدتها الصين والولايات المتحدة، مع الدول العربية والافريقية على الترتيب، بينما اعتمد المسار الاخر محاولات للتقارب، ولو مرحليا، بين القوى المتنافسة، على غرار الصين والولايات المتحدة، وهو ما بدا في القمة التي عقدت بين الرئيسين الأمريكي جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينج قبل أسابيع في محاولة لتهدئة الأمور بينهما، بعد سنوات من الحروب، التي اتخذت أشكالا متعددة، امتدت من التضييق الاقتصادي والتجارى، منذ عهد إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، وحتى زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي، إلى تايوان في خطوة كادت أن تشعل شرارة حرب جديدة.

 

ولكن بالرغم من زيادة وتيرة الحشد في إطار يبدو تعاونيا، لا يخلو من الجانب التنافسى، لمجابهة الأزمات الكبيرة التي يواجهها العالم، يبقى الجانب الصراعي متأججا، إذا ما نظرنا إلى الصراع الدولي الراهن في أوكرانيا، وما يحمله من تداعيات خطيرة على العالم، وهو ما يعكس قدرا من "التعادل"، في طرفي المعادلة الحاكمة للعلاقات الدولية في صورتها الجمعية، وبالتالي ضبابية المستقبل الذى سيؤول إليه العالم، في إطار المنافسة الشرسة على القيادة الدولية، من جانب، والحاجة إلى تحقيق التوافق بين القوى المتنافسة لإدارة صراع أخر يبدو أكثر شراسة مع الطبيعة، في ظل تفشي الأوبئة، وأزمة التغيرات المناخية من جانب اخر.

 

وفي الواقع، تبقى الحاجة ملحة إلى تغليب "كفة" الحشد، على حساب الصراع، في ظل الظروف الدولية الحالية، وأزماتها، وهو النهج الذي تتبناه بعض القوى الإقليمية في مناطقها، وعلى رأسها مصر، والتي آثرت نهجا يقوم على الانفتاح على جميع الأطراف الدولية، والقبول بمنهج التعددية، مع استحداث أدوار جديدة لها، عبر القيام بدور "الاتصال" بين الأقاليم، من أجل تحقيق المزيد من التكامل الدولي، الذي يتجاوز الأقاليم الضيقة، مما خلق مساحات أكبر من التوافق بين القوى المتنافسة على القيادة، تدفع نحو "تصفير" أو على الأقل تحييد الخلافات، إن وجدت، في إطار إدراك القيادة السياسية إلى ضرورة العمل الجماعي، لمجابهة الأزمات وتداعياتها الكارثية.

 

النهج التعاوني، ربما لا يقوض الجانب التنافسي، ولكن يبقى أساسا للحفاظ على وتيرة المنافسة، وعدم تفاقمها لتصل إلى مرحلة الصراع، وهو الأمر الذى ربما أدركته واشنطن وبكين، مؤخرا، بينما استلهمه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عندما تحدث عن ضرورة الاستجابة للمخاوف الأمنية لموسكو، والتي تتمحور حول تمدد حلف الناتو إلى مناطقها الاستراتيجية، وهو ما تعتبره روسيا تهديدا أمنيا لها، ناهيك عن الدعوات الأخرى التي تبناها كبار الساسة في المعسكر الغربي، وأخرهم الدبلوماسي الأمريكي المحنك هنرى كيسنجر، والذى دعا إلى ضرورة التفاوض مع روسيا حول الوضع في أوكرانيا، تفاديا للسقوط في مستنقع الحروب العالمية مجددا.

 

وهنا يمكننا القول أن الوضع الدولي الراهن يبدو في حاجة ملحة لتغليب كفة الحشد القائم على التوافق، سواء في دائرتي الحلفاء أو الخصوم، بينما تحديد الصورة "الصراعية" للعلاقات الدولية في صورتها "التنافسية"، والتي لا تمنع من التعاون، ليسيطر على المشهد ما يمكننا تسميته بـ"السلام الساخن"، ليكون عنوان الحقبة الدولية الجديدة.
 

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

ابنا فضل شاكر وعاصى الحلانى يحييان حفلًا غنائيًا فى لبنان

لمسة الأبطال.. محمد صلاح ضمن قائمة ملوك الحسم في تاريخ الدوري الإنجليزي

سيدة استولت على أموال الشباب بزعم العمالة بالخارج والجهات المختصة تباشر التحقيق

جريندو يقترب من قيادة هجوم غزل المحلة أمام سموحة

شواطئ مطروح والساحل الشمالى مقصد الباحثين عن المتعة داخل وخارج مصر.. إقبال على الشواطئ والقرى والمنتجعات السياحية.. أفواج مصايف الشركات والأندية والنقابات تزيد زخم المصيف.. وتزايد كبير لرحلات اليوم الواحد.. صور


وادى دجلة يدخل معسكرا مغلقا اليوم استعدادا لمواجهة إنبى في الدورى

موعد مباريات اليوم الجمعة 15 -8 -2025 في الدورى المصرى

جدول ترتيب الدورى الممتاز الخميس 14 أغسطس 2025.. المصرى يتصدر

رئيس شركة Skydance: فيلم Top Gun 3 لـ توم كروز أولوية الشركة

كاسيميرو: محمد صلاح الأجدر بالكرة الذهبية 2025


خسارة ناشئى اليد أمام إسبانيا 31-29 فى ربع نهائى بطولة العالم.. صور

رغم جاهزية اللاعب .. إمام عاشور خارج مباراة الأهلى وفاركو

بيكهام يعوض غياب ياسر إبراهيم في تشكيل الأهلي أمام فاركو

الرئيس السيسى يصدّق على تعديل بعض أحكام قانون التعليم

فضيحة جديدة.. إعلامية من باراجواي تكشف المستور عن كاسياس

إكسترا نيوز: 141 شاحنة مساعدات تدخل إلى غزة عبر معبر كرم أبو سالم

مات والده فى حادث منذ 3 أعوام ولحق به الابن اليوم بنفس الطريقة.. تفاصيل

سيول وأمطار غزيرة تضرب وادى الأربعين بسانت كاترين.. فيديو

7 أخبار لا تفوتك اليوم الخميس

مطاردة مرعبة على طريق الواحات.. 3 شباب يتسببون في حادث لفتاتين والداخلية تتحرك.. الجناة يعترفون: حاولنا توقيف الضحيتين ومعاكستهما.. وثقنا الواقعة فيديو وسخرنا منهما.. والسجن المشدد مصير المتهمين.. فيديو

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى