التحول في المفاهيم الدولية.. "الطوارئ" نموذجا

بيشوى رمزى
بيشوى رمزى
بقلم : بيشوى رمزى
تغيير كبير باتت تشهده المفاهيم الدولية في الآونة الأخيرة، في ظل مستجدات وأحداث، وتغييرات عميقة في بنية النظام العالمي، لتتحول تلك المصطلحات، التي طالما حاربتها القوى الدولية الحاكمة، باعتبارها مناوئة لمبادئها، إلى قواعد ربما تسطر شكل العالم الجديد، في ضوء التغيير الكبير في شكل الأزمات الدولية، والتي لم تعد تقتصر على نطاق محدود، سواء دوليا أو أهليا، وانما باتت عابرة للحدود، مما يساهم بصورة كبيرة في تشديد القيود، فيما يتعلق بكل مناحي الحياة، بدء من حركة المواطنين وحرياتهم، وحتى قواعد العمل والسلوك البشري، لتصبح "الحرية مطلقة" في خانة الفوضى، بينما مصطلحات، على غرار "الطواري" بمثابة ضرورة ملحة لمجابهة التحديات الراهنة.
 
وهنا يبدو أن ثمة تحول كبير، فالمفاهيم "سيئة السمعة"، والتي كانت وسيلة للتضييق على الخصوم الدوليين من قبل القوى الدولية الحاكمة في ظل ابتعاد التهديدات عن أراضيهم، أصبحت بمثابة "فرضا" على الجميع، إلى الحد الذي يدفع إلى الدعوة الصريحة لها في بعض الأحيان من قبل دعاة الديمقراطية، وأنصار الحرية، خاصة مع أخطار كبيرة باتت على حدودهم، بدء من الإرهاب والصراعات المسلحة، على غرار العملية العسكرية الروسية الراهنة في أوكرانيا، ناهيك عن الصراع مع الطبيعة، في ضوء ظاهرة التغير المناخي، وكذلك الوباء، وهي الأمور التي دفعت إلى فرض حالة من الطوارئ الدولية، سواء على المستوى العالمي، تتجلى في تقييد حركة التجارة والسفر، أو داخل الدول، عبر التضييق على المواطنين، ومن بينها دولا طالما نأت بنفسها بعيدا عن تلك المفاهيم، بل حملت لواء الحرب عليها لعقود طويلة، تحت شعار "الانتصار للحريات" بينما كانت في الحقيقة بمثابة "العصا" التي حاولوا بها ردع "المارقين".
 
فلو نظرنا إلى مفهوم "الطوارئ" باعتباره النموذج الأبرز، في المرحلة الراهنة، ربما نجد أنه بات يتخذ أبعاد جديدة، تتجاوز البعد الأمنى الذى كانت تعتمده الدول قبل سنوات قليلة، وإن كان باقيا، في ظل عودة زمن الحروب، على غرار المستجدات التي تشهدها الساحة الأوكرانية في المرحلة الراهنة، وهي المعركة التي لم تقتصر في نطاقها على صراع ثنائي بين دولتين، وإنما تحمل في طياتها تداعيات صراع طويل الأمد بين الغرب والشرق، وهو ما يعكس خطورة الامر ليس فقط على رقعة جغرافية محدودة، وإنما تمتد إلى مساحة شاسعة تتداخل فيها أوروبا والولايات المتحدة، بينما لا تبتعد عنها قوى دولية أخرى، على غرار الصين، بينما تمتد أثارها إلى مختلف قارات العالم، إثر ما سوف تؤدى إليه من نتائج سوف تنعكس مباشرة على حياة البشر هنا أو هناك، مما يفرض حالة من التأهب العسكري والامني في مواجهة خطر الحرب القائمة التي قد تأكل الأخضر واليابس. 
 
البعد الأمنى يمتد، في إطار مفهوم "الطوارئ" على العديد من المناحي، منها أمن الطاقة، والأمن الاقتصادي ناهيك، في ظل ارتباط المصالح بين الدول، خاصة في أوروبا الغربية، وطرفي الصراع من جانب آخر، فالغرب يعتمد بصورة كبيرة على الغاز الروسي وهو ما يؤثر حال الإخلال بالعلاقة مع موسكو على الاقتصاد، وهو ما يرتبط بحياة المواطنين بصورة مباشرة وبالتالي التضييق عليهم بصورة أكبر في حالة ممارستهم لحقهم في "حرية التعبير"، بينما يرتبط بأوكرانيا سياسيا، في التزامهم بالتحالف الغربي تحت المظلة الأمريكية.
 
ولعل البعد الأمني ليس الجانب الوحيد لمفهوم "الطوارئ"، وإنما أصبح هناك أبعاد أخرى، منها، على سبيل المثال الطوارئ الصحية، في ظل الوباء، حيث تبقى قيود كورونا سببا رئيسيا في اندلاع التظاهرات في العديد من مناطق العالم، بسبب ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية، على غرار احتجاجات "قوافل الحرية"، التى اجتاحت عواصم أوروبا وكندا، إلى الحد الذى دفع رئيس الوزراء الكندى جاستن ترودو لاستدعاء حالة الطوارئ بل استبقته الولايات المتحدة بدعوة السلطات الكندية لاستخدام صلاحياتها لانهاء مظاهرات عطلت العمل بجسر حيوى بين البلدين.
 
التطورات المناخية هي الاخرى ربما فرضت بعدا اخر لمفهوم "الطوارئ"، في إطار ما سبق وأن أسميته حقبة "البيئوقراطية" العالمية، في ظل قواعد باتت تفرض نفسها على مختلف القطاعات حول العالم بدء من الصناعة مرورا بالتجارة والزراعة وحتى السلوك البشرى العادى، الذى اصبح مقيدا باحترام البيئة، وذلك حتى يمكن مجابهة الخطر المحدق بالكوكب بأسره.
 
وهنا يمكننا القول بأن التغيير الذى بات يشهده النظام العالمي لم يعد قاصرا على تغير موازين القوى، أو توارى دول مقابل صعود أخرى، أو حتى تغير القواعد الحاكمة في النظام العالمي، وإنما امتدت إلى تغيير الصورة الذهنية المرسومة عن المفاهيم المتداولة، لتصبح جزء لا يتجزأ من الخريطة الدولية الجديدة، بعيدا عن التابوهات "المعلبة" التى دأب الغرب على تصديرها، دفاعا عن مبادئ سعوا إلى تسييسها لتحقيق مصالحهم، بعيدا عن المعطيات والظروف التي ترتبط بكل منطقة.
 

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

مكة وكيان تزينان احتفال ليفربول بلقب الدوري الإنجليزي.. صور

فحص الكاميرات والاستماع لأقوال الأسرة حول العثور على جثة حفيد نوال الدجوى

النيابة تأمر بالتحفظ على كاميرات المراقبة فى محيط حادث أحمد الدجوى

محمد علي بن رمضان يصل القاهرة استعدادا للانضمام إلى الأهلي

6 قرارات من النيابة فى واقعة إطلاق حفيد نوال الدجوى النار على نفسه.. اعرفها


كواليس وفاة حفيد الدكتورة نوال الدجوى بطلق نارى داخل مسكنه بأكتوبر.. وزارة الداخلية تكشف مفاجأة: يعانى من اضطرابات نفسية وسافر خارج البلاد للعلاج.. والأسرة لم تبلغ الدكتورة نوال بالخبر حفاظا على صحتها.. صور

الأرصاد: غداً ذروة الموجة الحارة.. تتجاوز 40 درجة بالقاهرة الكبرى

وزير العمل يعلن تطورات إيجابية بشأن عامل مصرى عنفه صاحب عمل سعودى

الدكتورة نوال الدجوى لا تعلم شيئًا عن وفاة حفيدها حتى الآن.. التفاصيل

إخلاء سبيل طفل المرور فى واقعة التعدى على طالب بالمقطم بكفالة 20 ألف جنيه


لبيان سبب الوفاة.. نقل جثة حفيد نوال الدجوى إلى المشرحة لتوقيع الكشف الطبي

أول صور لحفيد نوال الدجوي بعد العثور على جثته مصابا بطلق ناري

الأهلي ملك البطولات في العالم بعد هدية أبردين الأسكتلندي

سجل أبطال كأس العرب قبل سحب القرعة.. سيطرة عراقية ومصر فى القائمة الذهبية

مصادر أمنية: العثور على جثة حفيد نوال الدجوي مصابًا بطلق نارى بمسكنه بأكتوبر

الأعلى للإعلام: اعتماد قرار قناة TEN بالإيقاف الفوري لرضا عبدالعال

ريفيرو يعود للقاهرة قبل مباراة فاركو لإعلان تنصيبه مديراً فنياً للأهلي

مشهد الختام فى الدوري الإنجليزي.. صلاح ومرموش فى ليلة حصد الجوائز وتحقيق الحلم الأوروبي.. ليفربول يواجه كريستال بالاس بأجواء احتفالية.. "الفرعون" ينتظر التتويج بالحذاء الذهبي الرابع.. ومانشستر سيتي أمام فولهام

المتحدث باسم مجلس الوزراء يوضح ما أثير بشأن "شهادة الحلال"

ذروة الموجة الحارة.. تحذير عاجل بسبب حالة الطقس غدا لهذا السبب

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى