فتوى اليوم.. حكم الاحتكار فى غير طعام الناس

دار الإفتاء المصرية
دار الإفتاء المصرية
كتب لؤى على
يواصل "اليوم السابع" تقديم خدماته " فتوى اليوم"، حيث ورد سؤال لدار الإفتاء نصه.. يقوم بعض التُّجار بالاحتكار في أعلاف الحيوانات بدعوى أنَّ الاحتكار المُحَرّم إنما يكون في طعام الناس فقط؛ فما حكم الشرع في ذلك؟، وجاء رد الدار كالآتى:
 
يحرم شرعًا الاحتكار في كل ما يحتاج إليه الناس في معايشهم من غير الاقتصار على الطعام فقط؛ لأنَّ علة التحريم هي الإضرار بالناس، وهي مُتَحَقِّقَةٌ في كل ما يحتاجون إليه ويعتمدون عليه في معيشتهم.
 
الأصل في البيع حِلُّه وإباحته؛ وذلك لقوله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ [البقرة: 275]، إلَّا ما نَهَى الشارع عنه من بعض الممارسات التي قد تضرُّ بمصالح المتبايعين؛ ومن تلك الممارسات "الاحتكار"، والذي هو حبسُ كلِّ ما يضرُّ العامّةَ حبسُه؛ وذلك عن طريق شراء السلع وحبسها، فتقِلُّ بين الناس، فيرفع البائع من سعرها استغلالًا لنُدْرَتِها، ويُصِيبُ الناسَ بسبب ذلك الضررُ، وقد نهى عنه الشارع وحرَّمه؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «مَنِ احْتَكَرَ حُكْرَةً، يُرِيدُ أَنْ يُغْلِيَ بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَهُوَ خَاطِئٌ» أخرجه أحمد، والحاكم، والبيهقي.
 
وعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْعَارِ الْمُسْلِمِينَ لِيُغْلِيَهُ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُقْعِدَهُ بِعُظْمٍ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أخرجه أحمد، والحاكم، والبيهقي، والطبراني.
 
وقد حمل جمهور الفقهاء هذه الأحاديث وغيرها على الحرمة، لكن هذا التحريم لا يثبت إلا بشروط، يكاد أن يتفق الفقهاء على ثلاثة منها، وهي: الشراء وقت الغلاء، والمراد بالشراء شراء السلعة الموجودة في البلد، والحبس مع تربص الغلاء، وإحداث ضرر بالناس جراء الحبس -أنظر: "بدائع الصنائع" للإمام الكاساني الحنفي (5/ 129، ط. دار الكتب العلمية)، و"مواهب الجليل" للإمام الحطاب (4/ 227، ط. دار الفكر)، و"أسنى المطالب" للشيخ زَكَرِيَّا الأَنْصَاري الشافعي (2/ 37، ط. دار الكتاب الإسلامي)، و"المغني" (4/ 167، ط. مكتبة القاهرة)-، فإذا اختلَّ واحد من هذه الثلاثة فلا يكون احتكارًا.
 
وهذا النهي السابق عن الاحتكار يشمل سائر ما يحتاج إليه الناس في معايشهم من غير قَصْرٍ له على القوت؛ لأنَّ علة التحريم هنا هي الإضرار بالناس وهي مُتَحَقِّقَةٌ في كلِّ ما يحتاجون إليه ولا تقوم معيشتهم إلَّا به، وهذا مُلَاحَظٌ في تعريفات الفقهاء للاحتكار، والحاصل من أقوالهم: أَنَّ العلة في مَنْع الاحتكار ليست ذات الاحتكار، بل الإضرار بالناس، ولهذا يقول الإمام البيهقي في "معرفة السنن والآثار" (8/ 206، ط. دار الوعي-حلب) بعد ذكره حديث معمر رضي الله عنه «مَنِ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ»؛ قال: [إنما أراد -والله أعلم- إذا احتكر من طعام الناس ما يكون فيه ضرر عليهم دون ما لا ضرر فيه] اهـ.
 
والإضرار معنًى مشتركٌ بين مرتبة الضرورة والحاجة، فإذا أَلجأ الاحتكارُ الناسَ إلى مرتبة الضرورة أو الحاجة فهذا هو الاحتكار المحرَّم، والذي يتحقَّق باحتكار أي شيء ولا يَخُصُّ الطعام دون غيره؛ ذلك أنَّ اختلاف الفقهاء فيما يكون فيه الاحتكار إنما هو خلاف في الصورة فقط -أي: خلافٌ لفظيٌ-، فعند المالكية أنَّ الاحتكار يكون في كل شيء؛ سواء في الأقوات أم غيرها وإن كان ذهبًا وفضة، وهو قول أبي يوسف من الحنفية، وقال الشافعية والحنابلة إنه خاصٌّ بالأقوات فقط، وهو المفتى به عند الحنفية، وخصَّ الحنابلة القوت بقوت الآدمي، فلا احتكار عندهم في قوت البهائم. أنظر: "العناية شرح الهداية" للإمام شمس الدين البابرتي الحنفي (10/ 58، ط. دار الفكر)، "البيان والتحصيل" لابن رشد المالكي (7/ 360، ط. دار الغرب الإسلامي)، "نهاية المحتاج" للإمام شمس الدين الرَّملي الشافعي (3/ 472، ط. دار الفكر)، "المبدع في شرح المقنع" للإمام برهان الدين ابن مفلح الحنبلي (4/ 47، ط. دار الكتب العلمية).
 
لكن القائلين باختصاصه بالأقوات اشترطوا ألَّا يكون للناس في المحبوس -ونعني به غير الأقوات- ضرورة، ومعناه عدم الجواز عند اضطرار الناس أو حاجتهم إلى الشيء الـمُحْتَكَر، وحالة الاضطرار أو الحاجة هي ما يصدق عليها معنى الاحتكار كما أوضحنا، فإذا لم يكن للناس حاجة في السلعة، ولم يضطروا إلى شرائها، فليس فيها احتكارٌ وإن حبسها البائع وغَلَا ثمنها.
 
وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنَّ الاحتكارَ المُحَرّم شرعًا لا يقتصر على الطعام، بل يشمل كل ما يُلْحِقُ الضرر بالناس في كل معاشهم.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

تشييع جثمان الفنانة سمية الألفى بعد صلاة العصر من مسجد مصطفى محمود

وفاة الفنانة سمية الألفى بأحد مستشفيات المهندسين بعد صراع مع المرض

الطقس اليوم السبت.. الأرصاد تحذر من انخفاض جديد فى درجات الحرارة

أولوية الحصول على وحدات بديلة وفق قانون الإيجار القديم.. اعرفها

طبيب الأهلى يقدم تقريراً عن 3 لاعبين قبل مواجهة غزل المحلة بكأس عاصمة مصر


دار الإفتاء تستطلع اليوم هلال شهر رجب لعام 1447 هجريا

استعدوا غدا لأطول ليل فى السنة بـ14 ساعة.. اعرف السر

موعد مباراة الأهلى القادمة أمام غزل المحلة فى الجولة الثالثة بكأس عاصمة مصر

هل يجوز محاكمة الموظف تأديبيا بعد انتهاء الخدمة؟.. القانون يوضح

منصة مصر الرقمية تتيح تسجيل الأسر إلكترونيا فى منظومة التأمين الصحى الشامل


زمن تقاطر منتظم وحارات مستقلة.. إقبال كبير على الأتوبيس الترددى.. إنفوجراف

القبض على إبراهيم سعيد وطليقته بعد مشاجرة فى فندق بالتجمع

الجيش الروسى يعلن تشكيل أول فرقة دفاع جوى – صاروخى مزودة بمنظومة «إس 500».. يمكنها الاشتباك مع صواريخ معادية وإسقاطها على بعد مئات الكيلومترات.. ومصممة لتدمير الصواريخ الباليستية العابرة للقارات والرؤوس النووية

مواعيد مباريات اليوم السبت 20 - 12 - 2025 والقنوات الناقلة

كل عام وأنتم بخير.. اليوم ميلاد هلال شهر رجب لعام 1447 هجريا وغدا أول أيامه فلكيا

جدول مواعيد مباريات الأهلي فى بطولة كأس عاصمة مصر

برودة شديدة ليلًا وشبورة صباحًا.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس السبت 20 ديسمبر 2025

المتسابق محمد القلاجى يحصل على أعلى الدرجات ببرنامج دولة التلاوة

الزمالك يحسم قمة الجولة الثالثة أمام الجزيرة.. وفوز الأهلى والاتحاد فى دورى سوبر السلة

دولة التلاوة.. المتسابق محمد القلاجي: هذه السورة أجد نفسى فيها

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى