أزمة "الضمانات".. المعضلة الأمريكية المزدوجة

بيشوى رمزى
بيشوى رمزى
بقلم بيشوى رمزى

ربما تبقى مسألة "الضمانات" الأمنية هي بمثابة الدافع الأكبر وراء اندلاع العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وهو ما يبدو في الخطاب الروسي طيلة الأشهر التي سبق التحرك العسكري، حيث رفضت موسكو كافة محاولات التسويف الغربية فيما يتعلق بمسألة انضمام أوكرانيا للناتو، على اعتبار أن وجود التحالف على حدودها بمثابة "خط أحمر"، لا يمكن القبول به، خاصة مع توغله شرقا في عمقها الاستراتيجي ومحيطها الجغرافي، منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، في التسعينات من القرن الماضي، والرفض الغربي المطلق للتوقف عن التوسع المستمر في أوروبا الشرقية، رغم ما يمثله من تهديد، بحسب الرؤية الروسية، لأمن موسكو، لتتحول المناوشات الدبلوماسية، إلى معركة عسكرية حقيقية، تمتد تداعياتها إلى قلب أوروبا نفسها، في ظل أوضاع اقتصادية صعبة ربما يؤدي استمرارها إلى انفجارات كبيرة داخل دولها في المستقبل.

إلا أن قضية "الضمانات"، المطلوبة بالأساس من الولايات المتحدة، باعتبارها القائد الفعلي لما يسمى بـ"المعسكر الغربي"، ربما لا تقتصر على الجانب الروسي، في ظل الإصرار الواضح على عدم انضمام أوكرانيا للناتو، وإنما في واقع الأمر يبدو مرتبطا بأطراف أخرى، أبرزهم دول أوروبا الغربية، والتي ارتبطت بالتحليق في فلك واشنطن، منذ عقود، وتحديدا في أعقاب الحرب العالمية الثانية، لتخوض معها حربها ضد الاتحاد السوفيتى لما يزيد عن 40 عاما كاملة، وجدت خلالها دعما أمريكيا في المقابل، يحمل شقا اقتصاديا، عبر مساعدة الدول التي دمرتها الحرب على إعادة إعمارها مجددا، بالإضافة إلى اتفاقات تجارية، وتسهيلات متعددة، بالإضافة إلى الجانب الأمني، عبر تقديم الحماية لهم، عبر الناتو، ناهيك عن الدعم السياسي الكبير سواء لأوروبا الموحدة، في إطار الاتحاد الأوروبي، أو للأنظمة الأوروبية الموالية لها، مما ساهم في احتفاظ هياكل السلطة في القارة العجوز بقوالب معينة، تحظى بـ"رضا" واشنطن لسنوات طويلة.

وهنا كان الدوران الأوروبي في الفلك الأمريكي منذ الحرب العالمية الثانية، في جوهره، ليس "هبة مجانية"، وإنما كان يمثل "صفقة"، يمكننا تسميتها بـ"القيادة مقابل الدعم"، تصبح من خلالها دول القارة العجوز، بمثابة أداة لـ"شرعنة" السياسات الأمريكية، مقابل الحصول على دعم واشنطن سياسيا واقتصاديا وأمنيا، وهو ما نجح فعليا، حيث احتفظت أمريكا بالهيمنة المطلقة على العالم، لثلاثة عقود كاملة حتى الآن، بينما جنت أوروبا ثمار ذلك، لتصبح قوى اقتصادية عملاقة، إلى الحد الذى أقلق واشنطن نفسها، جراء احتمالات استعادة القارة العجوز "شبابها" عبر اقتصادها القوي، وبالتالي مزاحمة القيادة الأمريكية على عرش النظام الدولي.

القلق الأمريكي إثر الصعود الأوروبي، تجلى في أبهى صوره خلال حقبة الرئيس السابق دونالد ترامب، والذي سعى إلى تهميش أوروبا، بل وتفكيكها، وهو ما بدا في قرارات عدة، أبرزها تقييد الواردات الأوروبية، بالإضافة إلى الدعم الكبير لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ليكون اللبنة الأولى في انهياره، ناهيك عن الدعم الصريح والمباشر للتيارات اليمينية في مختلف دول القارة، وهو ما يمثل انقلابا على الخط الليبرالي الذي تبنته الولايات المتحدة، في علاقتها مع محيطها الأوروبي، بينما لم تخلو التصريحات الأمريكية من تهديدات، ارتبط بعضها بمسألة الحماية الأمنية، عبر التلويح المتكرر بالانسحاب من الناتو.

النهج الذي تبنته واشنطن تجاه الأوروبيين، ربما تسبب في حالة من الارتباك لدى حلفائها الرئيسيين، وهو ما بدا أولا في خطوات من شأنها توطيد العلاقة مع روسيا، عبر خطوط الغاز، وكذلك الانخراط في اتفاقات تجارية مع الصين لتعويض الخسائر الناجمة عن القرارات الأمريكية، غير عابئين بموقف الإدارة الأمريكية، بينما لم تتغير الأمور كثيرا رغم تغير الإدارة، في ظل حالة من انعدام الثقة.

الارتباك الأوروبي تجلى بصورة أكثر وضوحا مع اندلاع الأزمة الأوكرانية، حيث باتت المواقف التي يتبناها حلفاء واشنطن الرئيسيين "ناعمة"، إذا ما قورنت بمواقف سابقة، في ظل أبعاد عدة، أبرزها غياب "الضمانات" الأمريكية، وانعدام الثقة في الحليف، ناهيك عن البعد المصلحي الذي بات مرتبطا بالغاز الروسي، وأصبح من الصعب التخلي عنه، على الأقل مرحليا، في ظل عدم وجود البديل الذي يمكنه أن يقدم تعويضا كاملا عنه، لنقص الإمكانات والتكلفة الكبيرة، ناهيك عن الأوضاع المتأزمة أصلا بين دول المعسكر الغربي.

وهنا يمكننا القول بأن أزمة الضمانات التي تعانيها الولايات المتحدة، في ظل الأزمة الأوكرانية، تبدو مزدوجة، حيث بات التعهد الأمريكي - الغربي بعدم امتداد الناتو إلى أوكرانيا، ملزما لوقف العملية العسكرية من جانب، في حين تبقى واشنطن في حاجة إلى تقديم ضمانات جديدة، أو بالأحرى صفقة جديدة، لحلفائها الغربيين، لإنهاء حالة التشرذم الراهنة، خاصة وأن الأزمة الأوكرانية لن تكون المحطة الأخيرة لقطار الصراع الدولي الجديد، مع طموحات كبيرة لموسكو، ربما تدعمها التطورات الأخيرة، من جانب، بالإضافة إلى الصعود الصيني الكبير، والذي من شأنه إضافة المزيد من الضغوط على الجانب الأمريكي، في ظل التحالف بين موسكو وبكين في المرحلة الراهنة.

 

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

موعد إعلان بطل دوري 2025 بعد رفض المحكمة الرياضية الشق المستعجل لبيراميدز

تامر حسني وأبطال فيلم ريستارت يحتفلون بعرضه الخاص في أكتوبر اليوم

الطقس اليوم.. ارتفاع جديد فى درجات الحرارة والعظمى بالقاهرة 38 درجة

أحمد حسن يحضر قرعة بطولة كأس العرب فى قطر.. اليوم

امتحانات نهاية العام.. موعد إعلان وظهور نتيجة الفصل الدراسى الثانى 2025


المتهم بالنصب على المواطنين: أوهم ضحاياه بتوافر فرص عمل بأجور مجزية

أحمد شيبة عن أغنية "أنا مش تمام".. درامية ومبسوط بنجاحها

غدا آخر فرصة للتقديم على وظائف فى مشروع الضبعة النووية.. اعرف التفاصيل

عزيمة لا تقهر.. حكاية شاب شرقاوى من معاناة السمنة المفرطة إلى بطل كمال أجسام بعد ممارسة الرياضة.. هشام حنفى: وزنى كان 155 كجم وصاحبتنى الأمراض وبالتدريبات أصبحت 95 كجم فى 6 أشهر فقط ويؤكد: العزيمة مفتاح النجاح

الأهلي يطلب من ريفيرو تحديد موعد ظهور الصفقات الجديدة فى التتش


حرائق تلتهم غابات الجبل الأخضر وتقترب من المناطق السكنية شرق ليبيا (فيديو)

قطع المياه عن هذه المناطق بالقاهرة لمدة 8 ساعات.. تعرف على التفاصيل

العراق وإيران وفلسطين تفوز بجوائز مهرجان كان.. "حادث بسيط" يحصد السعفة الذهبية.. وجائزة Camera d’Or تذهب للمخرج حسن هادى عن فيلمه "كعكة الرئيس".. والفلسطينى توفيق برهوم يحصد Palme d’Or للفيلم القصير

مروة ناجي: مشاركتي في عرض "صوت وصورة" لكوكب الشرق وسام على صدري

ترتيب الحذاء الذهبي.. مبابي يقترب من حسم الجائزة متفوقا على محمد صلاح

اعرف أسعار الفائدة على شهادات الادخار ببنك مصر

العالم هذا المساء.. فلسطينى يروى كيف استخدمه جنود الاحتلال درعا بشرية فى شمال غزة..تسريب 184 مليون كلمة مرور من "آبل" و"فيسبوك" ومنصات أخرى.. 50 موقعا أثريا وتاريخيا بالمدينة المنورة يستقبل حجاج بيت الله الحرام

دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ذي الحجة لعام 1446فى هذا الموعد

مجلس الوزراء ينشر فيديو عن مشروع "سكن لكل المصريين"

قضية أحمد فاتح تُشعل الجدل.. حقيقة أول رجل عربى يلد طفلة

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى