سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 17 أبريل 1993.. وفاة العلامة جمال حمدان وحيدا بعد سنوات طويلة من عزلته التى وهبها للعلم «ولا شىء غير العلم»

جمال حمدان
جمال حمدان
دخل الدكتور جمال حمدان إلى مطبخه فى شقته المتواضعة فى حى «الدقى» ليعد لنفسه قدحا من الشاى، وفجأة انفجرت أنبوبة البوتاجاز فى وجهه، وأمسكت النيران بتلابيبه، ليفارق الحياة فى «17 إبريل، مثل هذا اليوم، 1993، وفى 22 إبريل 1993 صدر التقرير الطبى بأن الوفاة حدثت نتيجة إصابته بصدمة عصبية نتيجة الحروق التى أصيب بها، لكن شقيقه اللواء عبدالعظيم حمدان، يتهم جهاز الموساد الإسرائيلى بقتله، وفقا لجريدة «الشروق 17 إبريل 2014»، ويؤيده فى ذلك الكاتب يوسف القعيد «روز اليوسف 18 إبريل 2015».
 
بدت نهاية «حمدان» المأسوية وكأنها تنبه المصريين بأن رجلا عظيما كان يعيش بينهم، ولد فى 4 فبراير 1928 بقرية «ناى»، مركز قليوب، محافظة القليوبية، واعتزل الناس والحياة فى مطلع ستينيات القرن الماضى بعد استقالته من التدريس بجامعة القاهرة لتخطيه فى الترقية لصالح زميل سرق أبحاثه، يذكر شقيقه الدكتور عبدالحميد صالح حمدان، فى كتابه «صاحب شخصية مصر وملامح من عبقرية الزمان»: «رتب حياته فى العزلة ترتيبا صارما بعد أن اهتدى إلى فكرته المتمثلة فى اعتزال العالم والاعتكاف فى داره، ليعيش فى محراب العلم بين كتبه وأبحاثه، ولزم شقته الصغيرة ولم يكن يخرج إلا قليلا لقضاء حاجة أو لزيارة مكتبة أو دار نشر، واستقر فى نفسه أن السعادة ليست فى المال ولا فى الجاه ولا فى المناصب العليا بل فى تحقيق الذات بأداء رسالته التى وهب نفسه لها وهى العلم ولا شىء سوى العلم».
 
منحت عزلته للفكر المصرى والعربى والإنسانى مؤلفات عظيمة تنطلق من إيمانه بعروبة مصر وبدورها القيادى للعالم العربى، و«أن عبدالناصر هو أول حاكم أو زعيم مصرى يكتشف جوهر شخصية مصر السياسية، ووضع يده على صيغة السياسة الخارجية لمصر كما يبتغى فى التخطيط السياسى الأمثل»، وفقا لكتاب «جمال حمدان ومذكراته الخاصة» لشقيقه عبد الحميد صالح، وإيمانه بأن إسرائيل جسم سرطانى فى المنطقة لا بد من إزالته، ويبقى مؤلفه «شخصية مصر» بسنوات تأليفه العشر، وصفحاته الأربع آلاف موزعة على أربعة أجزاء، أيقونة فى تاريخ الفكر المصرى والعربى، وفجرت نكسة 5 يونيو 1967 فيه شرارة هذا العمل الرائد.
 
يتذكر محمد حسنين هيكل، كيف كانت مشاعره حين قرأ هذا المؤلف، ينقل الكاتب الصحفى عبدالله السناوى عنه فى كتابه «أحاديث برقاش .. هيكل بلا حواجز»: «اطلعت على أثره : شخصية مصر، دراسة فى عبقرية المكان، خطر لى أن هناك تقابلا من نوع ما بين دوره «حمدان» فى إعادة اكتشاف جغرافية وطنه وموطن العبقرية فيها عند بدايات النصف الثانى من القرن العشرين، ودور شيخ التنوير الجليل رفاعة الطهطاوى فى أخريات النصف الأول من القرن التاسع عشر»، ويروى السناوى قصة اللقاء الأول بين الرجلين فحسب رواية هيكل: «قال لى الكاتب الصحفى مصطفى نبيل (رئيس تحرير الهلال من 1984إلى 2005)، جمال يريد أن يراك، ولم أكن فى حاجة إلى تفكير فأنا أتطلع بدورى إلى رؤيته، من خلف باب مواربة رأيته مرتديا روبا أحمر فوق ملابس البيت، كان الرجل يعد طعاما لنفسه فى مطبخه وغرفة الاستقبال لم تخضع لعناية منذ فترة، لم يكن المشهد يليق بمفكر بحجمه أثرت كتاباته فى مجرى التفكير العام، ولفتت إلى دور الجغرافيا فى حياة المصريين».
 
بحضور مصطفى نبيل، سأله «هيكل»:»لماذا هذه العزلة وإسهاماتك مراجع كبرى للباحثين والمثقفين والمعنيين بالشأن العام ؟! لماذا تفعل ذلك بنفسك وأنت الآن مؤثر لحدود لا تتصورها فى التفكير العام؟! أنت تعيد فكرة الرهبنة المصرية بالعزلة فى الخلاء لكنك منعزل فى فوضى»، طالبه «هيكل» بالانتقال إلى مكان آخر يصلح للحوار، كى يرى الحياة الطبيعية فربما تغريه بالعودة، وفى فندق شهير بالدقى يطل على النيل جلسا الاثنان، سأله «حمدان»: إنك تتصرف كلورد إنجليزى رغم صداقتك لجمال عبدالناصر؟ مشيرا إلى سيجار فى يده، ابتسم «هيكل» لملاحظته سائلا عما إذا كان يريد أن يدخن سيجارا آخر معه، وأخذ جمال حمدان ينفث دخانه فى الهواء، وتدفقت التساؤلات من «هيكل»: ما الذى جرى للمكان وعبقريته وكيف وصلنا إلى هذا؟ إلى أين حركة التاريخ ذاهبة فى هذه الموقع من العالم؟ 
 
أجاب «حمدان» عن فيض تساؤلات هيكل بكبرياء حزنه، حسب وصف «السناوى»، قائلا: «حركة التاريخ الدائمة قد تكون أحيانا إلى أسفل، شهدنا انقلابا لأنه كان بين السكان من لم يقدر ولم يرع حرمة وحق المكان»، وجه هو أسئلة لـ«هيكل» فأجاب عنها، لكن «هيكل» قال له: «جئت إليك حتى أسمع منك، ما تفسيرك لتدهور موقف مصر السياسى؟ ولماذا رحب البعض بهذه الاتفاقية «كامب ديفيد»؟ قال «حمدان» فى كلمة كالرصاص: «إنه الطغيان».  
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

صاحبة دعوى تعويض ضد الزمالك: تلقيت 1000 مكالمة سب وتنمر عقب نشر إعلان الدباغ

مان سيتي ضد توتنهام.. السيتيزنز يتأخر بهدف برينان جونسون "فيديو"

محمد صلاح ضمن أفضل هدافى القرن الحادى والعشرين عالميًا.. ميسي يتصدر

سيدة تطالب بتعويض 20 مليون جنيه من الزمالك لظهور رقمها في إعلان "الدباغ"

بيرس بروسنان يدلي بتصريح صادم حول تجسيد شخصية جيمس بوند مرة أخرى


أشعة جديدة تنتظر ثنائى الأهلى قبل مواجهة غزل المحلة

بعد إعلان المجاعة..ناجون من الهولوكوست يطالبون إسرائيل بوقف تجويع أطفال غزة

جينيفر لوبيز تستمتع بحياتها بعد الطلاق وتعلن انتهاء رحلتها مع الزواج

جلسات دعم نفسى لـ محمد الشناوى في الأهلى قبل مواجهة غزل المحلة

النصر ضد الأهلى.. رونالدو يخوض النهائي رقم 40 في مسيرته


"شكراً مصر".. متطوعو مبادرة "الأشقاء" الجنود المجهولة فى مساعدة العائدين لوادى النيل.. مصريون وسودانيون يتنافسون لخدمة المسافرين للسودان على محطة السكة الحديد بالسد العالى.. توفير خدمات طبية وكراسى متحركة مجانا

موعد مباراة مانشستر سيتي ضد توتنهام فى الدوري الإنجليزي

مستشفى الأهلى.. 6 لاعبين خارج الخدمة فى مباراة غزل المحلة بسبب الإصابة

ابنة هوجان تطالب الشرطة بكشف لقطات الكاميرات لتوضيح ملابسات رحيل والدها

ثلاثة أفلام جديدة فى الطريق.. سلمى أبو ضيف تنتعش سينمائيا

جامعة القاهرة تطلق قافلة تنموية شاملة بالحوامدية بالتعاون مع التحالف الوطنى

فيريرا يراهن على ثبات تشكيل الزمالك وتجانس الصفقات أمام فاركو

مقر عبادة الإله جحوتى.. مدينة الأحياء الأثرية تحكى تاريخ المنيا القديمة.. صور

اعرف الوزن المطلوب من الطالب المتقدم لكلية الشرطة لهذا العام

عرض حكاية "انت وحدك" ثالث حكايات مسلسل ما تراه ليس كما يبدو اليوم

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى