ثقافة سماعية وأبطال من ورق..

محمد أحمد طنطاوى
محمد أحمد طنطاوى
بقلم : محمد أحمد طنطاوى

قد تسأل صديق ما رأيك في الرواية الفلانية؟ ويجيب دون تردد: سمعت أنها دون المستوى، وتحمل أفكاراً متطرفة، وتدس السم في العسل"، هكذا نتحدث دائماً ارتباطاً واعتماداً على ثقافة سماعية ساذجة، الكل فيها ينقل لمن حوله، خرافات وأساطير وأمثال شعبية وموروثات قديمة، وعبارات وقصص لها علاقة بالعقائد والأديان، دون أن تشفع لنا معطيات هذا العصر الرقمي، الذي باتت فيه المعلومات متاحة ومتوفرة ولا تحتاج إلى السفر والترحال أو اختبار الرواة، كما كان القدماء، فالمكتبات الإلكترونية تفيض بعلم الدنيا، ومحركات البحث ودوائر المعرفة تشمل كم لا نهائي من الوثائق والكتب.

لست ضد أن يستمع الناس لعلماء ومتخصصين في مجالات مختلفة، لكن الثقافة السماعية نجحت في أن تجعل الأسطورة تخترق رؤوسنا، وصار بعضنا يفكر فيها ويستمع إليها حتى بعد الشباب والمشيب، لدرجة أن أغلبنا بات يتكلم عن أفكار ومناهج وعقائد دون قراءة صفحة واحدة عنها؟!، فلا عجب بأن نرى من يهاجم فكراً أو ينتقده دون التعرف على مدرسته وفلسفته، أو يعطى الفرصة لنفسه أو من حوله للقراءة والتفكر.

لا يمكن إنكار دور الثقافة السماعية في توراث العادات والتقاليد أو الحفاظ على الهوية الثقافية والفكرية للشعوب، ونقل خبرات السابقين وتجاربهم في تحدى الظروف ومواجهة المحن، لكن التزيد في تصوير البعض على أنهم بلا خطيئة أو لا يأتيهم الباطل من بين يديهم ولا من خلفهم، واحدة من أكبر عيوب هذه الثقافة، التي غالباً ما تصنع أبطالاً من ورق، وتصبغ البشري بأساطير وحكايات لا تمت للحقيقة بصلة.

عندما كنت طفلاً صغيراً، كنت أظن أن السماء في ليلة القدر تمطر ذهباً وفضة، وأن من يرى تلك الليلة سوف يستيقظ وبيته مملوءة بالكنوز والأموال التي لا حصر لها أو عدد، وهذا اعتقاد مازال موجوداً لدى الملايين، الذين يتصورون أن هذه الليلة المباركة، التي ذكرها القرآن الكريم، وجعلها فرصة للمغفرة والعبادة والتقرب إلى الله، فقط وسيلة للغنى والثراء وحيازة المال، وهذا لا شك فهم منقوص يربط الربوبية والعبادة بمتاع المال الزائل.

لا ينس جيل الثمانينيات الأكذوبة الشهيرة التي كانت تقول إن الفنان عادل إمام، عرض على الحكومة سداد ديونها، مقابل وضع صورته على الجنيه المصري! وقد كنا نصدق هذه الكذبة الساذجة، ونعتقد فيها ونتداولها بيننا وكأنها عين الحقيقة، ارتباطاً بسماع فاسد، وعقلاء أو كبار لم يحاولوا تصحيح هذه الأغاليط، ويدفعوننا إلى التعلم والقراءة للوصول إلى الصواب، فقد كان بعضهم ينعق بما لا يسمع، ويردد ببلاهة كما يردد الصغار.

توظيف الثقافة السماعية في نقل الأفكار لم يتوقف عند حد البسطاء وأبناء الريف فقط، لكنه ارتبط حتى بكبار المتخصصين والعلماء، الذين ينقلون عشرات الأرقام القديمة، والدراسات البالية، ويلقونها على مسامعنا عبر الصحف ووسائل الإعلام ليل نهار، رهانا على قلة حيلتنا، وتخلفنا في البحث وجمع المعلومات، لذلك أتصور أن الثورة على الثقافة السماعية واحدة من متطلبات هذا العصر، حتى نتعلم كيف نناقش وننتقد ونسأل، فالسؤال حتى وإن كان سطحياً، لكنه بداية لطريق الخلاص من أوصياء العقول.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

موضوعات متعلقة

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

جيش الاحتلال: استهدفنا موانئ الحديدة ورأس عيسى والصليف ومحطة كهرباء مركزية

مارسيلو يكشف عن النهائى "الحلم" فى كأس العالم للأندية

الأهلى يضع الرتوش الأخيرة على صفقة ضم ياسين مرعى من فاركو 5 مواسم

حلمى عبد الباقى وطارق الشيخ وهانى الأسمر وأمينة يقدمون واجب العزاء فى أحمد عامر

الاتحاد السكندرى يترقب رد الأهلى على طلب استعارة عبد الله ضمن صفقة مروان عطية


كواليس المران الأول للزمالك تحت قيادة يانيك فيريرا.. ممر شرفى لعواد

سعد الصغير وعمر كمال ومصطفى حجاج فى عزاء أحمد عامر.. صور

مسؤولون أمريكيون: ترامب يريد الاتفاق مع نتنياهو على شروط إنهاء حرب غزة

عبد الناصر محمد: أعمل بكامل طاقتى مع الزمالك ولا أعلم مغزى تصريحات رئيس إنبى

البنك الأهلى يحدد شروطه لرحيل أحمد ربيع بعد جلسة مع مسؤولى الزمالك


الإسماعيلى يقرر تعديل موعد الاختبارات والتصفيات النهائية

الشوارع لن تنسى شيكابالا.. صفحة كأس العالم تعلق على اعتزال الأباتشي

أحمد السقا ضيف برنامج كلام كبير مع مها الصغير على قناة ON E.. فيديو

جيش الاحتلال يعلن البدء في تجنيد 54 ألفا من الحريديم للقتال في صفوفه

غلق اتجاه القادم من تقاطع الإقليمي مع إسكندرية الصحراوي حتي طريق السويس أسبوعا

كريم عبد العزيز ينفرد بصدارة نادى الـ 100 فى إيرادات السينما المصرية

"مخدر الزومبى" يثير قلق المكسيك ودول أمريكا اللاتينية لانتشاره بشدة

تحركات الزمالك تصطدم برغبة بيراميدز.. وجلسة تفاوضية لحسم الأمور

هيئة العمل الوطني الفلسطيني: فرص وقف إطلاق النار في غزة كبيرة جدا

9 آلاف دولار للفرد بإجمالى 5 مليارات.. شركة أمريكية تضع تكلفة تهجير الفلسطينيين

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى