تحالف "الخصوم والحلفاء" في مواجهة "أوروبا الموحدة"

بيشوى رمزى
بيشوى رمزى
بيشوى رمزى

على الرغم من شراسة الصراع الحالي بين الولايات المتحدة وروسيا، على الأراضي الأوكرانية، إلا أن ثمة هدفا مشتركا بين الخصمين التاريخيين، يتجلى بوضوح في "تفتيت أوروبا الموحدة"، ففي الوقت الذي تسعى فيه موسكو إلى وقف تمدد الناتو والاتحاد الأوروبي، إلى مناطق تمثل عمقها الاستراتيجي، نجد أن هناك تحركات أمريكية واضحة تقوم في الأساس على إضعاف التكتل القاري، بعدما تحول من كيان مستأنس، يتوقف دوره على الدوران في فلك واشنطن، و"شرعنة" رؤيتها الدولية، إلى مشروع قوى دولية يمكنها تحقيق الهيمنة والنفوذ على حساب الحليف الأمريكي، خلال سنوات ما بعد الحرب الباردة، وهو ما بدا في الطموحات الكبيرة لدى القوى الرئيسية في أوروبا الغربية، وعلى رأسها ألمانيا، والتي كانت بمثابة القائد الفعلي للقارة العجوز، خلال سنوات المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، ثم فرنسا الطامحة للعودة إلى مكانتها الدولية، في عهد الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون.

ولعل الموقف الأمريكي تجاه أوروبا الموحدة، ليس بالأمر الجديد تماما، حيث بدأ الاستهداف الأمريكي للاتحاد الأوروبي، خلال حقبة الرئيس السابق دونالد ترامب، والذي كان أكبر الداعمين لخروج بريطانيا، بينما مارس ضغوطا كبيرة حتى لا يكون خروجا "ناعما"، وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى استقالة رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي، وقدوم بوريس جونسون، والمعروف بمواقفه المتشددة تجاه الكيان المشترك، لخلافتها، بمباركة واشنطن، لتضع الولايات المتحدة بذلك "المسمار" الأول في نعش الاتحاد الأوروبي.

إلا أن الاستهداف الأمريكي الممنهج للاتحاد الأوروبي لم يتوقف عند نهاية حقبة ترامب، بينما امتد خلال عهد خليفته جو بايدن، وإن كان ذلك بطريقة ناعمة، حيث بات يعتمد على بريطانيا "المتمردة"، على حساب أنصار الوحدة الأوروبية، في حين اتجه نحو الشرق مؤخرا، عبر التقارب مع بولندا، والمجر، والسويد وفنلندا، وهي الدول والتي وإن كانت تحمل في جعبتها عضوية الاتحاد الأوروبي تبقى هناك العديد من التحفظات على سياساتها، سواء في الداخل أو الخارج، فيما يتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان، ناهيك عن الموقف من اللاجئين، وغيرها من القضايا التي تضعها أوروبا الموحدة بمثابة أولويات كبيرة بالنسبة لها، على حساب دول الجانب الغربي من القارة، في إطار محاولات "تطويق" موسكو، بينما أصبحت أوروبا الغربية بمفردها، دون دعم الحليف الأمريكي، تحت مطرقة الأزمات الكبيرة التي تواجهها، بدءً من الغذاء، مرورا بالطاقة، وحتى موجات التضخم الكبيرة التي باتت تضرب العالم بأسره، وما سوف يتبع ذلك من تطورات كبيرة، قد تؤدي إلى حالة من الغضب الشعبي، ربما يأكل الأخضر واليابس.

وهنا تصبح حالة الفوضى المحتملة جراء الأوضاع المتدهورة في القارة العجوز، أحد أهم التهديدات التي تواجه حالة "الوحدة الأوروبية"، في ضوء العديد من الإرهاصات، أبرزها ظهور الحركات الشعبوية، في العديد من دول القارة، خلال السنوات الماضية، ونجاحها غير المتوقع في تحقيق نتائج إيجابية، في العديد من المناسبات الانتخابية، وصلت ببعضها إلى مقاعد المعارضة المتقدمة، في ظل مواقفها المناوئة، لسياسات الحدود المفتوحة، والهجرة والتي تمثل الأساس الذي تقوم فكرة "الاتحاد"، خاصة وأن هذه السياسات أضرت بمواطني الدول، لصالح القادمين من الخارج، سواء من اللاجئين القادمين من مناطق الأزمات، أو حتى مواطني الدول "الأفقر" في القارة العجوز.

ولكن بعيدا عن مسار الفوضى، تبقى هناك آليات أمريكية أخرى لتفكيك، أو على الأقل إضعاف أوروبا الموحدة، أبرزها مباركة العديد من التحالفات الأوروبية، بعيدا عن نطاق "الاتحاد"، والتعظيم من دورها، منها على سبيل المثال تجمع فيشجراد، والذي يمثل أبرز التجمعات في أوروبا الشرقية، في الآونة الأخيرة، في ضوء اقترابه من منطقة الأزمة الأوكرانية، بالإضافة إلى استخدام ورقة الناتو، لحشد دول تلك المنطقة وراء أمريكا، على حساب الاتحاد الأوروبي، خاصة مع حالة التباعد الملحوظ بين الدول أعضاء المعسكر الغربي، سواء بسبب الخلافات مع واشنطن، من جانب، أو الانقسام فيما بينهم من جانب أخر.

التحالفات الجانبية داخل أوروبا الموحدة لم تقتصر على أوروبا الشرقية، وإنما تمتد إلى اقتراحات ظهرت إلى النور مؤخرا، منها الدعوة الفرنسية بتشكيل تحالف سياسي أوروبي، يمكنه ضم أوكرانيا وبريطانيا، في ظل تعثر انضمام كييف، والخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، وهو الأمر الذي يمثل بديلا لـ"أوروبا الموحدة"، رغم التأكيد الفرنسي أن اقتراحها لا يتعارض مع الحفاظ على بقاء الاتحاد الأوروبي.

بينما يبقى التحدي الثالث الذي يواجه القارة العجوز، هو عدم قدرتها على تحقيق أي اختراق سياسي فيما يتعلق بالتفاوض مع روسيا، إثر سياسة العقوبات التي انتهجتها منذ بداية الأزمة الراهنة، وهو ما يعكس حالة من العجز في تحقيق التأثير المطلوب في قضايا ترتبط بها جغرافيا، في المرحلة الراهنة، تزامنا مع التخلي الأمريكي عن الكيان القاري، على عكس الأوضاع في سنوات ما قبل ترامب، والتي ظهر فيها النفوذ الأوروبي واضحا في العديد من القضايا التي خرجت عن النطاق الإقليمي الأوروبي، منها على سبيل المثال الدور الأوروبي الكبير في الاتفاق النووي الإيراني، وكذلك ظهورها القوى في الشرق الأوسط، بمباركة واشنطن، مما يضفي انطباعا دوليا بأن دور الاتحاد الأوروبي يبقى مرهونا بحالة "الرضا" الأمريكي.

وهنا يمكننا القول بأن التحديات التي تواجه أوروبا الموحدة، ليست مجرد مع روسيا، باعتبارها الخصم التاريخي للغرب، وإنما الأمر يبدو أكثر تعقيدا، إثر حالة تبدو وكأنها "تحالف الخصوم والحلفاء"، لتقويض الدور الذي يلعبه هذا الكيان في المرحلة الراهنة، بينما تبقى القوى الرئيسية في القارة العجوز منشغلة إلى حد كبير بتنافساتها، التي قد تتحول إلى صراعات في المستقبل، لتصبح حالة الاتحاد في خطر حقيقي، ما لم تنجح القارة العجوز في انتشال نفسها من حالة التبعية التي هيمنت عليها لسنوات، عبر تبني نهجا أكثر استقلالية يقوم على تحقيق المصالح المشتركة لدول الاتحاد في المرحلة المقبلة.

 

 

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

الزمالك يتمسك بـ"بنتايج" ويرفض عروض رحيله

انتعاش فى سوق الشنط والأدوات المدرسية بالإسكندرية قبل أيام من بدء الدراسة.. دسته الكشكول 70 جنيهًا.. صور " لابوبو" تُغرق السوق.. وإقبال المواطنين على الشراء فى الأيام الأخيرة قبل الدراسة.. فيديو وصور

محكمة الطفل تؤيد إيداع نجل محمد رمضان دار رعاية غيابيًا لعدم حضوره

والدة رنا رئيس: ربنا وقف معانا.. والعملية استمرت 6 ساعات وكانت صعبة جدًا

متاح الآن.. رابط موقع التنسيق للحصول على نتيجة تنسيق المرحلة الثالثة


وزير التعليم: دراسة تقديم حافز شهرى 1000 جنيه للمعلمين اعتبارا من نوفمبر

موقع التنسيق.. إتاحة نتيجة تنسيق المرحلة الثالثة خلال دقائق.. رابط الموقع

المحكمة الدستورية العليا تقيد أول طعن ضد قانون الإيجار القديم يطالب بوقفه

انفراد بالوثائق.. أيتام غزة على موائد اللئام.. و"ريفيرا على ساحل الدم".. مؤامرة التهجير تدخل حيز التنفيذ بمخطط ترامب وتوقيع "بلفور 2025".. تفاصيل اللمسات النهائية على تفريغ القطاع.. ودور الجامعة الآسيوية للبنات

صحف بوركينا فاسو تكشف خطة مصر فى مواجهة الخيول للعبور إلى كأس العالم


تحديد مصير هدير عبد الرازق بعد الحكم بحبسها سنة.. بعد قليل

حكومة نيبال تعيد فتح مواقع التواصل الاجتماعى بعد احتجاجات دامية

تحسن فى الأحوال الجوية.. تفاصيل حالة الطقس وأعلى درجات حرارة متوقعة

الرئيس السيسى يوجه بدراسة التماس مقدم بإصدار عفو رئاسى عن علاء عبد الفتاح

النحاس يراقب لاعبي الأهلى الدوليين مع منتخباتهم الليلة استعدادا لإنبى

نتيجة تنسيق المرحلة الثالثة.. خطوات الحصول على النتيجة من الموقع الإلكترونى

نتيجة تنسيق المرحلة الثالثة.. مكتب التنسيق يبدأ رفع النتيجة بالموقع الإلكترونى

نتيجة تنسيق المرحلة الثالثة.. مكتب التنسيق يعلن النتائج بالموقع الإلكترونى

تطوير بحيرة المنزلة يعيد الحياة للمنطقة.. البحيرة تعود تدريجيا كمصدر رئيسي للثروة السمكية.. إزالة ما بين 80 و 260 مليون متر مكعب من الرواسب.. وأعمال التكريك حسنت من جودة المياه

صدارة الدوري تشعل مواجهة المصري والزمالك فى الجولة السادسة بالدوري

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى