أزمة الاقتصاد العالمى تبدأ من مرحلة ما بعد التضخم

محمد أحمد طنطاوى
محمد أحمد طنطاوى
بقلم محمد أحمد طنطاوى

الأزمة الاقتصادية التي يعيشها العالم خلال المرحلة الراهنة ليست نهايتها ارتفاع معدلات التضخم بصورة غير مسبوقة، وتحريك البنوك لأسعار الفائدة لمستويات قياسية لم تشهدها منذ نصف قرن، لكن ترتبط أساساً بالقادم المجهول عقب هذه الموجة التضخمية، وهو "الركود"، فالتضخم ليس مشكلة كبيرة مادامت السيولة متوفرة، ومادام الناس قادرين على إدارة نفقاتهم بشكل جيد، إلا أن المشكلة تتجلى في مرحلة ما بعد التضخم، التي تشمل زيادة في المعروض من السلع والمنتجات مع ضعف القدرة الشرائية، ليختل الميزان الطبيعي للعرض والطلب، فيرتفع الأول، وينخفض الثاني.

 انخفاض الطلب أخطر بكثير من زيادة المعروض، لما له من تأثيرات مباشرة على الاستثمار والصناعة والعمل ومعدلات البطالة، والفرص المتاحة في الأسواق، وهنا أضرب هذا المثال البسيط لنفهم:  لو أنك تشترى نوع معين من الألبان بالسوبر ماركت، وارتفع سعر هذا المنتج لمستويات لم تعد قادر معها على الشراء، سوف تنخفض معدلات طلبك عليه خطوة بخطوة، وتتكرر هذه الحالة من مئات المستهلكين، فتصبح النتيجة النهائية أن الشركة المسئولة عن إنتاج هذا النوع من الألبان تبدأ في تقليل استثماراتها، وغلق بعض مصانعها أو خطوط إنتاجها، وتعليق الخطط المستقبلية نحو التوسع والانتشار، وهذا بدوره سوف ينتج عنه تسريح مئات العمال، وتخفيض رواتب وأجور مئات آخرين، ثم وقف التوظيف أو طلب عمالة جديدة لعدة سنوات.

 العالم لم يشعر حتى الآن بحجم الأزمة الاقتصادية التي تضرب أوصاله، ولا يمكن لأحد أن يتنبأ بنتائجها وتطوراتها في المستقبل القريب، خاصة أن القدرة الشرائية موجودة، ومدخرات الأفراد مازالت صامدة في مواجهة ارتفاع الأسعار، كما أن الطلب في حالة جيدة، لكن مع أول انكسار لهذا الخط سوف يشعر الجميع بحجم الأزمة، حينها لن تنجح رواتبهم ومدخراتهم في تلبية كامل احتياجاتهم، وبالطبع سيترتب على هذه الفرضية نتائج شديدة السلبية، على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

مشكلة الدول النامية والفقيرة أصعب من غيرها، خاصة في ظل وجود معدلات نمو سكاني ضخمة قد ترشحها لأزمات في توفير السلع والمنتجات الأساسية، وسلاسل الإمداد، بالإضافة إلى ضعف مستويات الدخول، ومحدودية نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي، لذلك يجب أن تسعى هذه الدول مبكراً لتأمين احتياجاتها، واعتماد خطط واضحة لتوعية المواطنين بخطورة الوضع الراهن، والحفاظ على مدخراتهم في وسائل وأدوات استثمارية آمنة، تحميها من التضخم الحالي والركود المنتظر.

أتصور أن التوعية بخطورة الوضع الراهن مهمة جداً لسبب أساسي يرتبط بضرورة أن يبتعد المواطن عن استثمار أمواله بصورة عشوائية غير مخططة، خاصة في توقيت العالم أقرب فيه للانكماش والتراجع منه إلي الاستقرار والنمو، لذلك يجب أن يحافظ المواطن على حجم السيولة المتوفرة لديه، والمدخرات السائلة، دون أن يتجه إلى الاستثمار في العقار أو شراء الأصول، التي لن يتمكن من تسييلها على المدى القريب، نظراً  للضعف المنتظر في معدلات الكاش بالأسواق بمجرد انفجار الموجة التضخمية وتحولها إلي ركود ممتد، خاصة في القطاعات التي يجد لها المستهلك بدائل عديدة.

وفق أكثر التقارير الدولية تفاؤلاً فإن أزمة التضخم قد تنكسر بنهاية العام المقبل، لكن لا يمكن لأحد توقع النتائج الأكثر خطورة لمرحلة ما بعد التضخم، فالمشكلة عندما يصبح سعر السلعة أكبر من المعتاد، أقل بكثير عندما يصبح المستهلك ذاته غير قادر على الشراء من الأساس، نظراً لفقدان وظيفة أو تخفيض راتب، أو انتظار إعانة بطالة أو معاش مبكر وتسريح من العمل دون ضمانات كافية، لذلك يجب أن يرفع الأفراد مدخراتهم من السيولة النقدية في الوقت الراهن لأعلي درجة ممكنة، ويخفضوا الطلب على المنتجات غير الضرورية، ويقللوا استهلاك السلع الأساسية، من أجل الاستعداد للقادم وما يحمله من تحديات صعبة على العالم كله.

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

اليوم.. انطلاق امتحانات نهاية العام لصفوف النقل بالمرحلتين الابتدائية والإعدادية

إمام عاشور من داخل أحد المستشفيات: الحمد لله على كل شىء (صورة)

حقك محفوظ فى قانون العمل.. غرامة تصل 20 ألف جنيه عقوبة توقيع جزاء على العامل دون سماع أقواله أو توقيع جزاء خصم بما يزيد على 5 أيام.. وحق التظلم خلال 3 أيام من علمه بالقرار.. ولا يجوز فصل العامل إلا فى 7 حالات

القصة الكاملة لواقعة سرقة منزل الدكتورة نوال الدجوى من البداية للنهاية

ياسمين صبرى فى العرض الخاص لفيلم the history of sound بمهرجان كان السينمائى


ريكوبا أسطورة ميلان: مصر محظوظة بمحمد صلاح الاستثنائى

تعرف على لزمة عصام السقا في فيلم المشروع x

ميدو ينفى مفاوضات الزمالك مع ريفيرو.. ويؤكد: كل ما يثار حول صفقاتنا غير صحيح

هبة مجدي بعد تكريمها من السيدة انتصار السيسي: فرحت من قلبى وأهم تكريم فى حياتى

متى تُنظر دعوى الحجر على الدكتورة نوال الدجوى من أحفادها؟


السيدة انتصار السيسى: سعدت اليوم بلقاء أبنائى من ذوى الهمم باحتفالية "أسرتى قوتى"

"أصحابه حاولوا ينقذوه وفشلوا".. غرق طالب بالمرحلة الإعدادية فى النيل بدسوق

بعد حذفه بيان الانفصال.. مها الصغير تحذف بوست ردها على أحمد السقا

حلمي طولان: تكليفي بقيادة منتخب مصر في كأس العرب جاء بالصدفة.. والقرار بالإجماع

الخارجية تدين إطلاق إسرائيل النار على وفد دبلوماسى دولى بينهم سفير مصر

الحكومة: مد خدمة المدرسين المحالين للمعاش أثناء العام الدراسى لنهاية العام

المحكمة العليا بإسرائيل: إقالة رئيس الشاباك تمت بالمخالفة للقانون

فى رسالة إلى المجلس الأحمر .. كولر ينفى الاتفاق مع الأهلى حول الشرط الجزائى

أحمد السقا يحذف بيان انفصاله عن مها الصغير بعد انتقاده بسبب الصياغة

البحوث الفلكية تكشف موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى