حازم الشريف يكتب: معركة الوعي والاستعمار الفكرى

حازم الشريف
حازم الشريف

لعدة قرون مضت كانت الشعوب والبلدان تعانى من تسلط بعض القوى العالمية وبطشها واحتلالها لهذه البلدان، بالأسلوب التقليدى القديم، وما تجسّد فى مفهوم الاستعمار من استلاب وتحكم وهيمنة هذه القوى النفوذية على هذه الشعوب المسالمة، وكان ذلك بالطبع يتطلب قوات عسكرية متأهبة، ومعدات وأسلحة بتكلفة عالية، وتخطيط استراتيجى عسكرى محكم، بل وربما خسائر بشرية فادحة، وكان الأمر محفوفا بمخاطر وصعوبات عديدة. ناهيك عن رفض فكرة الاستعمار والاحتلال لدى هذه الشعوب والصمود والنضال، لنيل الاستقلال والحرية والكرامة وتجسيد الإرادة والوعي الشعبى فى أبهى صوره.

 

ولكن في العقود الأخيرة اختلف الاستهداف والمقصد ليتحول من إحتلال الأرض إلى احتلال العقل أو ليقتصر بالفعل على احتلال الإرادة والعقل، وانتقلت المعارك من الميادين وساحات القتال إلى العقول وغزو الفكر واغتياله لأنه الطريق الأفضل والأسهل للسيطرة على الدول والهيمنة عليها، فاستبدل الاحتلال المباشر باختراق الوعى الشعبى العام من خلال اختراق صفوفه بما تم تسميته «الطابور الخامس» الذي يصطف فى صفوفه خونة الأوطان فهؤلاء يؤدون عمالة مباشرة وغير مباشرة بتضليل الرأي العام الشعبى واختراقه ليبدو كأن الآراء المطروحة على الساحة هى آراء شعبية، ولكن هى فى حقيقة الأمر نابعة من عناصر تقوم بشكل ممنهج ومنظم بإعادة برمجة الوعي الشعبى العام وتؤجج مشاعره، لبث ما يُراد من أفكار تضليلية، هدفها اللعب بهذا الوعى السليم وهدم القيم والثوابت الوطنية، واستبدال كل القيم الدينية والأخلاقية التى تمثل الفطرة الإنسانية بتوجهاتهم الشيطانية الخبيثة التى تعمل على التوغل والتغلغل في الوعى الإنسانى وهى فى طريقها إلى نجاح مخططها وفرض حالة من الاستعمار الفكرى الكامل.

 

فقد عانت بعض الدول ومنها مصر وطننا الحبيب من الاحتلالات والاستعمارات القديمة، ولا تزال تعانى كمقصد إستراتيجى مهم، ولكن هذه المرة ليس فقط من تفتيت الجغرافيا، وإنما أيضاً تفتيت الوعى والعقل والدين، من خلال صناعة الفوضى الفكرية التي أنتجت التطرف والتعصب وفكرة المليشيات المسلحة، والانقضاض على السلطة، واغتصاب زمام كل الأمور وصنعت الأذرع والأتباع والموالين والإرهاب الفكرى والدينى المتطرف. كما صنعت أدوات التوغل فى الوعى بتشويه التاريخ وهدم ثوابت الوطنية وثوابت الأمن القومى وفكرة المواطنة بشكل عام.

 

ومع اختلاف المقصد المراد اختلفت معه الأساليب والتقنيات التى تناسب تحقيقه، فأصبحت ما بين مراكز أبحاث ودراسات تعمل ليل نهار على اختراق الفكر العام، وما بين مجندين لبث السموم الفكرية والسياسية على وسائل التواصل الإلكترونى، وما بين إعلام يبث من الخارج كل ما يقوله أو يشير إليه، هو تزييف الحقائق، وعكس صورة الواقع، وبين ما يطلقون على أنفسهم مفكرين وناشطين سياسين تابعين للنهج الإقصائى المتطرف، يقومون بدورهم بالاختراق الفكرى والتاريخى لنصل فى نهاية الأمر إلى تابعين بسطاء سُذّج نقوم بتصديق كل مايملى على مسامعنا من نشر أكاذيب وأفكارٍ سامة يُخترق بها ثوابت الوطن وأمنه وإستقلاله.

 

هناك تحديات كبيرة تمر بها دول المنطقة نتيجة اختلاف بعض المتغيرات على الساحة العالمية واختلاف الخريطة الاقتصادية للعالم أجمع، على الجانب الآخر توجد خفافيش ظلام ومحرضين فتنة متأهبين لفرصة الانقضاض على مقدرات الشعوب وحقوق أبنائها، ولا ييأسون من المحاولات بشتى الطرق وأقذر الدوافع، للنيل من هذه الأوطان الآمنة المستقرة والعبث بمستقبلها.

 

فاحتلال العقل وتغييب الوعى أخطر بكثير من احتلال الأرض فهو يمثل الخطر الأكبر على الشعوب والمجتمعات، ولا يخفى علينا اليوم هناك أوطان يتم هدمها وتفكيكها على أيدى أبنائها سواء بقصد وهم ما يطلق عليهم خونة الأوطان أو بدون بسبب عدم إدراك ما يحاك بهم من مؤامرات وإستخدامهم لهدم أوطانهم فى شكل من أشكال الإختراق الفكرى أو إحتلال وتجنيد العقول (فوضى الوعي) لتمرير جميع أشكال الأجندات والمشاريع التي تعمل على الهيمنة والسيطرة على مقدرات الشعوب.

 

فلا مجال هنا لتعطيل العقول وتمرير مايملى عليها.. وهنا تصبح الحاجة ملحة إلى مزيد من الوعي والإدراك حول الآلية التي يتبناها "رواد الفوضى"، عبر أداة التغييب الفكرى، بهدف تحويل المجتمعات نحو الفوضى، وإن كانت هذه الأساليب تبدو جديدة ومختلفة نوعاً ما عن الاستراتيجية القديمة التى قامت على المواجهات المباشرة، ومعرفة أطراف المواجهة، فيقظة الوعي هنا لابد وأن تكون حاضرة بكل قوة وإرادة حتى لايأتى علينا يوم لا نلوم فيه إلا أنفسنا.

 

حفظ الله الوطن ودام حراً مستقلاً..

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

الفصل فى دعوى عدم دستورية قانون الإيجار القديم بشأن شروط الطرد.. غدا

ترانسفير ماركت يكشف اقتراب أسامة فيصل من بيراميدز بنسبة 98%

اكتشاف القرن.. نهر إسبانى يتدفق بالذهب وينعش تراثا رومانيا قديما

السلفادور تعدل الدستور لإعادة انتحاب الرئيس بوكيلى لعدد غير محدود مدى الحياة

أكرم القصاص يكتب: على مسرح تل أبيب..إسرائيليون ضد نتنياهو والإخوان ضد مصر!


انتشال جثة فتاة واستمرار البحث عن شقيقتها بعد غرقهما بمنشاة القناطر

تفوق على ميسي ولامين يامال.. محمد صلاح أفضل جناح أيمن بالعالم 2025

الطقس اليوم الجمعة 1-8-2025.. انخفاض جديد فى الحرارة والرياح تلطف الأجواء

مليشيات "الدعم السريع" تسيطر على أم صميمة بشمال كردفان في السودان

انطلاق انتخابات مجلس الشيوخ فى 6 دول بينهم الإمارات وسلطنة عمان


صرف معاشات شهر أغسطس 2025 اليوم بالزيادة الجديدة

"عشان النور ميتقطعش".. 1200 ميجاوات زيادة فى قدرات التوليد الحرارى

الزمالك يرسم ملامح الموسم الجديد بـ8 صفقات مميزة.. وتشكيل قوى للأبيض

تشكيل الأهلي المتوقع في الموسم الجديد تحت قيادة ريبيرو

محترفو اليد " السفراء الأكثر " في الألعاب الجماعية

إخلاء سبيل البلوجر أم مكة فى واقعة مشاجرة مع مذيعة بمدينة بالإنتاج الإعلامى

حبس مدحت بركات 3 سنوات وإلزامه برد 150 فدانًا استولى عليها بعقود مزورة

تقارير: بيراميدز يرصد 2.5 مليون يورو لضم أوسكار ليدبيرج مهاجم دارمشتات

محمد إسماعيل يتألق والجزيرى يسجل.. كواليس ودية الزمالك وغزل المحلة

لبنان أمام المعادلة الصعبة.. حزب الله متمسك بسلاحه وواشنطن تضغط.. إسرائيل: لن ننسحب من الجنوب.. توقعات بحسم الملف فى الجلسة الحكومية الأسبوع المقبل.. عون يكثف مشاوراته مع برى وسلام.. ويؤكد: لن نسمح بتهديدنا

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى